كاميرات التصوير 360 درجة المستقبل الحتمي للفيديو

السبت 2016/06/25
عدسات ترصد جهات الحدث وتضع المشاهد في وسطه

إسطنبول- تتنافس مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك شركات الهواتف الجوالة، ومعها مواقع الفيديو الأشهر في العالم فيما بينها، للحصول على أكبر نسبة من المستخدمين، من خلال بوابة تقنية جديدة، هي تصوير “الفيديو 360 درجة”، أو تقنية الواقع الافتراضي.

عدد من يقومون بتصوير الأفلام عبر هذه التقنية ما زال حتى اللحظة أقل بكثير من حجم الترويج الإعلامي لها. لكنها بدأت تسترعي اهتمام المشاهدين حول العالم، خاصة وأن شركات كاميرات التصوير بدأت منذ فترة قصيرة نسبياً تطرح في الأسواق نماذج منها بأسعار منخفضة، ما سيؤدي بالنتيجة إلى تحوّلها من مجرّد اختراع تقني غريب إلى حالة جماهيرية، خاصة إن تم التغلب على مشكلة عملية مونتاج هذه الأفلام، والتي بقيت حتى اللحظة صعبة على المستخدمين العاديين، فهي تحتاج إلى برامج خاصة، وخبرات مؤهلة.

السؤال الذي يطرح نفسه في حالة هذه التقنية كما في حالات سابقة يقول: هل “تقنية الفيديو 360 درجة” هي ارتقاء فني في عالم صناعة الأفلام؟ أم هي صرعة أو موضة تضج في ردهات شبكات التواصل الاجتماعي لفترة ثم تنسى، ليتم التركيز على شيء آخر ظهر بعدها؟

ما الذي نراه في تقنية الواقع الافتراضي

محاولة الإجابة، تقول إن لكلّ موضة أو صرعة مسارها البياني، ومن الطبيعي أن يخف الاهتمام بها مع تقادم وقتها، ولكن أيّ ظاهرة من هذا النوع لا بد ستترك وراءها جملة من النتائج التي يجب دراستها لكي تتم الاستفادة منها، والنجاح في تسويق التقنيات المستقبلية. وطالما أننا لم نشهد انتشاراً جماهيرياً لهذه التقنية فإن الفضاء مازال مفتوحاً لتأمّل مدى تفاعل الجمهور معها، ولهذا فإن البحث في شأنها حالياً لا بد سيتركز حول ضروراتها، والقيمة الإضافية التي تحملها لعالم تصوير الأفلام.

المنتج إدوارد ميلر المتخصص في هذه التقنية يقول إن دخولها إلى كافة أنواع التصوير الفيلمي سيكون حتميا، ولكنه سيتركز بشكل أفضل في التقارير الإخبارية التلفزيونية التي تهدف إلى نقل الواقع إلى المشاهد كما هو ودون تعديله

تقوم التقنية في مبناها العام على جعل المشاهد الذي يرى الفيلم هو المركز في عملية التصوير، بمعنى أن يستطيع هو ومن خلال الشاشة التي يرى فيها المادة المصورة، الدخول إلى فضاء التصوير ذاته، فتقنيات التصوير التقليدية والتي يعمل من خلالها حالياً في السينما والدراما وفي التقارير الإخبارية، تتحكم بما يشاهده الجمهور، حيث يتحدّد الفضاء بما هو محصور ضمن إحداثيات طول وعرض الشاشة، وفي حالات تقنية أعلى يمكن لهذا المشاهد أن يضع على عينيه نظارات خاصة فيتمكن من مشاهدة الفيلم بثلاثة أبعاد في حال كانت المادة قد صورت بتقنية التصوير ثلاثي الأبعاد.

ولكن “تقنية 360 درجة” وعلى عكس التقنية التقليدية تذهب صوب كسر الشكل المعتاد للتصوير، والذي يتحكم فيه صناع العمل بما يشاهده الجمهور، لتضع المشاهد في مكان الكاميرا، وبما يمكنه من مشاهدة الموضوع الذي يتم تصويره وكذلك إمكانية الالتفات إلى ما يحيط بهذه الموضوع من كافة الجهات، أي أنني في حال كنت أتابع مشهد رقص على شاطئ البحر، سأتمكن من مشاهدة الجمهور الذي يجلس على يمين المشهد وعلى يساره، وفي حال سئمت ممّا أراه، يمكنني تغيير زاوية المشاهدة 180 درجة أفقياً، لتصبح عيني مركزة على البحر، وعلى سفينة راسية في أفقه، وفي حال مرّ طائر نورس من فوقي فإن الأمر لا يحتاج سوى أن أحرك مؤشر المشاهدة نحو الأعلى لأراه، بينما تبقى تفاصيل المشاهد السابقة مستمرة حتى وإن لم تكن عيوني تراها، وفي حال قررت أن أتأمل رمل الشاطئ الذي أقف عليه فإن ذلك ممكن أيضاً عبر النزول بالمؤشر نحو الأسفل.

