هجمات إسطنبول في الذكرى الثانية لـ"الخلافة"

السبت 2016/07/02

كيف نعزز أمن مطاراتنا ومنشآتنا الحيوية؟ هذا هو السؤال الملح المطروح اليوم على عواصم العالم الغربي التي باتت تخشى هجوما إرهابيا وشيكا لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على أحد مطاراتها، كما حدث في مطار أتاتورك الدولي في مدينة إسطنبول التركية.

خشية مبررة تماما، ليس فقط لأن الإجراءات الأمنية في مطار أتاتورك الدولي تعتبر من بين الأشد على مستوى العالم وهي غير متوفرة في أي من المطارات الغربية، بل لأن تواتر هجمات تنظيم داعش بات مرعبا إذ تحدث الهجمات في كل شهر تقريبا، ولا يبدو أننا سنشهد نهاية، أو حتى احتواء، لها على المدى القريب.

لقد وصل مجموع ضحايا الهجمات الإرهابية لتنظيم داعش في الغرب وفي تركيا خلال الأشهر الثمانية الماضية فقط إلى 325 ضحية. بدأت في شهر أكتوبر من العام الماضي 2015 بهجوم دمـوي في قلـب العاصمة التركية أنقرة أوقع نحو 100 ضحية، وتلت ذلك هجمات باريس، الأكثر دموية حتى الآن، والتي ذهب ضحيتها 130 شخصاً في شهر نوفمبر من العام الماضي، وتواصلت الهجمات في مدينة “سان برناردينو” في الولايات المتحدة نهاية العام الماضي وكانت حصيلتها 14 شخصا. افتتح تنظيم داعش العام الجديد 2016 بتنفيذ هجمات بروكسل في بلجيكا والتي ذهب ضحيتها 31 شخصا، ثم هجمات مدينة أورلاندو التي أوقعت 50 ضحية منتصف الشهر المـاضي. وأخيرا، استطاع التنظيم قبل أيام تنفيذ هجوم جديد في أحد أكبر مطارات العالم وأكثرها تحصينا على المستوى الأمني، وقد تزامن هجوم اسطنبول الأخير مع الذكرى الثانية لإعلان أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم نفسه “خليفة للمسلمين”.

ويبرز هنا التساؤل عن مسؤولية تركيا عن الهجوم الأخير على مطارها، ليس انطلاقا من احتمـالات التقصير الأمني، بل انطلاقا من سياستها الخارجية عموما وسياستها في سوريا بصـورة خاصة.

مع انتقال الثورة السورية من طورها السلمي لتصبح صراعا مسلحا شـديد العنـف، أصبحت سيـاسة تركيـا في مـا يخص الملف السوري مثيرة للجدل ومنذرة بعواقب وخيمة بدأت تظهر منذ العام الماضي.

ما من شك في أن أولويات تركيا المختلفة عن أولويـات الولايات المتحدة والغرب في سوريا، إلى جانب حساباتها الخاطئة، دفعتها إلى غض النظر عن تدفق الآلاف من الجهاديين الأجانب الذين تدافعوا للانخراط في الحرب السورية، وانتهوا أعضاء في تنظيم الدولة الإسلامية. ويعتبر هؤلاء الجهاديون حاليا رأس الحربة التي يستخدمها التنظيم الإرهابي من أجل شن الهجمات الانتحارية في عواصم العالم الغربي وفي تركيا.

تمثل الهدف الأبعد لأنقرة في إسقاط النظام السوري، أمـا الهدف الأقرب فتمثـل في جعل ذلك الأخير يفقـد السيطرة على البلاد بعد تدفق الجهاديين، وهـو ما يمكـن أن يدفع الجميع نحـو الحـل السيـاسي لتهدئة العاصفة التي تنذر بالتحول إلى إعصار مدمر. ولكن العاصفة تحولت بالفعل إلى إعصار مجنون وذلك تحت أنظار ولامبالاة العالم أجمع، قبل أن يضرب الإعصار في قلب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية ليدرك الجميع، بعد فوات الأوان، خطورة تنظيم داعش الذي نما في ظل رعاية كل من النظام السوري وتركيا ولامبالاة العالم.

كان ذلك تاريخ تركيا في التعامل مع تنظيم داعش، ولكن أنقرة اتخذت موقفا مباشرا وعدائيا تجاه التنظيم منذ نحو عام، وانضمت إلى المعسكر الذي يحاربه سامحة للولايات المتحدة باستخدام قاعدة آنجيرليك الجوية لقصف داعش، فضلا عن دخولها هي الحرب ضـد التنظيم من خلال توجيه ضربات مدفعية له من الأراضي التركية. وقد شكل تحول موقف تركيا من داعش نقطة تحول في سياسة التنظيم تجاه أنقرة، إذ وضعها على قائمة لائحة أهدافه المستقبلية فأصبحت هدفا دائما لهجماته منذ العام الماضي.

وتزامن ذلك مع تجدد الصراع بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، إذ شنت أنقرة حربا ضروسا على معاقل الحزب الكردي منهية سنوات من المحادثات السياسية التي كانت قد شهدت وقفا تاما لهجماته على قوات الأمن والجيش التركيين.

جعل اندفاع تركيا نحو الحرب على جبهتين، جبهة حزب العمال الكردستاني وجبهة تنظيم داعش، من الفترة الماضية الممتدة من يونيو من العام الماضي 2015، إلى يونيو من العام الحالي 2016 الأكثر دموية على مستوى الهجمات الإرهابية في تاريخ تركيا، بل وربما في تاريخ العالم. لقد شهدت تركيا في تلك الفترة 17 هجوما إرهابيا ذهب ضحيتها نحو 300 شخص. ويا لها من مفارقة أن تعاني تركيا من أسوأ موجات الهجمات الإرهابية وأكثرها كلفة في تاريخها على يد تنظيمين يكنان العداء لبعضهما بقدر ما يكنانه لتركيا.

كاتب فلسطيني سوري

8