عزوف الكويتيين عن ممارسة المهن متدنية الأجر يعقّد عملية تعديل التركيبة السكانية

إجراءات كويتية لزيادة مساهمة القطاع الخاص في توطين الوظائف.
الأربعاء 2023/10/04
كم من كويتي مستعد لشغل وظيفتهما

إصلاح خلل التركيبة السكانية في الكويت وتوظيف الكويتيين بدلا من الوافدين في القطاعين العام والخاص وفي مختلف الوظائف والمهن، مشروع كويتي طموح تحرّكه إرادة سياسية وتدفعه عوامل اقتصادية واجتماعية، لكنه يتعثّر في كم كبير من العوائق والصعوبات تجعل تقدمه بطيئا ونتائجه غير مرئية على أرض الواقع.

الكويت - أعادت الحكومة الكويتية تأكيد التزامها بتنفيذ خطط تعديل التركيبة السكانية وتطوير سوق العمل باتجاه توطين الوظائف الهادف إلى توظيف أكبر عدد ممكن من المواطنين في القطاعين العام والخاص بدلا من الوافدين الذين يغرقون سوق العمل ويشكلون الغالبية العظمى من سكان البلاد.

وتعدّ كثرة الوافدين وما انجرّ عنها من مشكلات متنوعة من أعقد الملفّات المطروحة منذ سنوات على الحكومات الكويتية المتعاقبة التي أعلنت بشكل متكرّر نيتها معالجة المسألة، دون تحقيق نتائج عملية تذكر بسبب اصطدامها بعدة عوائق وتعقيدات، من بينها عدم توفّر العدد الكافي من الكوادر الوطنية المؤهلة لتعويض الوافدين وعزوف الغالبية العظمى من الشباب الكويتي على العمل في مهن بسيطة وقليلة الدخل المادي، وخصوصا في القطاع الخاص، في مقابل الإقبال على الوظائف الحكومية المريحة عادة والمجزية ماديا.

وبسبب تغير الظروف الاقتصادية والمالية وظهور العديد من المشاكل الاجتماعية، اتّجهت السلطات الكويتية خلال السنوات الأخيرة نحو اتّخاذ إجراءات عملية لمعالجة اختلالات سوق الشغل ذات الصلة بطبيعة التركيبة السكانية.

وشرعت وزارة الداخلية الكويتية في تنفيذ قرارها بإنهاء خدمات كل من بلغ الستين عاما من الوافدين بالإضافة إلى من أتمّ عشرين سنة من الخدمة.

السلطات الكويتية اتّجهت خلال السنوات الأخيرة نحو اتّخاذ إجراءات عملية لمعالجة اختلالات سوق الشغل ذات الصلة بطبيعة التركيبة السكانية

ونقلت وسائل إعلام محلّية عن مصادر في الوزارة قولها إنّ الأخيرة تتجه إلى توظيف المواطنين بدلا من الوافدين في قطاعاتها وإداراتها، وإنّه تمّ إبلاغ عدد من الوافدين بالاستغناء عن خدماتهم.

ودعا وزير الداخلية الكويتي الشيخ طلال خالد الأحمد الصباح إلى الإسراع في تنفيذ المشروعات التي تسهم في خلق فرص عمل للشباب الكويتي، مؤكّدا مضي الحكومة في تحقيق الأهداف الواردة بمرسوم اللائحة التنفيذية لقانون التركيبة السكانية.

وجاءت تصريحات الوزير إثر اجتماع عقدته لجنة تعديل التركيبة السكانية أقرّت خلاله لائحة “تكويت” (توطين) العقود الحكومية وأوصت برفعها إلى مجلس الوزراء لإدخالها حيّز التنفيذ.

وقالت وكالة الأنباء الكويتية إنّ اللجنة ناقشت في اجتماعها الوضع الحالي للتركيبة السكانية والتحديات التي تواجهها بالإضافة إلى آلية تحقيق التوازن بين القطاعات المختلفة، كما استعرضت التطورات الاقتصادية والاجتماعية وكيفية تأثيرها على التركيبة السكانية واحتياجات سوق العمل وآلية تعزيز التعليم والتدريب المهني لضمان تطابق المخرجات التعليمية مع تطلعات سوق العمل المتغيرة.

ولا يتوقّع متابعون للشأن الكويتي أن تواجه السلطات صعوبات كبيرة في توطين الوظائف في القطاع العمومي، خصوصا إذا ما رافقت عملية التوطين عملية موازية لتكوين الكوادر الوطنية المؤهلة لشغل بعض الوظائف والاختصاصات التي تتطلّب مستوى معيّنا من المعرفة العلمية والخبرات العملية.

