هالة الزغندي مصرية تحاول الخروج من "سجن النسا"

الأحد 2016/07/03
مهندسة تصمم معمارا خاصا بكتابة الدراما

القاهرة - المرأة نصف المجتمع، عبارة خلقت عالما أدبيا يتحدث عن أوضاع المرأة وحقوقها في الفن والدراما والأدب، ويكشف عن الجوانب الخفية في شخصيتها بعد أن حوصرت طويلا في فلك الرجل.

عقب سلسلة طويلة من أسماء الكاتبات ظهرت المؤلفة هالة الزغندي التي قد لا يكون اسمها معروفا لدى البعض، رغم استمتاعهم الكبير بإبداعاتها الدرامية بداية من مسلسل “سجن النسا” وحتى مسلسل “الكابوس” الذي كتبته كاملا وحقق نجاحا وجدلا كبيرين العام الماضي.

الكاتبة التي نسجت من دراستها للهندسة منهجا تستعين به على ترتيب أفكارها وصياغة أحداثها بشكل منطقي على الشاشة، ترى أن المرأة سوف تنصف وتحصل على حقوقها كاملة عندما ينصف المواطن المصري عموماً.

الخط الواضح في إبداع الزغندي الذي بدأ معها في مسلسل “موجة حارة” وازداد تألقاً في “الكابوس” يشير لاهتمامها بربط الدراما مع الواقع، حتى وإن كانت أجواء الغموض والإثارة هي الطاغية عليه.

خط الفقر

في أعمالها القليلة يظهر خط الفقر في تفاصيل الصورة كجانب غير مقصود ضمن المغزى الرئيسي للعمل عن حال المرأة.

ففي تجربتها الأولى المنفردة “الكابوس” قدمت مجموعة من الصراعات النفسية لدى المرأة عبر نماذج متعددة، ما بين الأم التي تحصد ثمن تدليلها لابنها بتطاوله عليها، والخادمة التي تعيش قهراً من زوج يأخذ أموالها عنوة لقضاء سهراته الخاصة.

تبرز في المسلسل أوجه العوار الخفية في تربية الآباء لأبنائهم في كثير من المجتمعات العربية، وتقديم الفقر بعيداً عن صورته النمطية، من خلال علاقات الشخوص وأفعالهم، وإلقاء نظرة على أوضاعهم من خلال صورة الحيّ الذي قدمه العمل، وإن كان ذكاء الكاتبة هنا في اختيارها لقضية أسرية وربطها بالواقع المجتمعي.

رغم أن الغموض في تجربة “الكابوس″ الذي تبدأ أحداثه مع أمّ تجد رأس ابنها مقطوعا وملقى في مقلب الزبالة، يحمل صعوبة كبيرة في صياغة القصة أولا ثم في تحمل المشاهد لها، لكن الأصعب هو تشريح العلاقات الإنسانية.

تيار الوعي النسائي في مصر بدأ دراميا مع الكاتبة الراحلة حسن شاه التي حملت على عاتقها مهمة تصحيح أوضاع المرأة مجتمعيا عبر فيلمها الشهير "أريد حلا" في سبعينات القرن الماضي الذي تسبب في تغيير قانون الأحوال الشخصية

بحسب ما أكدته هالة في حديثها مع “العرب” فإنه وعلى الرغم مما تضمنته الحلقات من أجواء غامضة في الوصول للقاتل وفك لغز الجريمة، إلا أن العبء الأكبر كان في تشريح وتحليل العلاقة الإنسانية بين أمّ وأبنائها. صحيح أن حبكات الجرائم والألغاز مرهقة بالطبع على أيّ مؤلف، لكن الأصعب هي الحبكة الدرامية نفسها، وهذه موجودة في كل عمل أنجزته الكاتبة باختلاف نوعيته.

أما مسلسل “الكابوس” نفسه فقد كان كما قالت الزغندي لـ”العرب” هو “تجربة هامة في حياتي أضافت لي الكثير من الخبرة، كما أن نجاحه الكبير كان مخيفا ومقلقا لي، خاصة أنه كان عملي-مشروعي الأول أو بداية مشواري في الكتابة”. وأضافت “صحيح أنني عشت موقفا مشابها عقب مسلسل ‘سجن النسا’ الذي صغت حواره كاملاً، لكن في ‘الكابوس” كنت أتحمل المسؤولية كاملة في اختيار عناصر العمل التالي، بداية من الفكرة ونهاية بالمخرج الذي يشاركني العمل، وربما كان هذا سببا أساسيا في تأجيل أحد أعمالي هذا العام”.

