يورغن تودنهوفر: الإرهاب في العالم خلقته أميركا بغزو العراق

السبت 2016/07/23
رئيس لجنة التسلح الألماني السابق يدافع عن الشرق وأمور أخرى

إسطنبول - لم يكن للألمان أيّ يد في الأسباب التي دعت اللاجئ الأفغاني إلى شن هجومه الإرهابي بالسيف والساطور على ركاب القطار الأسبوع الماضي. لكن يورغن تودنهوفر الباحث والسياسي الألماني يرى عكس هذا. معتبراً أن رفض الإرهاب يفرض البحث في الأسباب العميقة التي دعت إلى ظهوره.

تودنهوفر يرد جميع الأسباب إلى الغزو الأميركي للعراق الذي خلق موجات من ردود الفعل في العالم الإسلامي لم تتوقف بعد. موضحاً أن ذلك الغزو هو ما خلق داعش، وليس الدين الإسلامي بحد ذاته.

الرجل الذي حصل على عهد أمان من زعيم داعش أبي بكر البغدادي، كان قد قضى قرابة العقدين، عضواً في البوندستاغ، أي البرلمان الألماني. وكان رئيس لجنة التسلّح العسكري فيه.

لا يستغرب موقفه الذي يشير بإصبع الإدانة نحو الغرب الاستعماري، الذي قال إنه مارس القتل وسفك الدماء للعشرات من السنين في العالم العربي، متسبباً بمقتل الملايين من النساء والأطفال. ولد يورغن تودنهوفر في العام 1940. ودرس القانون في جامعات ميونخ وباريس، قبل أن يصبح عضواً بحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. ويدخل البرلمان بداية السبعينات من القرن العشرين، لخمس دورات انتخابية، حيث تولى منصب رئيس لجنة التسلّح فيه.

زار تودنهوفر أفغانستان بداية ثمانينات القرن الماضي، وقاد حملة لجمع المساعدات للمنكوبين. وزار العراق قبل الغزو الأميركي وبعده، والتقى مع الرئيس صدام حسين، ولم يتوقف عن انتقاد حروب الولايات المتحدة الأميركية. واتهام أميركا بأن هدفها من الحرب على العراق سرقة النفط العراقي وحسب. وأجرى لقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد واتهم حينها بأنه مناصر للدكتاتورية.

عشرة أيام في دولة داعش

الزيارة التي قام بها تودنهوفر إلى الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش قبل عامين، كانت غير مسبوقة. فقد استغرب كثيرون تلك الخطوة التي أقدم عليها السياسي الألماني، فقد قضى في الموصل العراقية ستة أيام، بعد أن عبر الحدود من الرقة السورية.

لكن مشاهداته في الرقة والموصل وما بينهما، كانت تؤكد وحشية أتباع التنظيم، الذين يؤمنون بما يقوله خليفتهم المزعوم. الأهم من هذا هو وصفه للكيفية التي يفرض بها هؤلاء نهجهم الديني المتطرف وأفكارهم الراديكالية.

قال إنه شاهد كيف يعلق الدواعش الملصقات التوجيهية التي تشرح الصلاة وأحكام الدين، وكيف يفرضون على الرجال والنساء اللباس الذي يعتقدون أنه لباس شرعي. ولم يخف تودنهوفر كون أعضاء هذا التنظيم ليسوا فقط من العراقيين والسوريين، بل إن كثيرين منهم يتحدّرون من جنسيات بريطانية وفرنسية وسويدية وأفريقية. لكن أكثر ما جعله يطرح التساؤلات على تنظيم داعش، هو معرفته بأن سور القرآن الكريم كلها تبدأ بعبارة “بسم الله الرحمن الرحيم”، وهذا ما دعاه للسؤال “أين هي الرحمة في ممارسات التنظيم في مجتمعه؟”. لكنه قال معقباً “حينما سألتهم أين هي الرحمة؟ لم أجد الإجابة الحقيقية”.

