آبي أحمد أمام عدة سيناريوهات إذا فشل في السيطرة على تيغراي

الجيش الإثيوبي يهدّد بشن هجوم شامل على عاصمة الإقليم المتمرد طالبا من المدنيين الفرار.
الاثنين 2020/11/23
مصير غامض

مع وصول الحرب الأهلية في إقليم تيغراي إلى نقاط تماس أكثر حدة، بدأ المراقبون السياسيون في وضع سيناريوهات لإصرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على حل المشكلة بالطرق العسكرية، في تحرك يثير الكثير من النقاش بشأن هذا المنحى، والذي يرون فيه رسالة تحذير لأي حركات تمرد أخرى في الأقاليم المهمة تريد إخضاع الدولة لها بالقوة.

أديس أبابا - في تصعيد غير مسبوق للعداء العنيف مع خصومه في إقليم تيغراي شمال البلاد، رأى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أن الحل لإخضاع المتمردين يكمن في إطلاق عملية عسكرية ضدهم بعد أن أوصدت أبواب التفاهم بين الطرفين.

وكان الإعلان عن صد هجوم على معسكر للجيش الاتحادي في العاصمة أديس أبابا في الساعات الأولى من الرابع من الشهر الجاري، يشير إلى أن البلاد تشهد نقطة تحول خطيرة لبلد شهد استقراره عدة اختبارات وتحديات منذ تولي آبي السلطة في العام 2018.

واليوم زادت حدة التصعيد، فقد هدّد الجيش الإثيوبي، الأحد، بشن هجوم شامل “بلا رحمة” على مدينة ميكيلي عاصمة منطقة تيغراي المتمردة ومقر الحكومة المحلية التي يسعى إلى إطاحتها، طالبا من المدنيين الفرار.

وقال المتحدث العسكري ديجين تسيغاي لمحطات الإذاعة العامة محذرا السكان المدنيين البالغ عددهمم نصف مليون نسمة، إنّ “المعركة الحاسمة التالية هي محاصرة ميكيلي بالدبابات”، مهددا بفرض حصار على المدينة. وأضاف “أنقذوا أنفسكم. التعليمات الصادرة لكم أن تنأوا بأنفسكم عن هذه الطغمة، بعد ذلك لن تكون هناك رحمة”.

وأعلنت الوكالة الحكومية للتحقق من حالة الطوارئ في إثيوبيا سيطرة الجيش على عدة مدن في تيغراي، بينها أكسوم وأديغرات الواقعة على مسافة نحو 117 كيلومترا شمال ميكيلي. وقالت إنّ قوات الدفاع سيطرت على مدينة إيداغا حمص الواقعة على الطريق من أديغرات إلى ميكيلي.

ويبدو أن هذا الهجوم على إقليم تيغراي سيكون رسالة لأي حركة تمرد في أي أقليم آخر يريد أن يفرض نفسه على الدولة بالقوة، وهو ما اعتبره محللون أصعب اختبار بالنسبة إلى آبي، لكن تبعاته ستكون مؤثرة للغاية سواء من الناحية الإنسانية أو السياسية أو العسكرية.

ولم يأت التدهور الحاد في استقرار أحد أكبر بلدان القرن الأفريقي كمفاجأة لمراقبي انتقال إثيوبيا، والذي كان واعدا نحو ترسيخ الديمقراطية، وهي نقلة استهلّها رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي فاز أيضا بجائزة نوبل للسلام لدوره في إنهاء حرب باردة استمرت لعشرين عاما مع دولة إريتريا المجاورة.

واستشعر العديد من المراقبين مواجهة تتشكل بين آبي وبين حكام الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الذين هيمنوا على الائتلاف الحاكم للبلاد منذ 1991 عندما أطاحوا بالنظام الدكتاتوري العسكري السابق حتى العام 2018. وفي أكتوبر الماضي، حذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن المواجهة تخاطر بإثارة صراع مدمر والذي ربما يمزق الدولة الإثيوبية.