يكشف التشريح الاجتماعي في أعمالها حجم تأثرها المباشر أو غير المباشر، بالأديب المصري الراحل نجيب محفوظ الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب، وكان شديد الحرص على التعمق في نفوس أبطال رواياته، وكان يغوص فيها بطريقة لفتت الانتباه إليه مبكرا.

وهي حقيقة أكدتها الزغندي خصوصاً في رؤية وتحليل الشخصيات، لكن على عكس ما يظنه البعض كان الربط مع أدب محفوظ عبئا إضافيا، فرض عليها المزيد من البحث لتشريح وتحليل العلاقة الإنسانية بين أمّ وأبنائها، والتغلغل في عمق وحساسية علاقة الأبناء بأمّهم.

لذلك لم تكتف بمراقبة حالات مشابهة، بل قامت باستشارة أطباء نفسيين، وقرأت لكثير من الخبراء والعلماء في مجال الطب النفسي، بداية من سيغموند فرويد، وكارل يونج حتى أطباء معاصرين من أمثال أحمد عكاشة.

بعد أن راجعت حصيلتها الثرية من التحليل النفسي قررت أن تعرض ثلاث محطات رئيسية لعلاقة الأم بأبنائها تمثلت في ثلاث مراحل عمرية رأت أنها المراحل المفصلية في تكوين شخصية الإنسان وعلاقة بأبويه.

بداية هالة الزغندي كانت مع ما يعرف في مصر بورش السيناريو التي أحدثت نقلة في عالم الدراما في السنوات الأخيرة، في تطور الأفكار ومضمونها، ومستوى الحوار بل إنها غيرت من النمط الأحادي للرؤية من منظور الكاتب.

قدمت عملاً واحداً من خلال الورشة بعنوان “موجة حارة”، انطلقت منفردة لتكتب حوار مسلسل “سجن النسا”، ثم مسلسل “الكابوس” تجربتها الأولى المفردة المعروفة.

هالة الزغندي قد لا يكون اسمها معروفا لدى البعض، على الرغم من استمتاعهم الكبير بإبداعاتها الدرامية بداية من مسلسل "سجن النسا" وحتى مسلسل "الكابوس" الذي كتبته كاملا وحقق نجاحا وجدلا كبيرين.

فتاة الورشة

ويبدو أن تجربة الزغندي الوحيدة في هذه الورش قدمت لها دفعة هامة لدخول حقل المنافسة مع زملاء لها من الرجال والنساء، ومنحتها ثقلاً نحو فكرة إثراء عملها الدرامي ليخرج في صورة مكتملة. اعتبرت ورش السيناريو مهمة جدا لإثراء العمل، وهي منتشرة على مستوى العالم أجمع، وأن أولى تجاربها فيها كانت من خلال مسلسل “موجة حارة” أول وآخر ورشة شاركت بها، أما مسلسل “سجن النسا” فلم تكن ورشة بالمعنى المفهوم، حيث أن الحوار لم يشاركها في كتابته أحد.

الزغندي اختارت طريقاً يخالف التيار النسائي لزميلاتها، فهي تملك رغبة في المخاطرة وشجاعة تحسب لها عن باقي كتّاب جيلها اللاتي يملن للكتابة عن الرومانسية والموضوعات الاجتماعية مثل شهيرة سلام، ووسام سليمان ومريم ناعوم.

اختيارها لفكرة مسلسل “الكابوس”، كما تقول، كان يستحق المخاطرة لأنه يحمل معنى أكثر منه كونه حدثاً مؤلماً. فالأم التي أبعدت ابنها طيلة حياته عن تحمل المسؤولية خوفا عليه من البهدلة، آل بها المآل لتجد رأسه في الزبالة، والمغامرة أيضاً هنا بحسب كلام الكاتبة في إتقان وتوظيف حبكات الجرائم والألغاز في الأعمال بجانب الحبكة الدرامية ذاتها، فهو أمر ليس سهلاً بالمرّة.

