آبي أحمد في بورتسودان بعد "نصف نجاح ونصف فشل" لمؤتمر القاهرة

القاهرة/ بورتسودان- استقبل رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الثلاثاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أعلى مسؤول يزور البلد منذ اندلاع الحرب فيه خلال أبريل 2023. يأتي ذلك بعد مرور أيام على انتهاء مؤتمر القاهرة حول السودان الذي لم يخرج بنتائج واضحة، وهو ما دفع محللين إلى القول إنه حقق “نصف نجاح ونصف فشل”.
ولم تكشف مصر عن موقفها الرسمي من محاولة أديس أبابا تنشيط وساطتها في الأزمة السودانية.
وقالت مصادر سودانية لـ”العرب” إن زيارة آبي أحمد إلى السودان، وهي الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ليست موجهة إلى القاهرة أو للتشويش على مؤتمرها الذي يمكن وصفه بأنه “حقق نصف نجاح ونصف فشل”، إذ لأول مرة تلتقي قوى محسوبة على الطرفين المتصارعين في مكان واحد، لكنها فشلت في التوافق التام حول البيان الختامي، ورفضت قوى قريبة من الجيش التوقيع عليه.
وأكدت مصادر مصرية لـ”العرب” أن ما يهم القاهرة وقف إطلاق النار في السودان والحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته، ولا يهم كثيرا من أين تأتي الوساطة، المهم حدوث اختراق سياسي إيجابي ووقف الحرب دون ضغوط أو تدخلات خارجية.
وأعلن مجلس السيادة الانتقالي الذي يحكم السودان أن زيارة آبي أحمد إلى مدينة بورتسودان على البحر الأحمر “تأتي للدلالة على عمق العلاقات بين شعبي البلدين”.
من جانبه ذكر مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أن هذه الزيارة هي المرحلة الأخيرة من التزام رئيس الوزراء بإيجاد حلول دائمة تؤمّن الاستقرار في السودان.
وتجري الزيارة في وقت يسعى فيه الاتحاد الأفريقي، الذي يتخذ مقرا في أديس أبابا، لتحريك المفاوضات من أجل إقرار هدنة في السودان.
ورفض الجيش حتى الآن محاولات الوساطة التي قامت بها الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) متهما قادة المنطقة بدعم قوات الدعم السريع.
ويمكن أن تهيّئ زيارة آبي أحمد إلى بورتسودان أجواء سياسية مواتية لكسر الجمود واستعادة إثيوبيا نشاطها السياسي في الأزمة، لأنها تستضيف بدءا من اليوم الأربعاء وعلى مدار خمسة أيام مؤتمرا تحضيريا لقوى سودانية تحت عباءة الاتحاد الأفريقي.
وناقش رئيس الحكومة الإثيوبية مع قائد الجيش الأزمة السودانية التي تعصف بمناطق عديدة، وقد تمتد تأثيراتها، سياسيا وأمنيا وإنسانيا، إلى إثيوبيا، مستفيدا من خبراته بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، حيث لعب دورا مهما بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي في ترتيب الأوضاع الانتقالية بعد الثورة على البشير.
وأكد المحلل السياسي صلاح الدين الدومة أن الزيارة هدفت إلى تعزيز دور إثيوبيا في التوفيق بين أطراف الصراع قبيل انعقاد اجتماع أديس أبابا، وزيادة فرص عقد لقاء بين البرهان وقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في كمبالا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “آبي أحمد لم يأت متعجلاً بعد اجتماعات القاهرة. وعلاقاته القوية مع حميدتي تجعل هناك فرصة مواتية لتعزيزها بأخرى مماثلة مع البرهان. ومجاورة إثيوبيا للسودان والمصلحة المشتركة المتأتية من وقف الحرب وتحريك المياه الراكدة مؤخرا، هي عوامل ساعدت على قيامه بزيارة إلى بورتسودان”.
وكشفت المصادر السودانية ذاتها لـ”العرب” أن تعدد المبادرات من أطراف إقليمية ودولية لا يصب في صالح تسوية الأزمة، خاصة أن لقاء آبي أحمد مع البرهان قد يحدث تشويشا على التحركات المصرية الأخيرة، ويوحي بأن أديس أبابا تريد سحب البساط من تحت قدمي القاهرة، ومنع تمكينها من قيادة الجهود الإقليمية، وإبقاء الأزمة في رعاية الاتحاد الأفريقي والدول الفاعلة داخله، وبدت زيارة آبي أحمد إلى بورتسودان إعادة تموضع مع البرهان، لكن الأخير ربما يوظفها كعادته في تقوية موقفه سياسيّا.
