آخر مصانع التبغ في فرنسا أمام آفاق غامضة

فورياني (فرنسا) - صار موقع في منطقة فورياني بجزيرة كورسيكا منذ ست سنوات آخر مصنع للسجائر في فرنسا مع 850 مليون وحدة منتجة سنويا، لكن المستقبل لا يبدو مضمونا في ظل القيود على بيع التبغ في البلاد.
وحول نيكولا برنار وهو عامل متخصص منذ عقدين في مصنع ماكوتاب، تهتز آلات التبغ قبل وضعه في ورق أسطواني وإضافة فلاتر ثم تُجمع السجائر ضمن رزم تضم كل منها عشرين سيجارة.
وبعد ذلك يتم تغليفها بورق ألومنيوم للحفاظ على نضارة التبغ، قبل وضعها في عبوات من الورق المقوى والأغشية البلاستيكية، ثم تُجمع في علب تضم كل منها عشر حزم.
ويقول برنار لوكالة الصحافة الفرنسية “وصلت إلى هنا بالصدفة لتأدية وظيفة مؤقتة”. وهذا الرجل غير المدخن، الشغوف بالرياضات الجبلية، يبدي ارتياحه “للعمل على صنع منتج طبيعي”، مضيفا أنه “يجب التعامل مع جودة التبغ التي يمكن أن تتغير”.
أما بالنسبة إلى مستقبل هذه الصناعة “الآخذة في التراجع في أوروبا”، فيسأل مدير الموقع تييري جوردان وهو أيضا مدير لمصنع يستورد التبغ في شمال فرنسا “أي مصنع في فرنسا يعرف ما سيفعل بعد ثلاث سنوات؟”.
ويشكل التبغ “السبب الرئيسي للوفيات التي يمكن الوقاية منها” في فرنسا، بحسب هيئة الصحة العامة الفرنسية التي تُقدّر عدد الوفيات بسبب التبغ بنحو 75 ألفا سنوياً، وتشير إلى أن “نصف المدخنين بانتظام يموتون من عواقب تدخينهم”.
وحظرت السلطات الفرنسية إعلانات التبغ، كما أغلقت العديد من المصانع أبوابها، وتحولت إلى أماكن ثقافية مثلما تم في مرسيليا أو حتى إلى جامعة مثلما حصل في ليون.
ويوظف مصنع كورسيكا، وهو آخر موقع لصناعة السجائر في البلاد منذ إغلاق مصنع ريوم وسط البلاد في 2016، حاليا 30 شخصا على مساحة 10 آلاف متر مربع، مقارنة بنحو 143 شخصا مطلع الثمانينات.
وأُسس المصنع عام 1961، وهو ينتمي إلى شركة الاستثمار الصناعي للتبغ والولاعات (سيتا)، وهي كيان احتكار فرنسي خصخص في العام 1995، وهي نفسها تابعة لشركة إمبريال توباكو البريطانية العملاقة، وتنتج السجائر لكورسيكا ومناطق أخرى من فرنسا.
ويقول مدير الاتصالات في سيتا بازيل فيزين إن “السواد الأعظم من صناعة السجائر في أوروبا يتم حاليا في ألمانيا وبولندا”، حيث تُنتج 150 و114 مليار وحدة سنويا على التوالي.
لكن فيزين يؤكد أن “السوق الموازية هي أول منافس لنا”. ويشير إلى أنها تمثل في فرنسا 36 في المئة من السجائر المستهلكة، مع 50 في المئة مزيفة والنصف الآخر مهرب أو مباع من خلف الحدود.
وتم تفكيك العديد من المصانع السرية في فرنسا في العام 2022 وفي يناير في روان شمالا. وفي ديسمبر الماضي كشف وزير الحسابات العامة غابريال أتال عن خطة مدتها ثلاث سنوات لمكافحة الاتجار بالتبغ.

ووفق إحصاءات الجمارك، ارتفعت مضبوطات التبغ المهرب من 284 طنا في عام 2020 إلى أكثر من 600 طن، ثلثاها من السجائر، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي.
لكن جوردان يأسف أيضا “لعدم وجود تناغم ضريبي بين الدول الأوروبية المختلفة”، إذ تبلغ قيمة علبة السجائر نحو 5 يورو في إسبانيا أو 6.5 يورو في سردينيا مقابل 8.5 يورو في جزيرة كورسيكا و10.5 يورو في البر الرئيسي لفرنسا.
ويؤكد مدير مصنع فورياني أن سعر العبوة في السوق الفرنسية يتوزع بين 84 في المئة ضرائب و10 في المئة لبائعي السجائر، والبقية للمصنعين والموزعين.
وفي كورسيكا، سمح نظام استثنائي يرجع تاريخه إلى مرسوم أصدره نابليون بونابرت عام 1811، بأن تكون الأسعار أرخص بنسبة 25 في المئة من تلك الموجودة في البر الرئيسي الفرنسي، لكن قانون التمويل لعام 2020 وضع حدا لذلك.
ومنذ العام 2022، يجب أن تبلغ قيمة علبة السجائر المباعة في الجزيرة 80 في المئة على الأقل من تلك المباعة في فرنسا، ويجب أن يرتفع السعر كل عام بنسبة 5 في المئة حتى يصل إلى 95 في المئة عام 2025.
ومع ذلك، تشير إحصائية لهيئة الصحة الفرنسية أن 32 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و75 عاما قالوا إنهم دخنوا في العام 2021.