آل بارزاني يستميلون رجال الدين تحسّبا لاحتقان شعبي في معاقلهم بكردستان العراق

أربيل (العراق)- تعهّد رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني بتحسين أحوال رجال وعلماء الدين وحماية حقوقهم، وذلك في فترة يمرّ فيها الإقليم بمصاعب مالية تجرّ وراءها أزمة اجتماعية، ويمكن لرجال الدين بما لهم من سطوة على المجتمع التحكّم فيها ومنع تحوّلها إلى انفجار شعبي على غرار ما شهدته مناطق كردية عراقية في فترات سابقة.
وهنّأ بارزاني “رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي وجميع أعضاء اتحاد علماء الدين الإسلامي في كردستان” في الذكرى الثالثة والخمسين لتأسيس اتحادهم.
وأثنى على دور ونضال الاتّحاد وعلمائه “في أيام الثورة ومواجهة الظلم وحضورهم وتأثيرهم في حاضر المجتمع الكردستاني”.
وتحظى الأحزاب والشخصيات والمنظمات الإسلامية بحضور بارز في مناطق الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني ومركزه أربيل، على العكس من مناطق منافسه وغريمه التقليدي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الراحل جلال طالباني ومقرّهم السليمانية حيث مركز ثقل العلمانيين.
ويرأس اتحادَ علماء الدين الإسلامي في إقليم كردستان العراق رجلُ الدين السنّي عبدالله ويسي المقّرب من السلطة في الإقليم وذي المواقف السياسية المتناغمة إلى حدّ بعيد مع قيادته من آل بارزاني على وجه التحديد.
وعندما أصرّت تلك القيادة على تنظيم استفتاء على استقلال الإقليم سنة 2017 تولى رجل الدين المذكور توفير الغطاء الشرعي لتلك الخطوة التي ووجهت بعاصفة من الرفض في العراق وإيران وتركيا وثلاثتها معنية بالمسألة الكردية، حيث اعتبر آنذاك أنّ الله “كفلَ لجميع شعوب الأرض الحق في تقرير مصيرها والعيش بسلام، وأن الهوية القومية اختارها الله بمحض إرادته لكل قوم من الأقوام”. وقال إنّ أعضاء اتّحاده “لم يوفروا جهدا للتواصل مع المؤسسات الدينية المرموقة والمؤثرة في العالم الإسلامي وأوضحوا لها وجهة نظر الشعب الكردي وهدفه من إجراء استفتاء الاستقلال”.
وخلال الفترة الحالية الصعبة التي يمر بها إقليم كردستان العراق جرّاء خلافاته المالية مع الحكومة الاتّحادية والصعوبات المالية التي واجهها بفعل تشدّد بغداد في تمكينه من نصيبه من الموازنة الاتّحادية وتسديد رواتب موظّفيه، يمكن للاتّحاد ذاته بالتعاون مع قوى إسلامية أخرى ذات شعبية نسبية في محافظتي دهوك وأربيل أنّ يخفّض من منسوب الاحتقان الشعبي الناتج عن الظروف الاجتماعية للسكان وأن يمنع تحوّلها إلى انفجار شعبي شامل على غرار ما حدث في السنوات القليلة الماضية عندما خرج الآلاف من سكان كبريات المدن الكردية وخصوصا مدينة السليمانية للتظاهر ضدّ الظروف الاقتصادية والاجتماعية وعدم دفع الرواتب بفعل الضائقة المالية التي شهدها الإقليم.
وأثارت الضائقة المالية الناتجة عن الخلافات مع بغداد مخاوف جدية لدى قيادة الإقليم التي حذّرت في رسالة توجّهت بها إلى الإدارة الأميركية من خطر انهيار الإقليم في حال بقاء الأزمة مع الحكومة العراقية.
كما حذر تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية من مخاطر استمرار الخلاف النفطي بين العراق وتركيا واحتمال أن تؤدي تداعياته إلى حرب أهلية في إقليم كردستان تمتد إلى جميع أنحاء البلاد.
والخلاف النفطي المذكور أحد أضلاع الأزمة التي يواجهها الإقليم بعد أن أوقفت تركيا المجاورة تدفقات النفط عبر خط كركوك – جيهان الذي كان أكراد العراق يصدّرون النفط عبره ويتقاضون عائداته خارج سلطة الشركة العراقية المكلّفة بالتصدير.
وقرّرت بغداد مؤخّرا إرسال دفعات مالية مخصصة لتسديد رواتب موظفي الإقليم، لكن ذلك لا يمثل سوى تخفيف ظرفي لأزمة مالية واقتصادية أعمق في كردستان العراق.
وقال نيجيرفان بارزاني في بيان أصدره الخميس إنّ “لرجال وعلماء الدين دور مؤثر في توطيد روح التآلف والتسامح والتعايش السلمي، وفي مواجهة خطاب الكراهية والإرهاب والتطرف، وحماية القيم الجميلة للمجتمع الكردستاني، وهم بهذا يؤدون مهمة مباركة في إبلاغ رسالة الإصلاح والاعتدال والوطنية”.
وأضاف في بيانه “لهذا نشد على أيديهم ونساندهم كما فعلنا دائما مؤكدين على حماية حقوقهم وتحسين أحوالهم المعيشية”.
ورغم تراجعها في الدورات الانتخابية الأخيرة بفعل انقساماتها ما تزال التشكيلات الحزبية الإسلامية الموزعة على حزب الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والحركة الإسلامية، تنشط في إقليم كردستان العراق وتحاول منافسة الحزبين المهيمنين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، بينما يعمل الحزب الأخير باستمرار على استقطاب جمهور الإسلاميين للتصويت لصالحه.
وتمتلك تلك الأحزاب قياسا بالحزبين الكبيرين ميزة التغلغل في الهياكل المجتمعية مثل الجمعيات الخيرية ودور رعاية الأيتام والجوامع والتكيات وغيرها، ما يجعل لها دورا مؤثرا في الشارع بغض النظر عن أحجامها الانتخابية.
ولا يمكن للسلطة في الإقليم أن تضمن مواقف تلك الأحزاب التي لم تتردّد أحيانا في تحريك الشارع، لكن رجال دين مقرّبين من السلطة ومنظمات على رأسها اتحاد العلماء يمثلون ثقلا يوازن ثقل المتحزّبين الإسلاميين ويخصم من سلطتهم على الشارع.