◄ زيارة آبي أحمد يمكن أن تهيّئ أجواء سياسية مواتية لكسر الجمود واستعادة إثيوبيا دورها في جهود تسوية الأزمة
وأوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية محمد خليفة صديق أن آبي أحمد يحاول قطع الطريق على القاهرة التي نجحت في كسر الجمود بين القوى السياسية نسبيا، وليس من المستبعد أيضا تقديمه معلومات إلى البرهان تشكك في موقف النظام الإريتري تجاه الأزمة السودانية، وربما حمل بعض الحوافز، من بينها إعادة مقعد السودان في الاتحاد الأفريقي والتراجع عن تصريحات سلبية كان قد أدلى بها في بداية الحرب السودانية.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن “إثيوبيا تضررت اقتصاديًا من الحرب، فقد تراجعت تحويلات الإثيوبيين في السودان إلى الحكومة الفيدرالية بصورة كبيرة، وتوقفت التجارة البينية، وتعطلت واردات إثيوبيا عبر ميناء بورتسودان، وزادت الكلفة الأمنية والاقتصادية عبر جيبوتي”.
وذكر موقع “السوداني” نقلا عن مصدر مسؤول رفيع بالخارجية الإثيوبية أن آبي أحمد يعمل على تهيئة الأجواء من أجل عودة السلام إلى السودان وإيقاف الحرب، وأخبر البرهان أنه يسعى لدفع جهود تقارب الفرقاء السياسيين والعسكريين في قوات الدعم السريع، لأن أي خطر يهدد السودان ينعكس مباشرة على الأمن الإثيوبي.
وكان رئيس الحكومة الإثيوبية قد أكد أمام برلمان بلاده قبل أيام أن “استعادة أراضينا التي توغل فيها الجيش السوداني مسألة ساعات فقط، لكننا لن نستغل ظروف الحرب التي يمر بها الشعب السوداني الذي وقف إلى جانبنا في جميع الأوقات العصيبة لشن حرب عليه، وأن موقفهم من الصراع محايد تماما، ونسعى لجلب طرفي الصراع إلى طاولة الحوار لإنهاء الحرب، ونتمسك بالاحترام لمبادئ حسن الجوار”.
وانتشرت معلومات بين سودانيين أفادت بمشاركة إثيوبيين في القتال بجانب الدعم السريع وتسلل مواطنين إثيوبيين إلى منطقة الفشقة التي يسيطر عليها الجيش السوداني، وهو ما نفته أديس أبابا مؤخرا.
واستقبلت إثيوبيا قبل أشهر قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) استقبالا رسميا في إطار جولة أفريقية شملت عددا من دول الجوار.
وأتت زيارة آبي أحمد إلى بورتسودان في خضم تصاعد حدة المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في ولاية سنار، جنوب شرق السودان، والتي قد يؤدي إحكام السيطرة عليها إلى فتح الطريق للوصول إلى ولاية القضارف القريبة من الحدود مع إثيوبيا، ما يفضي إلى زيادة نزوح السودانيين إلى أراضيها وإحداث فوضى على الحدود.
ولم تتوافر معلومات موثقة حول صحة انضمام عناصر إثيوبية إلى القتال بجانب الدعم السريع، وهو ما اعتبره متابعون تبريرا لإخفاقات الجيش العسكرية، ونوعا من المكايدة السياسية آنذاك لإثيوبيا التي اتهمت بأنها تقف في صف حميدتي، كما روجت قيادات محسوبة على الحركة الإسلامية لوجود مرتزقة يقاتلون ضد الجيش.
وعقد مجلس الأمن والسلم الأفريقي في الثاني والعشرين من يونيو الماضي اجتماعا أشاد فيه بجهود الآلية الأفريقية رفيعة المستوى وحثها على بدء عملية التحضير لحوار شامل للقوى السودانية في أديس أبابا خلال الفترة الممتدة من 10 إلى 15 يوليو الجاري.
وأشارت تقارير محلية إلى أن الاتحاد الأفريقي دعا 60 شخصية سودانية، من بينها عناصر ذات صلة بنظام الرئيس عمر البشير السابق ومنحازة إلى الجيش وداعمة للحرب، إلى حضور الحوار الذي من المفترض أن يصيغ مشروعا لتدشين عملية سياسية مستقبلا.
وأقرت الآلية رفيعة المستوى المعنية بإعادة الاستقرار في السودان بالاتحاد الأفريقي تنظيم اجتماع بين الأطراف السودانية، ووافق مجلس السلم والأمن الأفريقي على تشكيل لجنة رئاسية من خمسة رؤساء بقيادة الرئيس الأوغندي يوري موسفيني لعقد لقاء بين البرهان وحميدتي.
وقال موقع “سودان تربيون” إن اجتماع أديس أبابا سيواجه مصيرا مجهولا بعد إعلان تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) اعتذارها عن حضوره، بحجة عدم اطلاعها على برنامج الاجتماع والمشاركين فيه والأجندة والترتيبات المختلفة للتوافق.