آمال الشباب الخليجي معلقة على توطين الوظائف

بدأت الدول الخليجية في تنفيذ خطط التوطين منذ سنوات عديدة، واختلفت نسبته بين دولة وأخرى مع وجود عقبات وتحدّيات عديدة. ويتطلع الشباب الخليجي إلى التقدم في هذه السياسة وأن تشمل الوظائف المرموقة لتوفير فرص عمل لخريجي الجامعات.
الرياض - يجمع الشباب في دول الخليج العربي على أن توطين الوظائف هو الحل الأنجع لحل مشكلة البطالة للخريجين الجدد ومن سبقوهم قبل سنوات دون أن ينجحوا في الحصول على فرصة عمل في القطاع الخاص أو الحكومي، لكن الخلاف ما زال قائما حول نسبة التوطين في بعض التخصصات وخصوصا الهندسية منها.
ويعلق الشباب آمالهم على القرارات الحكومية في الدول الخليجية التي ازدادت في الآونة في معالجة مشاكل التوطين والحصول على وظائف تناسب تخصصاتهم العلمية العالية، وهي التي يعاني غالبية خريجيها من صعوبة في الحصول عليها.
وأطلقت دول الخليج برامج واسعة لتهيئة سوق العمل وتنظيم عمل الوافدين، إضافة إلى برامج واسعة لتدريب الشباب على المهارات التي يحتاجها سوق العمل.
وينظر البعض إلى هذه الإجراءات على أنها خطوة في الاتجاه الصحيح. ويقول فارس سلامة، عضو مجلس إدارة غرفة حائل رئيس لجنة السياحة والترفيه، إن “قرارات التوطين بوجهة نظري منطقية، سواء للمهن البسيطة أو المهن الهندسية، وهي بالتأكيد ستكون مفيدة اقتصاديا لأن أبناء البلد في النهاية يصرفون في بلدهم”.
وأضاف سلامة في حسابه الشخصي على موقع تويتر أن “الشيء المهمّ يتعلق بالمهن الصغيرة وما يجب أن نتفاءل به هو أنها تعتبر وظائف مؤقتة وتكون بوابة لوظائف أكبر واكتساب مهارات عملية مهمة”.
برامج التوطين انعكست على رؤية السعودية في تمكين المرأة بسوق العمل؛ فانخفضت بطالة الإناث مقارنة بالعام الماضي
وبدأت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية، الخميس الماضي، في توطين منافذ بيع الجملة والتجزئة في تسعة أنشطة اقتصادية بنسبة 70 في المئة.
ويشمل القرار توطين أنشطة بيع القهوة والشاي والعسل والسكر والبهارات، والمياه والمشروبات، والفواكه والخضراوات والتمور، وبيع الحبوب والبذور والزهور والنباتات والمواد الزراعية، وبيع الكتب وأدوات القرطاسية، وخدمات الطالب، إضافة إلى محلات الهدايا والكماليات والأعمال والمشغولات اليدوية والأثرية، وبيع الألعاب وألعاب الأطفال، وبيع اللحوم والأسماك والبيض والألبان والزيوت النباتية، ومواد التنظيف والبلاستيك والصابون.
غير أن هذا القرار يواجه انتقادات من قبل الشباب الذين يطمحون إلى رفع نسبة التوطين في التخصصات المرموقة مثل الهندسة بمختلف فروعها والصيدلة والمهن القيادية. وقال أحدهم ويدعى سعود على تويتر “وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ما زالت تكذب على نفسها بما يُسمى (التوطين) هل من المعقول لشاب أو شابة يحمل درجة مؤهل عالي يتم توظيفه في سوبر ماركت أو محل وبراتب 3000 ريال أو حتى 5000 آلاف ريال. إذا كانوا صادقين في التوطين عليهم بالشركات الكبرى والوزارات”.
وكتب الطالب عبدالحميد العمري على حسابه في تويتر، “التوظيف في قطاع التجزئة لا يخدم الخريجين الجامعيين، ومن الجيد توطين الوظائف الهندسية وتوطين قطاع الصيدلة”.
سعودة كاملة
قررت وزارة العمل السعودية مؤخرا “توطين” أو “سعودة” عدد من الإدارات والمهن القيادية والتخصصية في قطاع السياحة، وأطلقت في 21 مارس الماضي مبادرة توطين مهن الصيدلة بهدف تمكين الكوادر الوطنية من المؤهلين للعمل في المجال.
وقضت مذكرة تفاهم موقّعة في مارس من العام الماضي كذلك بين وزارة العمل والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وصندوق تنمية الموارد البشرية “هدف”، بتوطين 20 ألف وظيفة محاسبة في القطاع الخاص نهاية 2022.
ونفذت السعودية مشروع توطين أنشطة عدة مطلع العام الماضي، منها محلات الأجهزة والمعدات الطبية، ومواد الإعمار والبناء، وقطع غيار السيارات، والسجاد بجميع أنواعه، والحلويات.