ورغم انتشار أسلوب الغموض والحبكة البوليسية في دراما رمضان الحالي، إلا أن الزغندي ترى أن الانسياق خلف الإثارة المطلقة، هدفه الرغبة في جذب المشاهد منذ الحلقة الأولى بسبب كثرة الأعمال التي تعرض في شهر واحد.

تؤكد الزغندي أن الأمر أصبح بمثابة “الفرصة الأخيرة للعمل حتى يقرّر المشاهد إذا كان سيتابعه أم لا، وبعض الأعمال التي تناقش موضوعات اجتماعية لا تستلزم بالضرورة معالجتها بهذه الطريقة تتعمد بدء الحلقة الأولى بجريمة قتل لجذب الجمهور”.

في السنوات الأولى من القرن الماضي ظهر ما بات يعرف بالتيار النسوي النقدي في عدد من البلدان العربية، بما حمله على عاتقه من مهام استعادة حقوق المرأة في الحريات.

ورغم ازدهار الفكرة وانتقالها بين البلاد العربية وتبلور تيار الوعي النسوي نفسه بمرور السنوات، شهد الحراك الأدبي النسائي ردة مؤسفة في حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث تخلت فيهما قطاعات كبيرة من الجنس اللطيف عن حرياتهن بكامل إرادتهن مع انتشار تيار الإسلام السياسي.

تيار الوعي النسائي

تيار الوعي النسائي بدأ دراميا مع الكاتبة الراحلة حُسن شاه التي حملت على عاتقها مهمة تصحيح أوضاع المرأة مجتمعيا عبر فيلمها الشهير “أريد حلا” والذي قامت ببطولته الفنانة الراحلة فاتن حمامة، في سبعينات القرن الماضي، وتسبب في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر.

التشريح الاجتماعي في أعمالها يكشف الخط الواضح في إبداع الزغندي الذي بدأ معها في مسلسل "موجة حارة"، وازداد تألقا في "الكابوس" مشيراً إلى اهتمامها بربط الدراما مع الواقع، حتى وإن كانت أجواء الغموض والإثارة هي الطاغية عليه

ثم التقطته بعدها كاتبات بقيمة فتحية العسال وإقبال بركة، وصولاً لمجموعة واعدة من الكاتبات اللاتي أحدثن طفرة في مجال الدراما التلفزيونية تحديداً، من خلال تقديم المرأة في صورة أكثر جرأة وعمقاً.

لكن الزغندي لا ترى الأمر مخططا وإنما هو الفعل نفسه، فالكتابة لديها إحساس ينتاب المؤلف أو حدث يستفزه فيقرر مشاركة الناس رؤيته، لذا لا يمكن لأحد أن ينتقد أو يملي على كاتب ما يجب أن يكتبه. تقول إن هذا التيار وما تفرّع عنه من حركات تحرر للمرأة كان مهما، لكن دوره في الأدب العربي لا يزال محدوداً للغاية، لصعوبة العمل نفسه، والجمع بينه وواجبها كأمّ وربّة منزل، فعملية الكتابة أو التأليف هي العمل الوحيد الذي لا يحصل صاحبه على إجازة طوال العام. وإذا لم يكن هناك عمل تمّ التعاقد عليه فهناك محاولات لإخراج أفكار جديدة طوال الوقت، كما هو الحال مع المخرجات أيضاً، لذا بوجه عام فالعمل شاق وبحاجة إلى شخصية محاربة.

برأي الزغندي أن ثمة تطورا مستمرا فيما يتعلق بمسألة الموروث، بدليل ما تتمتع به المرأة حالياً والذي لم يتحصل أجدادها على نصفه، لكن هناك من السيدات من لا يعرفن أن لهن حقوق أصلاً أو يجهلن طريقة الحصول عليها.

ومنهن من يروجن لتلك العادات والتقاليد ويعلمنها للأبناء، وتلك هي المشكلة الحقيقية، فألقاب المطلقة والعانس تحديداً مصطلحات اخترعتها نساء.

ولو كفّت كل أمّ وجارة وعمة وخالة، عن تخويف المراهقة من شبح العنوسة أو ترهيبها من سمعة المطلّقة، سوف تثق كل فتاة في نفسها ولن تبالي بنظرات الآخرين، خاصة أن نجاحها وتحقيقها لهدفها يمكن أن يكون كافياً لنيل احترام الجميع.

9