هجوم الجيش الاتحادي على تيغراي سيكون رسالة لأي حركة تمرد في أي إقليم آخر يريد أن يفرض نفسه على الدولة بالقوة

وواصل الحزب حكم تيغراي، وهي واحدة من عشر ولايات إقليمية تخضع للنظام الإثيوبي الفدرالي العرقي، حيث يتم تحديد المناطق حسب العرق واللغة.

واشتكت الجبهة من تهميشها وتحميلها مسؤولية المشاكل التي تواجهها البلاد. ودفعها خلافها مع الحكومة المركزية إلى تنظيم انتخاباتها الخاصة هذا العام في تحد لقرار أديس أبابا تأجيل الاقتراع جرّاء وباء كوفيد – 19.

ورفض آبي جميع الدعوات الدولية لإحلال السلام بما في ذلك من الاتحاد الأفريقي، الذي يعتزم إرسال ثلاثة رؤساء سابقين كمبعوثين خاصين في الأيام المقبلة، فيما حذرت الولايات المتحدة والأمم المتحدة من كارثة إنسانية تلوح في الأفق.

واعتبرت حكومة آبي جبهة تحرير شعب تيغراي “إدارة إجرامية”، ويبدو أنها عازمة على كسب المعركة العسكرية بدلاً من التفاوض.

وامتد العمل العسكري بالفعل أبعد من حدود تيغراي، حيث أطلقت جبهة تحرير شعب تيغراي صواريخ على أسمرة، عاصمة إريتريا المجاورة، والتي تتهمها بدعم الحكومة الإثيوبية، ومدينة بحر دار إلى الجنوب الغربي.

وشهدت الحملة الحكومية قتالا عنيفا على الأرض وقصف المقاتلات الحربية لبلدات في تيغراي، فيما وثّقت منظمة العفو الدولية مذبحة مروعة شهدت “طعن أو قتل العشرات، ومن المرجح المئات من الناس حتى الموت في بلدة ماي كاديرا جنوب غرب منطقة تيغراي الإثيوبية”.

وتؤكد الأحداث التاريخية أن جذور هذه العداوة عميقة، فقد رفضت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الانضمام إلى حزب آبي الجديد “حزب الازدهار”، عندما تشكّل في أواخر العام الماضي لأنها ترى هذا الحزب محاولة لتفكيك الدستور.

ومع مطلع العام الجاري، اتهم قادة تيغراي رئيس الوزراء الإثيوبي بوضع الأساس لنظام دكتاتوري عن طريق تأجيل الانتخابات بسبب جائحة كوفيد – 19. وفي سبتمبر وفي تحدٍّ للحكومة الاتحادية، أقام إقليم تيغراي انتخابات خاصة به، وهو ما حث البرلمان على التصويت على قطع كل العلاقات مع القيادة الإقليمية في الشهر الماضي.

وتزعم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي أن حكومة آبي أشرفت على اضطهاد عِرق التيغراي الذين يشكلون حوالي ستة في المئة من السكان، فضلا عن ممارسة تطهير انتقائي للمسؤولين وقادة الأجهزة الأمنية التيغراي في الحكومة الاتحادية. وكشرط للحوار، طالبت الجبهة بتنحي آبي من منصبه كرئيس للوزراء وإفساح المجال أمام حكومة تصريف أعمال، لكن يبدو أن مطلبهم لم يلق الترحيب اللازم.

ومع الغموض الذي يترافق مع هذه الحرب الأهلية، فمن غير المستبعد أن تدخل الدولة في نفق مظلم من الأزمات، وخاصة أن تعامل المجتمع الدولي لا يزال يسير ببطء شديد نتيجة لعوامل أهمها الأزمة الصحية، وإفساح المجال للدبلوماسية مع ترك نفس المسافة من جميع المتحاربين في أزمة لا يعرف أحد متى ستنتهي.

6