"آثار ثاج المجهولة" دراسة فنية حضارية لكنوز تاريخية سعودية

الكتاب يقدم لمحة عن موقع ثاج ويخصص جل صفحاته لتحليل ثلاث لقى أثرية من زوايا تاريخية وفنية وحضارية.
الأربعاء 2024/07/31
شواهد على حضارة مزدهرة

الرياض - أنجزت الباحثة السعودية هياء ناصر عبدالعزيز الحميضي، كتابا مختصرا عن أبرز اللقى الأثرية في مستوطنة ثاج بالمنطقة الشرقية من المملكة السعودية، بعنوان “آثار ثاج المجهولة”.

ويشتمل هذا العمل، الصادر عن “مركز الحضارة العربية” في 64 صفحة، على دراسة فنية حضارية موجزة لثلاث قطع مختارة من كنز “ثاج”، وهي: “القناع الذهبي”، و”التمثال البرونزي”، و”العقد الذهبي”، من خلال أربعة أطر رئيسة لكل لوحة هي الوصف والتحليل التقني والأسلوبي والحضاري.

واستهلت الباحثة كتابها بلمحة جغرافية وتاريخية عن موقع “ثاج” ذاكرة أنها تقع بالمنطقة الشرقية من المملكة على بعد 95 كيلومترا تقريبا عن مدينة الجبيل، وعلى بعد 150 كيلومترا عن مدينة الظهران، في وادي ضحل ينحدر نحو الشمال، على طريق القوافل التجارية القديم المتجه جنوبا إلى اليمامة والأفلاج ومنها إلى وادي الدواسر ثم إلى قرية الفاو ونجران.

إحدى مدن مملكة الجرهاء التاريخية
إحدى مدن مملكة الجرهاء التاريخية

وتتكون مستوطنة “ثاج” من كثبان وتربة طينية، تليها طبقات صخور رسوبية وجيرية تختزن المياه، وتعد من أهم المواقع الأثرية المكتشفة في المنطقة الشرقية وفي المملكة ككل، وتصنف آثارها إلى مرافق جنائزية (سرير جنائزي وتمثال وأوان معدنية)، ومجوهرات ذهبية.

وتشير الدلائل الأثرية والتاريخية إلى أن “ثاج”، كانت مركزا مهما لتجارة “الملح”، لوفرة المياه بها، وقد يكون تعدين “الملح” هو أبرز أنشطتها التجارية في فترة القرن الثالث قبل الميلاد، كما يرجح أنها كانت مركزا رئيسا لتجارة “الأسماك” في الجزيرة العربية.

ومدينة ثاج التاريخية هي إحدى مدن مملكة الجرهاء التاريخية، برزت في القرن الثالث قبل الميلاد شمال شرق شبه الجزيرة العربية. وتشير بعض الدراسات التاريخية إلى أنها مستوطنة شهدت طبقات متعددة من الاستيطان البشري، وأنها هي مدينة الجرهاء المفقودة. تعد الموقع الأثري الأكبر للحقبة الهلنستية في شرق شبه الجزيرة العربية، إذ تبلغ مساحتها 800 ألف متر مربع.

وكانت ثاج محطة تواصل تشرف على ثلاثة مواقع مهمة آنذاك، وهي مرفأ الجبيل، ووادي المياه، وطريق القوافل الذي يربط جنوب العراق بالهفوف. وهو موقع داخل الحدود الحالية لمحافظة الأحساء، في المنطقة الشرقية التابعة للمملكة العربية السعودية. وثاج في الأصل واحة اشتهرت بوفرة مياه آبارها، لجأ إليها الكلدانيون النازحون من بابل.

يحيط بمدينة ثاج سور حصين، يعد الوحيد من نوعه في تاريخ شرق شبه الجزيرة العربية، إذ تأثر بثقافتين مختلفتين، هما العمارة اليونانية التي أثارتها حملات الملك الإسكندر المقدوني على آسيا الغربية، وعمارة جنوب شبه الجزيرة العربية. والسور مشيّد من الكتل الجيرية المنحوتة والحجارة المشذبة، ويبلغ سمكه نحو خمسة أمتار، وطوله نحو 2.5 كلم، يطوق المدينة في شكل أشبه بالمعيّن، ويضم أبراجا نصف دائرية للمراقبة، وأخرى تأخذ شكل معيّن، يقدر محيطها بين 5 و6 أمتار.