من الأمور الغريبة التي رواها تودنهوفر أن موظفي مؤسسات الدولة، في ما يعرف بمعقل تنظيم الدولة في الرقة، “لا يزالون يتقاضون رواتبهم من حكومة الرئيس السوري بشار الأسد”.

رحلة تودنهوفر كانت بعد مفاوضات طويلة مع أحد الجهاديين الذي حصل له على إذن البغدادي، وحتى يضمنوا عدم خيانته لهم، أخذوه رهينة مع ابنه، لكنه تمكن من الهرب عبر الحدود مع تركيا. جرياً على الأقدام لأكثر من ألف متر كما قال.

الباحث والسياسي الألماني يفترض أن ما تعرض له ركاب القطار في الهجوم الأخير الذي تبنته داعش «مرتبط بإسهام القيادة الألمانية بإيجاد حل عادل وذكي للصراع في الشرق الأوسط، وتوقف برلين عن تصدير الأسلحة لأماكن الحروب بالمنطقة، وتعاملها بالعدل مع العالم الإسلامي}

الصوت الرافض من جديد

اليوم يعيد تودنهوفر إلى الأذهان ملامح تلك الزيارة، في حديثه عن غالبية أبناء قارته من الأوروبيين من أبناء الدول الاستعمارية السابقة، فيقول إن “أغلب الغربيين لم يبدوا اهتماما حقيقيا بكون معظم من قتلتهم دولهم هم مسلمون، في حين يقتل الأميركيون والروس والفرنسيون يوميا أعداداً لا حصر لها من المدنيين السوريين”.

يرى أن الغرب لا يريد الاعتراف بأن ما زرعه من حروب في الشرق الأوسط حصده بعنف ارتدّ إليه في عقر أوروبا. وهو يميّز بين مواقف تلك الدول. فألمانيا، حسب تودنهوفر، تختلف عن فرنسا، ذات التاريخ الأسود العدواني.

الباحث والسياسي الألماني يفترض أن ما تعرض له ركاب القطار في الهجوم الأخير الذي تبنته داعش “مرتبط بإسهام القيادة الألمانية بإيجاد حلّ عادل وذكيّ للصراع في الشرق الأوسط، وتوقف برلين عن تصدير الأسلحة لأماكن الحروب بالمنطقة، وتعاملها بالعدل مع العالم الإسلامي”. مؤكداً أن معاملة مسلمي ألمانيا تتم على قدم المساواة مع مواطني البلاد الأصليين. وأن “ما نسبته 99.9 بالمئة من مسلمي ألمانيا مقتنعون بالديمقراطية ويرفضون تنظيم الدولة الذي يعتبرهم أعداء يستحقون القتل مثلما ذكر لي مسؤولو التنظيم”.

يقرأ تودنهوفر في خارطة المسلمين في ألمانيا، ليعثر على ثلاثة آلاف متطرف مستعدّين لممارسة العنف، ومؤيدين لداعش من بين تسعة آلاف سلفي في ألمانيا، اعتبر أنهم شركاء في الحرب على الإرهاب.

يقول تودنهوفر إننا صنعنا أكبر كذبة في حياتنا، تلك الكذبة التي تقول “نحن الصالحون”. “نحن المثل الأعلى للناس”، “نحن اليد التي تمتد إلى الآخرين بالمساعدة”. ولكن الحقيقة كما يضيف “أننا في الغرب، لم نحكم العالم بفضل قيمنا الرائعة، ولا بفضل ديننا، ولكن لأننا استعملنا العنف بلا رحمة، أكثر من الآخرين”.

شاشات التلفزة الألمانية تعرض ما يقوله تودنهوفر في حواراته التي يعلن فيها أن “المسلمين لم يكونوا هم من ذبح أكثر من أربعة ملايين إنسان خلال الحروب الصليبية. وليسوا من ذبح أكثر من خمسين مليوناً من البشر خلال العهد الكولونيالي.

