الحقائب الوزارية تعقد طريق حكومة الوحدة الوطنية

أجمعت جل الكتل النيابية على تسمية سعد الحريري لتولي تشكيل الحكومة حيث أسفرت الحصيلة النهائية للاستشارات النيابية عن حصوله على 112 صوتا من أصل 127.
وتخلفت عن الإجماع الكبير حول الحريري كتلة الوفاء للمقاومة التي لم تسم أحدا، إضافة إلى كتلة نواب البعث التي تتألف من نائبين.
وصوتت كتلة التنمية والتحرير، كتلة الرئيس نبيه بري، لصالح الحريري، وأدلى الرئيس بري بموقف لافت اعتبر فيه أن للحريري دينا في عنقه، وأن تصويته له يصب في خانة رد الدين.
وتقول مصادر مطلعة إن هذا الإجماع الكبير حول تسمية الحريري لا يعني إطلاقا أن الدرب الحكومي سيكون سالكا، فلا تزال هناك عقبات تقف في وجه تشكيل الحكومة.
تتعلق أبرز العقبات بكون الزخم الكبير الذي رافق تسمية سعد الحريري لتكليف الحكومة، يوازيه زخم مماثل لناحية المطالبات الوزارية، حيث بدا واضحا أن كل القوى السياسية تسعى إلى الحصول على أكبر حصة وزارية ممكنة.
وتتوقع البعض من التحليلات ألا يؤدي امتناع حزب الله عن تسمية الحريري إلى امتناعه عن المشاركة في الحكومة، بل يُتوقع أن يبادر الحزب إلى تفخيخ درب الحكومة بإصراره على طرح أسماء نافرة لتولي البعض من الحقائب الوزارية من قبيل اسم النائب أسعد حردان، كما يطالب الحزب بشكل خاص بوزارة المال وهي الوزارة نفسها التي يطالب بها حزب القوات اللبنانية بشدة إلى درجة أنه جعلها عنوانا عريضا لرفع الحرمان عن حزبه، وتتويجا لنظافة كفه وتاريخه.
وتنتشر معطيات تفيد بأن الحزب ينوي توجيه رسالة إلى النائب وليد جنبلاط عبر طرح أسماء درزية من قبيل الوزير السابق وئام وهاب، أو النائب طلال أرسلان. وكان نقل عن مقربين من النائب وليد جنبلاط أنه طلب ألا يصار إلى توزير أي شخصية درزية من خارج التيار الذي يمثله. وكانت كتلة الوفاء للمقاومة (كتلة حزب الله) قد أصدرت بيانا جاء فيه "إنجاز الاستحقاق الرئاسي نصر للبنان وندعو القوى السياسية للتعاون المسؤول، ونأمل أن تتشكل في أسرع وقت حكومة وطنية جامعة".
ويصطدم إرضاء الرئيس بري بعقبات كبيرة إذ أنه يطالب بشكل خاص بوزارة المال وهي الوزارة نفسها التي يطالب بها حزب القوات اللبنانية بشدة إلى درجة أنه جعلها عنوانا عريضا لرفع الحرمان عن حزبه، وتتويجا لنظافة كفه وتاريخه.
وتشير مصادر التيار الوطني الحر إلى أنه يفصل نفسه عن موقع رئاسة الجمهورية في ما يخص حصته الوزارية، فهو لا يعتبر أن الوزارات التي ستعتبر من حصة قائده، ميشيل عون، الذي أصبح رئيسا للجمهورية كافية لتمثيله، بل يطالب بحصة منفصلة عن حصة الرئاسة.
ومن شأن هذا الموقف أن يعقد الأمور كثيرا وخصوصا أن ما ظهر مؤخرا من معلومات يفيد بأن الرئاسة تطالب بوزارة سيادية هي وزارة الدفاع.
ويرجح أن يتم التوافق حول منح هذه الحقيبة لرئاسة الجمهورية ما يعني أنه سيكون صعبا أن يمنح التيار الوطني الحر حقيبة سيادية أخرى من أصل الحقائب السيادية الأربع في ظل مطالبات قوى وازنة بالحصول عليها.
