آليات فيسبوك عاجزة أمام سوق الآثار السوداء

واشنطن - لم يفلح الحظر الذي فرضته منصة فيسبوك على بيع القطع الأثرية التاريخية في شهر يونيو الماضي، إذ يبدو أن هذه السوق السوداء تزداد ازدهارا يوما بعد آخر على فيسبوك.
وتروج منشورات باللغة العربية للأثار المنهوبة، وتفتقر المنصة إلى الخبرة اللازمة لتطبيق سياستها الجديدة بشكل صحيح.
ويقول الخبراء “عندما تكون فيسبوك قادرة على تحديد المجموعات التي تنتهك إرشاداتها، فإنها تحذفها ببساطة، وتشطب الوثائق المهمة للباحثين الذين يدرسون الفن المسروق”.
وتقول كاتي بول، المديرة المشاركة لمشروع الآثار وهو مشروع يراقب مجموعات فيسبوك الخاصة بتهريب الأثار “هذا دليل حاسم على جرائم الحرب، وقد أوجدت فيسبوك مشكلة، وبدلاً من تحويلها إلى شيء يمكنها المساهمة فيه، فإنها تزيد الأمر سوءًا”.
ويعتبر الشرق الأوسط غنيًا بالقطع الأثرية الثقافية، وتتجاوز الآثار المترتبة على ذلك سرقة الفن، حيث أصبحت التحف المنهوبة مصدر تمويل رئيسي للمنظمات الإرهابية منذ عام 2014.
ومن الواضح أن سوق الآثار ليست منظمة مثل سوق تهريب المخدرات ومبيعات الأسلحة.
ويوم 24 أكتوبر الماضي، نشر تاجر للفنون في درنة بليبيا، في سلسلة إعلانات بيع، تمثالًا يونانيًا رومانيًا وتمثالًا نصفيًا من الرخام مسروق من المتحف. ونشر البائع صورًا للقطع ضمن مجموعات في فيسبوك خاصة بتهريب التحف تضم ما بين 5000 إلى 18000 عضو.
ويعرض المهربون عبر تلك المجموعات بثًا مباشرًا لأنشطة النهب، ويقدمون لبعضهم بعضًا نصائح حول الحفر وإيجاد مشترين للقطع التي لا تزال في الأرض.
ويراقب مشروع الآثار حاليًا 130 مجموعة خاصة بتهريب التحف.
ونشرت مجموعة في سوريا قوامها 340 ألف عضو منشورات تُظهر اللصوص وهم يكشفون عن فسيفساء، وقال أحد المستخدمين في التعليقات “لا يجب إزالة الفسيفساء”، بينما قال آخر ضاحكًا “تموت جوعًا من أجل تاريخ البلد”.
وتعتبر مشكلة تهريب الأثار خطيرة بشكل خاص في مناطق النزاعات، حيث يعد الاتجار بالآثار جريمة حرب.
ويفقد الباحثون القدرة على تتبع الممتلكات الثقافية وإعادتها إلى المجتمعات الضحية عندما تزيل فيسبوك الأدلة، كما يفقدون الأمل في تحديد أولئك المجرمين.
وفيسبوك ليست المنصة الوحيدة التي تتصارع مع كيفية مراقبة المحتوى والحفاظ على الأدلة لمجموعات البحث مثل مشروع الآثار.
ووُجِّهت انتقادات إلى موقع يوتيوب أيضاً لإزالة المحتوى المتطرف الذي يحاول الباحثون دراسته. إذ تحتفظ كلتا الشركتين أحياناً بالأدلة بناءً على طلب سلطات إنفاذ القانون.
وقال جيف دوتش، الباحث في الأرشيف السوري “في ما يتعلق بمقاطع الفيديو التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان؛ نحن لا نقول إن هذا المحتوى يجب أن يظل علنيًا إلى الأبد، لكن من المهم أن تتم أرشفته”.
وأضاف “يجب أن يكون هذا المحتوى متاحًا للباحثين ومجموعات حقوق الإنسان والأكاديميين والمحامين لاستخدامه في المساءلة القانونية”.
وكان لمركز فيسبوك للخصوصية فوائد غير مقصودة في حالة مهربي الأعمال الفنية، حيث يستخدم المجرمون مجموعات سرية ورسائل مشفرة للقيام بنشاط غير مشروع.
وكتب مشروع الآثار في تقرير “وفّرت فيسبوك فرصًا للمنظمات المتطرفة العنيفة والجماعات الإجرامية للعمل على مرأى من الجميع دون أي سبل للانتصاف منهم”.
وأعلنت شركة فيسبوك في يونيو الماضي، حظر بيع القطع الأثرية التاريخية عبر منصاتها للتواصل الاجتماعي، بعد حملة دشنها باحثون أكاديميون عن كيفية بيع القطع الأثرية المنهوبة من العراق وسوريا ومصر وشمال أفريقيا من خلال الموقع. وجاء القرار بعد أن قال علماء الآثار وناشطون يراقبون تجارة الآثار غير المشروعة إنهم حددوا ما لا يقل عن 200 مجموعة على فيسبوك تضم ما يقرب من مليوني عضو يستخدمون المنصة للعثور على مشترين في السوق السوداء، كما يقدمون دروسا حول طريقة الحفر ويُعرّفون بالقطع الأكثر طلبًا.
وتشمل الأمثلة الشائعة بقايا الدفن، والمنحوتات الحجرية، والفسيفساء، وفي بعض الحالات توابيت بالكامل من سوريا ومصر والعراق وشمال أفريقيا.
وأوضح غريغ ماندل، مدير السياسة العامة في فيسبوك، أن القطع الأثرية التاريخية لها قيمة شخصية وثقافية كبيرة للمجتمعات في جميع أنحاء العالم، ولكن بيعها يتسبب غالبا في أضرار. وأضاف “لهذا السبب كانت لدينا منذ فترة طويلة قواعد تمنع بيع القطع الأثرية المسروقة”.
وتحدد سياسة فيسبوك القطع الأثرية التاريخية على أنها “عناصر نادرة ذات قيمة تاريخية أو ثقافية أو علمية مهمة” وتتضمن عناصر جنائزية قديمة وعملات معدنية وشواهد قبور وأختاما محفورة ومخطوطات.
وتقوم الشركة المالكة لأكبر موقع تواصل اجتماعي في العالم بتطوير أنظمة آلية تعتمد على الصور والكلمات المفتاحية لتحديد المحتوى الذي ينتهك السياسة الجديدة، لكن خبراء يقولون إن “الاعتماد على تقارير المستخدمين والذكاء الاصطناعي ببساطة لن يكون كافيا”.