القضاء العسكري في مصر: معضلة الإرهاب تفرضه والاتهامات السياسية تلاحقه

بعد أن أحال النائب العام المصري، نبيل صادق، الأحد، 292 شخصا إلى القضاء العسكري، لتكوينهم 22 خلية إرهابية تابعة لتنظيم داعش بسيناء، وتنفيذ عدد من الهجمات الإرهابية، والتخطيط لاغتيال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عاد الجدل حول مدى جدوى ومشروعية هذا النوع من القضاء في التعامل مع المدنيين.
الأربعاء 2016/11/23
ضرورة غير مرغوب فيها

القاهرة- لا يحمل المصريون صورة جيدة عن القضاء العسكري في بلادهم، بل بالعكس فكثيرا ما يكون رديفا للتصفيات السياسية، ولتاريخ من الأزمات بين الدولة والمعارضين السياسيين، منذ عهد جمال عبدالناصر، مرورا بأنور السادات، وحسني مبارك، وإن كان بتفاوت حسبما اقتضاه الوضع. ولم تتغير النظرة كثيرا في عهد عبدالفتاح السيسي، رغم التعديلات التي أدخلت على القضاء العسكري.

وكشأن سائر الدول، يعد القضاء العسكري المصري جزءا من القوات المسلحة، حيث يختص بالحكم في المنازعات المتصلة بالجيش، وينظم عمل القضاء العسكري في مصر، القانون رقم 25 لسنة 1966، وقد تم تعديله مرات عديدة آخرها في 3 فبراير 2014. منذ اندلاع ثورة يناير 2011، كثر الحديث عن إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، إلا أن الأوضاع الأمنية المنفلتة في ذلك الوقت كانت دافعا للتوسع في استخدامها، في محاولة لضبط الأمور، وواجه ذلك مطالبات عديدة من القوى المدنية بإلغاء تلك المحاكمات.

سياسيون يحذرون من خطورة التوسع في استخدام القضاء العسكري، باعتباره لا يمثل حلا مثاليا لأعمال العنف التي تشهدها البلاد

غير أن حالة الشد والجذب هذه، حسمها اندلاع العديد من العمليات الإرهابية في سيناء وعدد من المناطق الأخرى، عقب ثورة 30 يونيو 2013، وهو ما دفع الحكومة المصرية، إلى إصدار قانون يعتبر المنشآت العامة في حكم المنشآت العسكرية، ويستوجب الاعتداء عليها إحالة المدنيين إلى النيابة العسكرية. وقبل هذا القانون، كان الدستور المصري وقانون القضاء العسكري، يقصران هذه المحاكمات على القضايا التي تمس مباشرة القوات المسلحة أو ممتلكاتها، بالإضافة إلى أن حالة الطوارئ التي استمرت 31 عاما في البلاد، والتي انتهت في 2012، كانت تسمح لرئيس الجمهورية بإحالة مدنيين على القضاء العسكري.

في المقابل فإن الرئيس المصري السابق، عدلي منصور، أجرى في مطلع عام 2014، تعديلا على بعض أحكام قانون القضاء العسكري، منح حق الطعن في الأحكام العسكرية، على درجتين وليس درجة واحدة، إلى جانب استشارة المفتي في أحكام الإعدام، مثلما يحدث في القضاء المدني. وتضمنت التعديلات تطبيق نفس إجراءات المحاكمات الغيابية، التي تتم في القضاء المدني، وإعادة محاكمة المتهم الذي صدر بحقه حكم غيابي بمجرد طعنه على الحكم، كما تم تعديل مسميات المحاكم العسكرية، لتصبح “محاكم جُنح وجنايات”. وجاءت تلك التعديلات لتصبح المحاكمات العسكرية، متطابقة مع المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة، وهو ما صب أيضا في صالح مشروعية استخدام القضاء العسكري، والاعتراف به وبأحكامه.