ويرجح أن يولي الرئيس المنتخب حقيبة الدفاع إلى صهره الجنرال شامل روكز. ويشرح عضو كتلة التنمية والتحرير ميشال موسى موقف كتلة نبيه بري حيث يؤكد على الإيجابية التي أبداها بري تجاه سعد الحريري، ويشير إلى أن “الحكومة قد لا تنجز بالسرعة المتوقعة، كما أن الرئيس بري لا يربط بين المشاركة وبين الحصول على حقائب محددة، وسيصدر قريبا موقف من الكتلة بهذا الصدد“.
يرفض موسى الكلام حول تمايز بين كتلة الرئيس بري وبين موقف حزب الله من تسمية الحريري. ويقول “ليس هناك من تمايز بيننا وبين حزب الله، فالحزب لم يسم أيا من رؤساء الحكومة في الفترة السابقة، ولكن هذا لا يعني عدم مشاركته في الـحكومة“. ولا يبدو أن عنوان حكومة الوحدة الوطنية يلاقي أصداء إيجابية عند حزب القوات اللبنانية.
ويعتبر النائب عن كتلة القوات اللبنانية أنطوان زهرا أن “أداء الحكومة يجب أن يكون أداء وحدة وطنية، ولكن هذا لا يعني أنها يجب أن تضم كل الفرقاء، لأن ذلك قد يتسبب بخلل في تحديد من سيعارض ومن سيوالي ومن سيصوب أداء الحكومة“.
وعبر زهرا عن تخوّفه من أن يكون “شبه الإجماع الذي تحقق حول الحريري مقدمة لمطالب شبه تعجيزية، وخصوصا أن المناخ الإيجابي حول تسمية الحريري لتأليف الحكومة لم يتبلور في إطار سياسي”.
ويشرح موقف القوات من المشاركة في الحكومة، ويؤكد أنه غير مرتبط بالحصول على حقائب معينة بل بالحضور الفاعل في الحكومة على مستوى السياسة والإنتاج.
وتشير مصادر تيار المستقبل إلى تمسكه بوزارة الداخلية وإلى إصراره على الحصول على وزارة المالية وعلى منح كتلة سليمان فرنجية مقعدا وزاريا، وإذا كان الاتفاق على بقاء وزارة الداخلية في عهدته يمكن أن يمر بسهولة، فإن مطالبة كل من نبيه بري وحزب القوات اللبنانية بوزارة المالية قد يؤزم الأمور.
ويشير عضو كتلة المستقبل النيابية عمار حوري إلى تضمن كلام الحريري “عناوين كبرى تشكل خريطة التوجهات لمسار تأليف الحكومة، والخط الذي يحكم أهدافها وأهمها ضرورة تأمين الحد الأدنى من الاستقرار”.
ويأمل حوري أن يتم تسهيل تشكيل الحكومة ولكنه يؤكد أن الأمر “مرهون بتوجهات القوى الأخرى ومدى رغبتها في تسهيل الأمور، ولا يمكن حاليا الخروج بنتيجة واضحة قبل أن تعرض القوى السياسية مطالبها على الحريري، وحينها يبنى على الشيء مقتضاه“.
لا يبدو عنوان حكومة الوحدة الوطنية عنوانا سياسيا جامعا بقدر ما يؤشر على عمق الأزمات التي تعترض الدرب الحكومي، فهذا العنوان يعني ضرورة حشر مجموعة من القوى غير المتجانسة في تركيبة الحكومة، والحرص على ألا يمر أي قرار حكومي سوى بالإجماع. هذا المناخ يؤشر على غياب التوازن في حال أُنجزت الحكومة لأنها لن تضم ثنائية المعارضة والموالاة بل ستضم خليطا غير متجانس يعتبر رسميا في خانة واحدة، ولكنه يعبر عن رؤى متفاوتة وربما متناقضة.
يؤشر هذا الواقع على العودة إلى المنطق الذي سيطر على حكومة تمام سلام التي وصفها البعض بأنها حكومة رؤساء الجمهوريات، لأن الوضع الاستثنائي الذي سيطر عليها سمح بإعطاء كل وزير فيها حق الفيتو ضد أي قرار.
كاتب من لبنان