يقول تودنهوفر على شاشات التلفزة الألمانية “لأكن أكثر صراحة، فالمسلمون لم يكونوا هم من ذبح أكثر من أربعة ملايين إنسان خلال الحروب الصليبية. وليس المسلمون من ذبحوا أكثر من خمسين مليوناً من البشر خلال العهد الكولونيالي. ولا السبعين مليوناً الذين قتلوا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. ولا الستة ملايين يهودي. ولكن هذا حصل نتيجة عدوانية العالم الغربي”.

وعلى صفحته على فيسبوك نشر تودنهوفر قبل أيام، بياناً بعنوان “إنها فضيحة: 205 مليون دولار للتحريض وبث الكراهية ضد الإسلام” موضّحاً أن 33 منظمة أميركية معادية للإسلام، استطاعت جمع تبرعات بلغت 205 مليون دولار من أجل التحريض والحض على الكراهية تجاه المسلمين وذلك خلال 5 سنوات فقط.

استند تودنهوفر إلى دراسة أجرتها جامعة بيركلي في كاليفورنيا بالتعاون مع مجلس العلاقات الإسلامية- الأميركية “كاير”. يضيف الباحث الألماني أن “المفزع أيضاً أن حملة الكراهية تجاه المسلمين في الولايات المتحدة، نجحت في تنظيم مظاهرات مسلحة معادية للإسلام وفي تخصيص متاجر ممنوع على المسلمين دخولها، وإقرار قوانين معادية للإسلام في عشر ولايات أميركية”.

كل هذا دفعه إلى التساؤل عن الحملات المعادية للإسلام في أوروبا وألمانيا، وهل هي مموّلة أيضاً وموجّهة بشكل مسبق؟ وإذا كان هذا صحيحاً، فمن هي تلك الجهات التي تشرف عليها وتموّلها؟

يستشهد تودنهوفر بإدوارد سعيد، الذي يقول عنه إنه كان “أحد أبرز من تحدثوا عن هذه القضية، من خلال كتابه الشهير ‘الإستشراق’ والذي تمت ترجمته إلى العديد من اللغات حول العالم، والذي أظهر فيه كيف أنه منذ بداية القرن التاسع عشر والباحثون الأوروبيون العنصريون يحاولون عمداً رسم صورة سلبية للمشرق الإسلامي لتبرير استغلال الغرب لموارد الشرق والسيطرة عليه واستعماره”.

رحلة تودنهوفر إلى الأراضي التي تحتلها داعش، كانت أكثر تساؤلاته فيها نابعة من معرفته بأن سور القرآن الكريم تبدأ بعبارة «بسم الله الرحمن الرحيم}، وهذا ما دعاه للسؤال «أين هي الرحمة في ممارسات التنظيم في مجتمعه؟}. لكنه قال معقبا «حينما سألتهم أين هي الرحمة؟ لم أجد الإجابة الحقيقية}

رسالة إلى مؤيدي داعش

لا يقع في ذهن متابعي يورغن تودنهوفر أنه واحد من أولئك الغربيين المسحورين بالشرق، وأنه ربما مسحور ببعض الطروحات التي رآها وشاهدها في رحلته إلى المناطق التي تحتلها داعش. فالرجل يعرف ما يقول، وقبل فترة قام بتوجيه رسالة إلى مؤيدي داعش، وترجمها وقام بنشرها موقع “ألماني برس”، قال فيها “أعزائي مؤيدي داعش: بحسب تصريحات وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير فإنكم تعتزمون تنفيذ هجمات إرهابية على الأراضي الألمانية. وأنا هنا أتساءل: ألا تحبون الاقتداء بالخليفة الأول أبو بكر الصديق؟ أبو بكر الصديق كانت له تعليمات واضحة للجنود قبل أي معركة من أبرزها قوله للجنود: لا تخونوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة. لماذا تصرون إذن على فعل ما يناقض تلك الوصايا؟ سيقول المعارضون لكتاباتي إنه لا فائدة من رسالتي هذه إليكم، لكنني على الأقل أحاول. وأدعوكم إلى أن تقرأوا الأسطر القادمة من رسالتي بعناية لأنني أؤمن دائماً بالإنسان وأحمل قدراً كبيراً من الاحترام تجاه الدين الإسلامي”.

