داعش يفقد "الدولة" ويعود مجرد "تنظيم"
في مثل هذه الأيام من العام 2014 أطلقت الولايات المتحدة الأميركية حربها على تنظيم الدولة الإسلامية لطرده من المناطق الشاسعة التي كان قد سيطر عليها في العراق وسوريا، والتي كانت تعادل خمسة أضعاف مساحة لبنان.
لم تنجح الحملة العسكرية خلال العامين الماضيين في القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنها نجحت في تجريده من 50 بالمئة من الأراضي التي كان يسيطر عليها. الأهم أنها أضعفت قدراته العسكرية بما يجعل تجريده مما تبقى من الأراضي وشيكا.
خلال العام 2015 تراجعت قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على توسيع عملياته العسكرية والسيطرة على مناطق جديدة في سوريا والعراق بصورة كبيرة، أما العام 2016، فقد شهد تراجع قدرته على الاحتفاظ بالأراضي التي يسيطر عليها.
قد رفعت تلك الحقيقة من ثقة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي أعلن مؤخرا أن السيطرة على مدينة الموصل سوف تكون قبل نهاية هذا العام 2016.
لن يشكل طرد تنظيم داعش من مدينة الموصل مجرد ضربة كبرى للتنظيم، بل سيشكل نهاية له وذلك بانهيار ما دعاه بـ“الدولة الإسلامية” في العراق والتي كانت ترتكز بشكل رئيسي على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية.
استمد العبادي ثقته من نجاح الجيش العراقي مؤخرا بالسيطرة على مدينة القيارة، وهي مدينة إستراتيجية بسبب قربها من الموصل (60 كيلومترا)، وبسبب احتوائها على حقل نفطي كان يعتبر أحد مصادر تمويل داعش، وعلى قاعدة عسكرية يتوقع أن تكون نقطة انطلاق القوات المهاجمة في معركة استعادة الموصل. كما نجحت قوات البيشمركة الكردية خلال الأشهر الخمسة الماضية بالسيطرة على مجموعة نقاط تحيط بالموصل، وهو ما يجعل من سقوط معقل “الدولة الإسلامية” في العراق مجرد مسألة وقت في حال حضرت الإرادة السياسية والعسكرية.
|
والحال أن الحاضر حاليا هو مجموعة إرادات تتنازع على تقاسم غنائم الحرب التي ستنجم عن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. فالانقسامات لا تني تتسع بين الحكومة العراقية من جهة وحكومة إقليم كردستان من جهة أخرى، فضلا عن الخلافات المتداخلة بين كل من الحكومة العراقية وقوات الحشد الشعبي والولايات المتحدة الأميركية. والأخيرة على وجه التحديد ستكون منشغلة خلال الأشهر القادمة بانتخابات الرئاسة، وسينعكس ذلك إما بتأخير عملية استعادة الموصل، أو بتسريعها لكي تدون كـ“انتصار” جديد في سجل الإنجازات الخاص بالرئيس باراك أوباما. الضربة الأحدث لتنظيم الدولة الإسلامية تمثلت باغتيال الرجل الثاني في التنظيم والمتحدث الرسمي باسمه منذ العام 2010 أبومحمد العدناني. ويكتسب هذا الحدث أهمية خاصة لأن العدناني يعتبر من الجيل المؤسس للتنظيم، ولأن عدد من تبقى من ذلك الجيل لا يتجاوز اليوم عدد أصابع اليد الواحدة.
فقد تنظيم الدولة الإسلامية خلال معارك العامين الماضيين وعبر سلسلة من الاغتيالات التي نفذها جهاز الاستخبارات الأميركي معظم القيادات التأسيسية والتي شغلت معظم المناصب الحساسة. ومع تقلص أعداد القادة كانت السلطات داخل تنظيم الدولة الإسلامية تتركز بصورة أكبر في أيدي عدد قليل جدا من الأفراد. وهو ما جعل العدناني يضطلع بأدوار شديدة الأهمية على مستوى قيادة العمليات العسكرية، المستوى المالي، مستوى التجنيد العسكري، وأخيرا وليس آخرا مستوى العمليات الخارجية التي ينفذها تنظيم الدولة الإسلامية وخصوصا في أوروبا.
تضاعف مهمة العدناني الأخيرة من فداحة خسارته على التنظيم، إذ من المرجح أن تتراجع قدرة داعش على شن الهجمات في الغرب والتي كانت تخدم بشكل رئيسي صورته كتنظيم لا يقهر، قادر على استهداف أعدائه في كل مكان. وساعدت تلك الصورة شبكات التجنيد على اصطياد المزيد من الشبان، وتحويلهم إلى جهاديين، وإرسالهم إلى ساحات القتال في سوريا والعراق.
هكذا، ومع نهاية هذا العام، من المتوقع أن تتقلص قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على تجنيد المزيد من “المجاهدين”، كما ستنكمش مصادر تمويله بشدة، وأخيرا، وهو الأهم، سوف يخسر “يوتوبيا الدولة”. خسارة الأخيرة تعني تجريده من أهم مرتكزات البروباغندا الإعلامية الخاصة به، وعودته في عيون مريديه إلى مجرد “تنظيم جهادي” مفتقد للأهداف الملموسة.
سوف تنهار “الدولة الإسلامية”، ولكن انهيار التنظيم غير متوقع أن يأتي بتلك السهولة وخصوصا في العراق. فما قد يؤدي إلى انهيار التنظيم، أو منع نشوئه من جديد، لا يتعلق بالمعارك العسكرية والضربات الجوية وتدمير المدن واحتلالها من قبل الميليشيات الشيعية بقدر ما يرتبط بتوفير حكم رشيد في تلك المدن، وإتاحة المجال للمجتمعات المحلية فيها لكي تدير شؤونها وتتمتع بالمشاركة السياسية الحقيقية بعيدا عن هيمنة وفساد وجبروت الحكومة المركزية. لا يمكن أن ينتهي تنظيم القاعدة في العراق، والذي يتخذ كل بضعة أعوام وجها مختلفا، إذا لم تنته الأسباب التي استدعت نشوءه.
كاتب فلسطيني سوري