قال اللواء رفعت عبدالحميد، أستاذ العلوم الجنائية والخبير الأمني، لـ”العرب”، إن تعدد حالات الإحالة إلى القضاء العسكري، خلال القترة الأخيرة، يرجع إلى الدستور الحالي، الذي كفل للقضاء العسكري حق محاكمة المدنيين المتورطين في أي جريمة مرتبطة بالإرهاب. ويرى عبدالحميد أن التعديلات التي أدخلت على قانون القضاء العسكري غيّرت الصورة الذهنية بشأنه، وجعلت منه هيئة قضائية مستقلة، تتكون من محاكم ونيابات وقضاة مستقلين، لا سلطان عليهم في قضائهم غير القانون، كما أن عقوباته تتفق مع قانون الإجراءات الجنائية، وقانون العقوبات المصري، وكافة المواثيق التي وقعت عليها مصر بالأمم المتحدة.

ويعود تاريخ استخدام المحاكم العسكرية ضد المتهمين المدنيين، قد تم استخدامها في مصر، أول مرة، في عام 1954، في قضية محاولة اغتيال رئيس الجمهورية آنذاك جمال عبدالناصر، والتي تورط فيها أفراد من تنظيم الإخوان المسلمين، غير أن عهدي مبارك والسادات لم يشهدا توسعا في استخدام القضاء العسكري، إلا في حالات التورط في ارتكاب أعمال إرهابية. وتأخذ إحالة المتهمين إلى القضاء العسكري في مصر أبعادا سياسية واسعة، وكثيرا ما استغلتها قوى معارضة في توجيه سهام نقدها إلى النظام، إلى الحد الذي جعل الرئيس المعزول محمد مرسي، يستخدم إلغاء المحاكمة العسكرية للمدنيين، كوعد من وعوده الانتخابية، أثناء خوضه الانتخابات في 2012.

الرئيس المصري السابق، عدلي منصور، أجرى في مطلع عام 2014، تعديلا على بعض أحكام قانون القضاء العسكري، منح حق الطعن في الأحكام العسكرية، على درجتين وليس درجة واحدة

لكن مرسي لم يفِ بوعده، بل أن الدستور الذي أقره في عام 2012 نصت المادة (198) منه على أن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها، فيما تركت تلك المادة للقانون تحديد الجرائم التي يجوز فيها بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. واستبعد سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، أن يكون التوسع في استخدام هذا النوع من المحاكمات مرتبطا بالخلفية العسكرية للرئيس المصري، بقدر ارتباطه بالحالة الأمنية التي تمر بها البلاد، واستمرار العمليات الإرهابية.

وأضاف رئيس مركز ابن خلدون الإنمائي في تصريحات لـ”العرب” أن استخدام سلاح المحاكمات العسكرية كقاعدة أمر مرفوض، لكنه رحب باستخدام المحاكمات العسكرية في الجرائم التي تمس القوات المسلحة، سواء كان ذلك مرتبطا بمنشآتها أو أفرادها وفي أوقات الطوارئ والحروب، بحيث تكون ناجزة في الأحكام العقابية على المتهمين. وحذر سياسيون، من خطورة التوسع في استخدام القضاء العسكري، باعتباره لا يمثل حلا مثاليا لأعمال العنف التي تشهدها البلاد بين الحين والآخر، كما أن إحساس المتهمين بالظلم نتيجة سرعة الفصل في الإحكام قد يدفع ذويهم إلى ارتكاب المزيد من العمليات، وبالتالي فإن الحل يكمن في إصلاح المؤسسات الأمنية وتقويتها في مواجهة التهديدات.

ويرى خبراء أمن، أن خبرة القضاء العسكري في التعامل مع الإرهاب، وما أنجزه من محاكمات سريعة وعادلة، ساعد عناصر الجيش والشرطة على التعامل معه، بل والقضاء عليه، وهو ما تسعى الحكومة إلى تكراره في الوقت الحالي. وترتكن الحكومة المصرية، في اللجوء إلي القضاء العسكري، إلى أن قضاء المحاكم الأوروبية والأميركية والأفريقية لحقوق الإنسان، زاخر بالكثير من الأحكام التي قضت بمشروعية محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ما دامت قد تأسست وفقا لتشريع وطني، وضمنت معايير المحاكمة العادلة للمتهم أمام هذه المحاكم. كما أن الطبيعة الخاصة للجرائم العسكرية، تجعل من المستحيل على القضاء المدني أن يلاحقها.

7