وعززت السلطات سياسة توطين الأعمال في عام 2018؛ حيث أعلنت اقتصار العمل في 41 نشاطا ومهنة في القطاعين السياحي وغير الربحي والأسواق المغلقة، بمنطقة المدينة المنورة، على السعوديين والسعوديات.
وتهدف “رؤية المملكة 2030” إلى خفض معدل البطالة بين مواطنيها إلى 7 في المئة مع ختامها، بينما سيكون الخفض بنهاية العام الحالي إلى 9 في المئة من خلال آليات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يستهدف توفير 450 ألف وظيفة للسعوديين، وإحلال 1.2 مليون وظيفة بالمواطنين في 2020.
وقالت وزارة الموارد البشرية إنها تعمل وفق خطة عمل ومعايير لتصنيف المناطق وتهدف إلى رفع نسبة مشاركة السعوديين في منشآت القطاع الخاص وفقا لاحتياجات كل منطقة ووفقا لعدد الباحثين عن عمل ونوعهم، إن كان بالإحلال أو بتوفير فرص عمل جديدة بناء على نمو منشآت القطاع الخاص وتوسعها.
وذكرت أن القرارات تكون بعد دراسة الأنشطة والمهن المناسب توطينها وفق التخصصات المناسبة للباحثين عن عمل، بالتنسيق التام مع إمارات المناطق.
وقال ناصر الهزاني، المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إن نتائج التوطين في القطاع الخاص، بدأ ظهور آثارها بزيادة توظيف السعوديين بوتيرة متصاعدة، وسعودة البرامج المتعلقة بهذا الشأن مع عودة المنشآت لأوضاعها الطبيعية، مشيرا إلى انخفاض معدل البطالة خلال الربع الأول من العام الحالي.
وأضاف الهزاني في مداخلة لقناة “السعودية”، أن “برامج التوطين انعكست على رؤية المملكة في تمكين المرأة بسوق العمل؛ فانخفضت بطالة الإناث، مقارنة بالعام الماضي، وذلك من خلال الإجراءات التي تمت بشراكة مع الأجهزة الحكومية للسيطرة على معدل البطالة”، منوّها إلى أن التوظيف ركز على الخريجين الذين ليست لديهم خبرة أو الذين أمضوا وقتا في البحث عن عمل.
توعية بالمهن
يرى البعض أنه من الأفضل تدريب الشباب الخليجي على العمل في عمر مبكر، واستهداف طلبة المدارس في المرحلة المتوسطة، بإدخال مهن متنوعة منها التمديدات الكهربائية، والنجارة، والدهان، والسباكة، ومهارات إصلاح الأعطال الأساسية لمواكبة عملية التوطين، وتوعية وتثقيف الشباب بأهمية تلك المهن المستقبلية.
وبدورها، حققت الإمارات تطورا ملحوظا في برامج التوطين وعاما بعد عام تزيد من مستهدفات التوطين التي تريد تحقيقها؛ في سبيل الوصول إلى استحالة وجود مواطن إماراتي لا توجد له وظيفة تناسبه، خصوصا من الشباب.
وكانت البداية عام 2013، حين أعلنت دولة الإمارات ذلك العام عاما للتوطين، وتم خلاله إطلاق مجموعة من المبادرات والسياسات للتعامل مع التوطين كأولوية وطنية على جميع المستويات.
والاثنين الماضي، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتوطين أن 922 مؤسسة وجهة عمل تابعة للقطاع الخاص نجحت في توظيف مواطنين باحثين عن عمل عن طريق بوابة “توطين”، المنصة الإلكترونية للبرنامج الوطني للتوظيف في القطاع الخاص، داعية المواطنين الباحثين عن فرص توظيف وتأهيل لسوق العمل، إلى ضرورة التسجيل لدى البوابة.
ويعمل برنامج “توطين” على دعم وتعزيز مشاركة الموارد البشرية الوطنية في الوظائف المعتمدة، بما يضمن تحقيق التطلعات الوظيفية للكفاءات الوطنية، من خلال تأهيلهم وتدريبهم وإرشادهم، وخلق بيئة عمل جاذبة ضمن المنشآت الاقتصادية الاستراتيجية في القطاع الخاص.
ويحقق البرنامج أربعة أهداف رئيسة، تشمل تعزيز مشاركة الموارد البشرية الوطنية في الوظائف المعتمدة ضمن قطاعات مستهدفة في القطاع الخاص، وضماناستمراريتها في العمل بما يحقق تطلعاتها المهنية والعملية، وكذلك تأهيل الموارد البشرية الوطنية بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل في القطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية، بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنية. كما يهدف إلى توفير منصة إلكترونية ذكية سلسة وميسّرة للاستقطاب، مبنية على أفضل الممارسات العالمية، بالإضافة إلى توفير مزايا وحوافز للمنشآت المسجلة في الوزارة التي تعمل على زيادة توظيف الموارد البشرية الوطنية، وتأهيلها وتدريبها وتمكينها.
