آبي أحمد من إصلاحي يطمح للتغيير إلى مدمن على السلطة

واشنطن - تخطو منطقة القرن الأفريقي نحو طيّ صفحات قاتمة عاشتها بعد أن رزحت العديد من دولها تحت حكام قادة دكتاتوريين سيطروا على مقاليد الحكم لعقود، وجعلوها عنوان التوترات السياسية والصراعات المسلحة الأهلية.
ومع انتهاء الحرب الباردة ازدهرت الديمقراطية في القارة السمراء حيث أسهمت العديد من الثورات في تحقيق التغيير المنشود على غرار إثيوبيا التي غرقت في أتون النزاعات الحدودية والحروب الأهلية لتتحول إلى دولة حرة جزئيا كما يشير مايكل روبين الباحث المقيم في معهد إنتربرايز الأميركي.
في عام 1991 فر مينجستو هيلا ماريام، الدكتاتور الماركسي الذي حكم البلاد لفترة طويلة إلى المنفى في زيمبابوي، ليتولى الحكم ميليس زيناوي كحاكم مؤقت وتبنى الفيدرالية العرقية لإنهاء عقود من الصراع العرقي الذي كانت تعاني منه إثيوبيا.
وأجرت إثيوبيا في مايو 1995، أول انتخابات متعددة الأحزاب، ولكن بعض الأحزاب قاطعت الانتخابات التي وصفها المراقبون مع ذلك بأنها كانت نزيهة رغم سيطرة السلطات الحاكمة على موارد الدولة، ورغم ذلك استمرت مضايقة الحكومة لمعارضيها، وزاد اندلاع الحرب مع إريتريا عام 1998 من عرقلة التحرر السياسي، ومع أن دستور عام 1995 كان تقدميا، فإن واقع تنفيذه لم يكن كذلك.
ويضيف روبين في تقرير نشرته مجلة "ذا ناشونال إنتريست" الأميركية أنه في عام 2010 وعلى خلفية عالمية واسعة النطاق للتراجع الديمقراطي، أعادت مؤسسة فريدوم هاوس تصنيف إثيوبيا لتكون دولة غير حرة وأشارت إلى أن مسار إثيوبيا كان سلبيا لعدد من السنوات، "حيث كان رئيس الوزراء ميليس زيناوي يضطهد المعارضة السياسية، ويقمع المجتمع المدني".
وفي عام 2018 أدرجت إثيوبيا مع فنزويلا وتركيا واليمن بين الدول التي تشهد أسرع تراجعات في مجال الحرية خلال العقد السابق.
وربما كان ذلك هو السبب في أن يحظى تولي آبي أحمد رئاسة وزراء إثيوبيا بإعجاب الدبلوماسيين الدوليين، فقد خلف هيلا مريام ديسالين الذي كان أول مسؤول في تاريخ إثيوبيا يتخلى عن منصبه طواعية.
وكان أحمد الذي يبلغ من العمر 41 عاما يمثل تغييرا في الأجيال، فقد أتى من خلفية جهاز أمني، لكنه اكتسب شهرة بأنه إصلاحي. وسعى أحمد لإنهاء مواجهة دامت عقودا مع إريتريا، وهي مبادرة أكسبته جائزة نوبل للسلام عام 2019 اعترافا بـ"جهوده لتحقيق السلام والتعاون الدولي، وخاصة بالنسبة لمبادرته الحاسمة لإنهاء النزاع الحدودي مع إريتريا المجاورة".
ومع اندلاع أزمة إقليم تيغراي أصر رئيس الوزراء الإثيوبي على المضي قدما في التحشيد العسكري متجاهلا التحذيرات الدولية، ليتحوّل رجل السلام وصاحب جائزة نوبل إلى "محارب" عنيد يرفض الاستماع لأي دعوات تهدئة.
وارتفعت حدة التوتر عندما أجرت تيغراي انتخاباتها بشكل أحادي في سبتمبر الماضي، بعدما قررت أديس أبابا تأجيل الاقتراع الوطني جرّاء تفشي فايروس كورونا.
واعتبرت أديس أبابا أن حكومة تيغراي غير شرعية، ما دفع الأخيرة إلى سحب اعترافها بإدارة آبي أحمد. وقطعت الحكومة الفيدرالية التمويل عن المنطقة ما اعتبرته جبهة تحرير شعب تيغراي "عملا حربيا".
وأصبحت المنطقة التي لعب فيها آبي أحمد دور صانع سلام رفيع المستوى في خطر، بعد تحذيرات من توسع نطاق المواجهة الداخلية لتشمل الدول المجاورة.
واستعدت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وهي إحدى القوى الرئيسية التي أطاحت بالحكومة العسكرية المؤقتة في إثيوبيا، للدفاع عن حكمها الذاتي المحلي وإحباط ما تردد عن خطط لتحويل أراض من منطقتها إلى منطقة الأمهرة المجاورة.
وقطعت القوات الإثيوبية الاتصالات عن ميكيلي عاصمة المنطقة في الوقت الذي كانت تتقدم فيه نحو المدينة وتردد أنها أخضعتها لوابل من نيران المدفعية، ورغم الإنكار المتكرر من جانب إثيوبيا بأن القوات الإريترية شاركت أيضا في القتال، فإن عمدة المدينة الذي عينه أحمد يعترف الآن بذلك، وهي حقيقة تعترف بها الآن أجهزة المخابرات الأميركية.
وتصف روايات شهود العيان قيام القوات الإثيوبية والإريترية بعمليات إعدام سريعة للمدنيين وسلب ممتلكاتهم، وبالنسبة لأحمد كانت "دوافع السلطة" وراء ذلك، وبالنسبة للدكتاتور الإريتري أسياس أفورقي كان "المال هو الدافع".
وأصبح أحمد مدمنا للسلطة مثل الكثيرين قبله ممن يصفون أنفسهم بأنهم إصلاحيون، وهو ليس وحده في ذلك، ففي الصومال، عمل الرئيس محمد عبدالله فارماجو مثله على تقويض الفيدرالية مثلما شهده الصومال أثناء حكم عمه سياد بري.
ومع اتجاه إثيوبيا نحو الانتخابات التي تقرر مبدئيا إجراؤها في الخامس من يونيو المقبل، لم يؤد القتال الذي خاضه أحمد فقط إلى إضعاف منافسه الرئيسي، والذي تصادف أنه من تيغراي، ولكن أيضا يمكنه من استغلال سلطات فرض الطوارئ لزيادة تقويض الديمقراطية.
لقد حان الوقت لأن تتحدث الدول الغربية والديمقراطيات الأفريقية مباشرة عن المسار الخطير الذي دفع أحمد إثيوبيا إلى السير فيه. إن إثيوبيا دولة متنوعة، لذلك فإنه ببساطة لن يكتب النجاح لأي دكتاتورية مركزية.
وفي ختام تقريره يرى المحلل الأميركي أن أحمد ليس البديل الشاب الإصلاحي لأسياس في إريتريا، ما يحتم على المجتمع الدولي عدم التغافل عن وضع البلاد في الوقت الذي يخاطر فيه آبي أحمد المتعطش للسلطة بفرض نفس المصير في إثيوبيا.