شرح تودنهوفر في رسالته تلك، الكثير من الأفكار مستنداً إلى آيات في القرآن الكريم، تنص على عكس ما يؤمن به مؤيديو داعش ومنظّرو التنظيم وواضعو سياساته. قائلاً “ألا ترون أنه من التجديف أن تنسبوا عنفكم وعربدتكم للرب؟ بالرغم من أن الله حرم في القرآن قتل الأبرياء في سورة المائدة الآية رقم 32 ونهى عن إكراه الناس على اعتناق الدين في سورة البقرة الآية رقم 256 ونهى عن هدم دور العبادة في سورة الحج الآية رقم 40. لكنكم ترتكبون كل تلك المحرمات بشكل مستمر وأكثر من تقتلون مسلمون. هل تريدون بأفعالكم تلك أن ترافقوا جورج بوش في نار جهنم؟”.

طرح تودنهوفر الكثير من الأسئلة، من نوع: أنتم تزعمون أنكم تقاتلون في سبيل الإسلام وهذه في الواقع نكتة سخيفة لأنه لا يوجد من هو أكثر سعادة بأفعالكم المشينة من أعداء الإسلام الكثيرين على مستوى العالم. ألا يكفيكم ما للإسلام من أعداء؟

الحروب الغاشمة

في الإنجيل المسيحي، كما يقول تودنهوفر، توجد العديد من الأمثلة على العنف، وربما كانت بشكل أكبر مما هو موجود في القرآن. ولذلك فإنه يخاطب مؤيدي داعش بالقول إن أيّ شخص لديه بقية من عقل “لا يمكنه أن يسقط أوامر القتال الخاصة بالمعارك التاريخية القديمة على وقتنا الحاضر”.

ويضيف مخاطباً الذين التقى بهم ما بين الموصل والرقة “بعضكم غاضب من الحروب الغاشمة التي يشنها الغرب، وأنا أشارككم هذا الغضب. حيث تسببت حرب العراق على سبيل المثال في قتل أكثر من مليون عراقي بحسب منظمة أطباء بلا حدود، وهي حرب تم تبريرها من خلال أكاذيب لا صحة لها. وأفهم غضبكم من الحرب التي شنها الغرب في ليبيا والتي أطاحت بقذافي واحد لنجد أمامنا الآن 50 قذافيا بجانب أعداد لا تحصى من القتلى المدنيين. تلك الحروب الاستعمارية كانت فظيعة وغاشمة وغير شرعية، لكن حتى تلك الحروب الغاشمة لا تعطيكم الحق في قتل المدنيين الأبرياء. فالإرهاب ليس من الإسلام، بل هو ضد الإسلام والقرآن حرّم قتل الأبرياء بشكل واضح وقاطع دون استثناءات”.

وأخيراً يقول تودنهوفر لأعضاء التنظيم الإرهابي إن “عليكم أن تقرأوا القرآن بقلوبكم وعقولكم لا بفوهات بنادق الكلاشنيكوف، وساعتها سوف تتعرفون على تعاليم الإسلام العظيمة والتي تصلح لكل زمان ومكان وتعارض الإرهاب تماماً وتنبذه. أدعوا إلى ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة ولا تكونوا مجدفين مجافين لروح الإسلام،… رجاءً أعيدوا التفكير في ما تفعلون”.

ليورغن تودنهوفر مؤلفات عديدة كلها تصب في الموضع الشرقي، منها كتابه” لم تقتل زيداً” الذي يروي قصة شاب عراقي تعرف عليه بعد الاحتلال الأميركي للعراق. وكذلك كتاب “الصورة العدائية المصطنعة للإسلام ـ عشر نظريات ضد الكره” الذي يتحدث عن انتهاء الحقبة السوفييتية (عدو الغرب القديم) وعن حاجة الغرب إلى صورة نمطية تحل مكان العدو السوفييتي الغابر.

12