آلية فض النزاعات لا زالت عائقا أمام حل أزمة سد النهضة

القاهرة – وافقت الولايات المتحدة، بدعم فني من البنك الدولي، على تسهيل إعداد الاتفاقية النهائية لمفاوضات سد النهضة لينظر فيها الوزراء ورؤساء الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، لإبرامها قبل نهاية الشهر الجاري.
ونشرت وزارة الخزانة الأميركية بيانا، الجمعة، تضمن عناوين عريضة للاجتماع الأخير في واشنطن وذلك في ختام اجتماعات المفاوضات حول سد النهضة التي شارك فيها وزراء الخارجية والمياه بالدول الثلاث، إضافة إلى وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوشين، ورئيس البنك الدولي ديفيد مالباس اللذَين حضرا كمراقبين.
وأكدت دوائر مراقبة، أن البيان يبشر في مضمونه العام باقتراب توافق كبير مع ذكر احتمال حضور زعماء الدول الثلاث إلى واشنطن لتوقيع الاتفاق، واهتمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب برؤية تنهي الخلاف حول سد النهضة.
ولم يعلن البيان طبيعة التفاصيل الفنية، واكتفى بالقول بأنه تم استعراض التقدم الذي أحرزته الفرق الفنية والقانونية داخل الاجتماع، وواصلت الأطراف مناقشاتها حول القضايا المتبقية اللازمة للتوصل إلى اتفاق نهائي.
وقالت وزارة الخارجية المصرية، الجمعة، إنه “تم استكمال التفاوض على عناصر ومكونات اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة”، بينما اكتفت إثيوبيا على لسان وزيرها للمياه سيلشى بيكلي بالتأكيد على وجود “تقارب وتقدم على المستوى الفني والقانوني، لكن لا تزال بعض الأعمال متبقية، قبل توقيع اتفاق مع نهاية فبراير”.
وأذاعت القاهرة جانبا من تفاصيل القضايا التي تمت مناقشتها في اجتماعات واشنطن، وأشاعت في مجملها نبرة تفاؤلية أوحت بقرب انفراج الأزمة.
وبدت البيانات القصيرة والمبهمة التي قدمها البيان الأميركي والتصريحات الإثيوبية المنفردة متحفظة بعض الشيء، ما يشير إلى وجود أمور فنية عالقة بين الأطراف الثلاثة حول مراحل تشغيل سد النهضة، وأن المسألة تعتريها معوقات للتوصل إلى تفاهم كامل.
وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب”، أن القاهرة وأديس أبابا لم تتوصلا إلى حلول نهائية لمشكلتي تحديد كميات المياه المتدفقة إلى مصر، ولم تتفاهما تماما على الآلية القانونية والفنية لفض المنازعات مستقبلا.
وأضافت المصادر ذاتها، أن أديس أبابا ترفض أن يشمل الاتفاق إلزامها بكميات محددة من المياه تتدفق إلى كل من السودان ومصر، وترى ضرورة ترك المسألة إلى الظروف البيئية والطبيعية.
وأوضحت أن الوفد المصري طلب تشكيل هيئة أو كيان من الأطراف الثلاثة، مع وجود ممثل أميركي أو دولي يمكن الرجوع إليه في حالة الخلاف حول أي من القضايا العالقة. لكن إثيوبيا لم تبد تجاوبا كاملا مع المقترح، وطلبت تأجيل البت في آلية الفض المشتركة.
وقال الصحافي الإثيوبي، داويت كيبادي، إن الاتجاه العام في أديس أبابا، هو عدم التفاؤل بمفاوضات واشنطن في ظل تلويح مسؤولين سابقين وخبراء وصحافيين محليين بأن تواجد الولايات المتحدة في المفاوضات أضعف الموقف الإثيوبي وجاء في صالح مصر.
وأشار كيبادي لـ”العرب” إلى أن بيان الخارجية المصرية الصادر الجمعة، كشف عن ملفات عدة تم النقاش حولها، لكنه لم يوضح البنود أو الحلول المرضية للأطراف الثلاثة التي سيتم تضمينها في الاتفاق المنتظر.
وفندت مصر القضايا التي تضمنها الاجتماع الأخير، وأبرزها العناصر والمكونات وملء السد على مراحل، وإجراءات محددة للتعامل مع حالات الجفاف، والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة التي قد تتزامن مع عملية ملء السد، وقواعد التشغيل طويل الأمد التي تشمل التشغيل في الظروف الهيدرولوجية الطبيعية.
وذكر كيبادي، أن مصر لم تؤكد على التوصل لحل نهائي، واكتفت فقط بإبراز نقاط الحوار وإيجابياته، وهي نفس النقاط التي دارت خلال اجتماع واشنطن السابق قبل نهاية يناير.
وتسير القاهرة نحو ممارسة المزيد من الضغوط الدبلوماسية على إثيوبيا ومحاصرة أية محاولة للتملص من التوصل لاتفاق شامل ونهائي.
ويرى مراقبون، أن القاهرة تنتهج منهجا متفائلا عقب كل اجتماع ينتهي إلى تأجيل الوصول لاتفاق، وتغلب حجة السير الإيجابي في المفاوضات، واقتراب نقاط التوافق، وإبراز الدور الإيجابي للإدارة الأميركية، وما إلى ذلك من عبارات تضع الجانب الإثيوبي في الزاوية.
ولفت الخبير في الشؤون الأفريقية، ماهر شعبان، لـ”العرب”، إلى أن القاهرة تعاملت بمنظور سياسي خلال اجتماعات واشنطن الثلاثة الأخيرة، بعد أن بدت أديس أبابا تفرغ المفاوضات الفنية من مضمونها، بالسير في حلقة مفرغة من التفاوض حول الأمور الفنية، بغرض التعطيل والمماطلة في الوصول لتفاهمات حقيقية.
وتابع شعبان “مصر لعبت على خفض التوترات، والتلويح باستمرار بالنوايا الإيجابية للأطراف الثلاثة، والدور الفعال للإدارة الأميركية، ونجحت سياستها حتى اللحظة في السير نحو إجبار الجميع على عدم التنصل من أي تفاهمات ووصولا للاتفاق النهائي”.
ودلل الخبير في الشؤون الأفريقية على كلامه بأن مصر وقعت منفردة من قبلُ على بيانات مبدئية لتأكيد حسن النوايا، ورغبتها الجادة في التوصل إلى اتفاق، وهو مؤشر على النهج السياسي، ورفض اللجوء لخيارات تصعيدية.
ويبدو أن السير نحو عقد اتفاق شامل أصبح واقعا فنيا وسياسيا، ما يعني أن أديس أبابا يمكن أن تتعرض لضغوط تجبرها على المزيد من الليونة في مواقفها لإنهاء أزمة أصبحت واشنطن شريكة في حلها أو تعقيدها.
وتضع المفاوضات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أمام موقف دقيق، إذ أنه يريد أن يرسخ القناعات بأنه يسعى فعلا لتحقيق السلام في المنطقة، ودعم التوجه نحو حل الخلافات بالطرق السلمية، علاوة على ضيق الوقت المتبقي لبدء مرحلة ملء بحيرة السد في يوليو المقبل، وإنتاج كهرباء مع نهاية ديسمبر، وكلها عوامل تمثل ضغطا سياسيا مضاعفا على إثيوبيا، وتجبرها على توقيع اتفاق يمنح الضوء الأخضر ليكون سد النهضة نموذجا للتعاون الإقليمي بدلا من الصراع.