وتنتشر حول القلعة من الجهتين الجنوبية والغربية آثار لوحدات معمارية، يبدو أنها كانت مخصصة لشعائر دينية أو مناسبات اجتماعية تابعة للمدينة، وآبار مطوية يبلغ عددها نحو 20 بئرا لخدمة البلدة.

وبينما تخترق الأودية الجزء الجنوبي من المدينة، وتغطي الأراضي السبخة الجزء الشمالي منها، يمثل الجزء الأوسط المنطقة التي كان يحتشد فيها سكان الواحة.

التشابه الكبير بين لُقى ثاج و”المنحوتات الهيلنستية”
التشابه الكبير بين لُقى ثاج و”المنحوتات الهيلنستية”

كانت ثاج مركزا تجاريا رئيسا، تربط بموقعها بين مراكز تجارية مهمة آنذاك جنوب الدولة البابلية ونجران وقرية الفاو واليمامة وهجر، من خلال طرق القوافل البرية العالمية المتمثلة في درب الكنهري ودرب الجمل، كما تشرف بحريّا على منفذ الدفي الأثري على الخليج العربي، الذي كانت البضائع تصدر منه إلى أكاروس وبابل والفرات.

وذكرت الباحثة أن قناع الذهب هو أبرز كنوز “ثاج”، وهذا النوع من الأقنعة كان يثبت على وجه المتوفى لحمايته من الأتربة، وفيه دلالة على ثراء “مملكة الجرهائيين”، التي كانت وسيلة الاتصال بين التجارة السبئية وتجارة الهند والعراق، كما تدل على وفرة خامات الذهب بكثرة في المنطقة الشرقية إبان تلك الحقبة.

وجاءت التحفة الأثرية الثانية التي استهدفت بهذه الدراسة على صورة تمثال برونزي لفتاة منتصبة على قائم سرير خشبي جنائزي، ويتضح أنه من عمل فنان حاذق، وقد يكون المشهد الذي يمثله التمثال عبارة عن طقس ديني داخل المعبد.

أما القطعة الثالثة المدروسة فهي “عقد ذهب” لملكة ثاج مزين بالياقوت واللآلئ والفيروز، وله نوط يتدلى منه حجر جزع أسود على هيئة وجه إنسان، ويلاحظ تكرار وضع اللؤلؤ في قطعة ذهب أربع مرات، والياقوت مرتين، والفيروز مرتين مع تشذيبه على شكل يشبه الهلال وبذرة الصنوبر، وترجح الباحثة أن الهدف من ذلك للدلالة على الثراء الذي تتمتع به الملكة خلال العصر الذي عاشت فيه.

واختتمت الباحثة كتابها بإثبات التشابه الكبير بين لُقى ثاج و”المنحوتات الهيلنستية”، مما يدل على علاقة التأثير والتأثر المتبادل بين شرقي الجزيرة العربية وبلاد اليونان والرومان.

يذكر أن ثمة رسائل علمية وكتبا عديدة تناولت حضارة “ثاج” بالفحص والدراسة والتحليل من أبرزها: “ثاج – دراسة أثرية ميدانية”، للدكتور عوض بن علي الزهراني، و”تاريخ الفخار القديم في مستوطنة ثاج بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية باستخدام إحدى التقنيات النووية”، للباحثة نورة بنت عبدالله بن سليمان، و”حلي الزينة القديمة في ثاج شرق شبه الجزيرة العربية – دراسة فنية حضارية”، للباحثة فهدة بنت سلمان بن عفيصان، و”تل الزاير آثار من ثاج شرق المملكة العربية السعودية”، للباحث نذير بن خالد الزاير وغيرها.

12