مطالبات بتعديل التركيبة السكانية تقترب من معاداة الأجانب ودعوات للاعتراف بالدور التنموي للوافدين في الكويت

لكن المشكلة تظل قائمة في القطاع الخاص الذي يتطلب جهودا كبيرة وحلولا مبتكرة لجعله مغريا وجاذبا للمقبلين على سوق الشغل. وتزداد القضية تعقيدا عندما يتعلّق الأمر بالمهن البسيطة وخصوصا منها الشاقة ومتدنية الأجور.

وتضمّنت  اللاّئحة الجديدة التي أقرّتها اللجنة الوطنية لتعديل التركيبة السكانية بنودا لتحسين جاذبية القطاع الخاص من بينها إلزام المقاولين بمنح العمال الكويتيين مزايا وظيفية مشجّعة كالتأمين الصحي وتذاكر السفر السنوية وضبط سلّم للرواتب.

ويمثل الوافدون نحو 68 في المئة من إجمالي عدد سكان الكويت الذي يبلغ نحو 4.6 مليون نسمة.

وتشكّلت ظاهرة كثرة الوافدين في الكويت على مدى سنوات طويلة تميّزت بالوفرة المالية من جهة، وبالتساهل حدّ التسيّب في عملية استقدام الوافدين إلى البلد إلى درجة ظهور تجارة غير مشروعة رائجة لجلب الآلاف من هؤلاء من بلدانهم ومنحهم إقامات في الكويت خارج القوانين المعمول بها والمنظمة للإقامة والشغل في البلاد، من جهة مقابلة.

ومع ما شهدته الكويت مؤخرا من مصاعب مالية، فقد مثلت فاتورة تحويلات الأجانب نحو بلدانهم الأصلية عبئا إضافيا على الدولة المعتمدة بشكل رئيسي على عوائد النفط حيث يتجاوز الحجم السنوي لتلك التحويلات مبلغ 13.5 مليار دولار وهو ما يساوي ميزانية بعض الدول الفقيرة متوسطة الحجم مساحة وسكانا.

القطاع الخاص يتطلب جهودا كبيرة وحلولا مبتكرة لجعله مغريا وجاذبا للمقبلين على سوق الشغل

وساهمت مثل تلك الحقائق في صنع رأي عام كويتي مضاد لكثرة الوافدين غذّته مطالبات وطروحات عدد من نواب البرلمانات المتعاقبة التي لامس بعضها “التطرّف” ومعاداة الأجانب بتحميله الوافدين معظم مشاكل البلاد.

لكنّ الساحة الكويتية لم تخل من واقعيين يطالبون بانتهاج الرصانة والتدرّج في معالجة ملف التركيبة السكانية، من منطلق إنساني يتمثّل في الاعتراف بالأدوار الكبيرة التي اضطلع بها هؤلاء في بناء البلد وتنميته، ومن منطلق عملي أيضا يرى أنّ معالجة سريعة للملف يمكن أن تسفر عن نقص كبير في اليد العاملة في العديد من القطاعات في ظلّ وجود حالة من عدم الاستعداد النفسي لدى الغالبية العظمى من الكويتيين المعتادين على قدر مرتفع من الرفاه للعمل في مهن بسيطة. كما توجد شكوك كبيرة في وجود العدد الكافي من الكوادر الوطنية المؤهّلة لشغل جميع الوظائف في حال تمّ التخلي عن الخبرات والكوادر الأجنبية.

ويستذكر أصحاب هذا الطرح حالة الإرباك الكبيرة التي حدثت في الكويت خلال سنوات قليلة ماضية بسبب النقص في خدم المنازل، جرّاء جائحة كورونا وقبل ذلك بسبب مشاكل طرأت مع دول مصدرّة لهذا النوع من العمالة على رأسها الفلبين، حتى أنّ الموضوع تحوّل إلى مشغل حكومي عندما قامت السلطات باتصالات ومساعي لإثناء مانيلا عن قرارها بمنع مواطنيها من السفر للعمل بالكويت.

وفي مظهر على “نهم” سوق العمل الكويتية للأيدي العاملة الرخيصة وغير المؤهّلة نشأت على هامش نقص اليد العاملة المنزلية مضاربات قادت إلى ممارسات شبّهها البعض بـ”تجارة رقيق معاصرة” ووصلت معها الكلفة الشهرية للمعينة المنزلية إلى أكثر من 1300 دولار.

3