وأوضحت الوزارة أن بوابة “توطين” تقدم كذلك أربعة أنواع من الخدمات للشباب المواطنين الباحثين عن عمل، تشمل التدريب على كيفية بناء السيرة الذاتية من خلال تجميع المعلومات عن المستوى التعليمي، والمهارات، والخبرات والمعلومات العامة للباحث عن عمل، وكذلك عبر خدمات الإرشاد المهني، التي تقدم للمستهدفين في جميع مراكز التوطين التابعة لوزارة الموارد البشرية والتوطين على مستوى الدولة.
فجوة بين العرض والطلب
تواجه سياسات التوطين في القطاع الخاص العديد من التحدّيات، منها ما يتعلق بالمواطنين أنفسهم وبعضها بتحايل الشركات الخاصة في تنفيذ السياسات الحكومية برفع نسب المواطنين داخل مؤسسات القطاع الخاص.
واستعرض التقرير الاقتصادي السنوي للإمارات 2019 هذه التحديات، وهي تتشابه مع باقي دول الخليج بشكل كبير، وقد أدت لوجود فجوة بين العرض والطلب على القوى العاملة المحلية.
وتمثل التحدي الأول في عزوف المواطنين عن العمل في بعض المهن نتيجة الصورة النمطية الخاطئة المرسومة في أذهان المواطنين حول بعض المهن وقلة الوعي بمستقبلها، وضعف المردود المادي لبعض المهن، وكذلك طول ساعات العمل.
فيما جاءت مخرجات التعليم كتحدّ ثانٍ في ضوء عزوف المواطنين عن دراسة بعض التخصصات العلمية والهندسية والطبية وتوجههم نحو التخصصات التقليدية مثل إدارة الأعمال وإدارة الموارد البشرية والتسويق، وهو ما نتج عنه عدم ملاءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل.
ويضاف إلى التحديات غياب نظام تخطيط الموارد البشرية والقراءات المستقبلية للأعداد والمهارات المطلوبة في كافة القطاعات، ما ترتب عليه عدم توافر تقارير إحصائية دقيقة لدى وزارة الموارد البشرية والتوطين عن احتياجات القطاع الخاص من الخريجين المواطنين لـ5 أو 10 سنوات قادمة.
وأشار التقرير إلى وجود نقص في عدد المواطنين المؤهلين للعمل في بعض المناصب، ما يتطلب سياسة واضحة لتطوير الشباب وضمان بقائهم واستمرارهم في وظائف القطاع الخاص.
وبحسب خبراء، فإن الوقت الراهن تتاح فيه فرص العمل بشكل أكبر لمواطني دول الخليج لاسيما الشباب، حيث دفعت أزمة كورونا الآلاف من المقيمين إلى العودة إلى بلدانهم، وهو ما فتح الباب أمام المواطنين لشغل العديد من الوظائف.
أزمة الشباب العماني
تعد بطالة الشباب مشكلة مزمنة في سلطنة عُمان، حيث تعتبر الأعلى في منطقة الخليج، وتصل إلى نسبة 50 في المئة بين الشباب الذكور، فيما تتجاوز 70 في المئة من الإناث، الأمر الذي دفع السلطنة إلى اعتماد العديد من الاستراتيجيات والبرامج لتوطين الوظائف.
وسعت السلطات العمانية على مدار السنوات الماضية إلى تخفيف وطأة تزايد معدلات البطالة بين شبابها، فاعتمدت استراتيجية التوطين، وقررت توطين العمالة في شركات الدولة، فيما أمرت الشركات المملوكة للدولة بتسريع عملية استبدال الموظفين الأجانب بشباب عماني، بدءا من المناصب القيادية العليا، وصولا إلى الوظائف العادية.
وأمهلت وزارة المالية العمانية المعنية في هذا الشأن، شركات القطاع العام حتى يوليو 2021 لتقديم خطة زمنية وإدارية لتوطين الوظائف. وأوضحت الوزارة أن الكثير من الأجانب لا يزالون يشغلون مناصب إدارية مرموقة في الشركات المملوكة للسلطنة، وهو ما يجب إعادة النظر فيه خلال العام القادم.
ولجأت الحكومة العمانية إلى تعمين الوظائف بالتدريج، حيث بدأت بتأهيل الشباب العماني أولا وتنمية قدراته للوظائف المطلوبة، إلى جانب التنسيق مع اللجان والكيانات الوظيفية الأخرى لتفعيل مخطط التوطين، ومحاولة فتح آفاق جديدة في سوق العمل لاستيعاب العمالة الجديدة.
لكن التجربة خلال السنوات الماضية أوضحت أن الإجراءات كافة التي اتخذتها الحكومة لم تحقق الهدف المنشود، حيث باء معظمها بالفشل، فما زالت العمالة الأجنبية تسيطر على المشهد بصورة كبيرة، في ظل فشل البرامج المتبعة في تأهيل كوادر شبابية قادرة على تحمل المسؤولية وتعويض غياب العمالة الوافدة، وبشكل خاص في الوظائف الأقل أجرا.