إنه عالم يشبه السحر حقا، شيء لم يحدث أن رأينا مثله إلا في عالم الألعاب الإلكترونية، التي بُنيت من عوالم وتقنيات الغرافيك، ولكن رؤيتنا للتفاصيل الواقعية الحقيقية في “تقنية الفيديو 360” لا بد ستجعلنا ننسى عالم الألعاب الإلكترونية، ولنغرق أكثر فأكثر في كسر العلاقة التقليدية بين المشاهد الذي يجلس في بيته، أمام شاشة التلفاز أو الحاسوب، وبين ما يعرض عليها، فهنا ستصبح حصة العين والفضول أوسع وأكبر، كما أن شعور هذا المشاهد أنه يقف في مركز التصوير، وأنه يرى كل شيء سيجعله أكثر ثقة بما يشاهد، وبالتالي فإن عنصر المصداقية في تصنيع المواد المصورة سيكون أعلى، وإذا استطاع هذا المشاهد أن يرى المادة المصورة عبر النظارات المخصصة لها فإنه سيكون قد بلغ ذروة الدهشة، فحين سيقوم المصور بالسير في المكان الذي يصوره سيجد المشاهد نفسه وعبر عينيه وسمعه في وسط ما يجري، ما يعني بلوغ الإيهام البصري حدّه الأعلى، فأنت هو من يرى، وأنت تتحكم بما ستراه.

التقنية تقوم في مبناها العام على جعل المشاهد الذي يرى الفيلم هو المركز في عملية التصوير، بمعنى أن يستطيع هو ومن خلال الشاشة التي يرى فيها المادة المصورة

تصميم كاميرات بارزة

كيف تعمل هذه التقنية؟ يقوم المبدأ البسيط هنا على جعل الكاميرا/عيون المشاهد ترصد ما هو أمامها، مع إمكانية رؤية كل ما يجري على محور أفقي بدائرة كاملة (360 درجة) وأيضاً إمكانية رؤية ما يجري في الأعلى و الأسفل في كل المسار الأفقي أي 180 درجة. فإذا ما تخيلنا أننا في عالم على شكل كرة، فإن موقع الكاميرا هنا سيكون في مركزها، وبما يمكننا من مشاهدة كل ما يجري حولنا في جميع الاتجاهات، فكيف يمكن أن نصنع ذلك؟

الإجابة التي قدمتها التقنية أتت على شكل تصميم كاميرات بارزة يمكن لعدستها أن تصور مساحة رؤية واسعة على المستوى الأفقي، وحين يتم تثبيت كاميرا من نفس النوع في الجهة الثانية فإن هاتين الكاميرتين ستقومان بتصوير كل شيء أفقي، وكذلك يمكنها تصوير الأعلى والأسفل، ولكن ما يتم تصويره هنا لن يكون مدمجاً في شريط بصري واحد، بل سيحتاج الأمر إلى عملية مونتاج متخصصة تختلف عن المونتاج التقليدي العادي، وحين تتم صناعة الفيلم وإنهاء العمليات الفنية الخاصة به، فإن المستخدم سيحتاج إلى واحدة من عدة أدوات إضافية من أجل مشاهدته، الأولى وهي مؤشر يشبه البوصلة تتم إضافته إلى موقع نشر الفيديو، ويُمكّن المشاهد من تحريك زاوية الرؤية عبر الأسهم التي تشير إلى الجهات، وهذه البرمجية باتت متوفرة في الكثير من المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي التي أضافت إمكانية الرؤية البانورامية على خدماتها، أما الأداة الثانية، فهي نظارات سميكة مغلقة وبما يعزل زوايا رؤية عيني المُشاهد عمّا حوله، لتجعله يركّز على الفيلم، وباندماج كامل، بعيداً عن محيطه. وهذه النظارات باتت متوفرة أيضاً في الأسواق. ولكن هل كل شيء قابل للتصوير عبر هذه التقنية؟ وهل يمكن أن تدخل عالم صناعة الأفلام السينمائي، أو الدراما التلفزيونية؟

فضاءات التصوير

المنتج إدوارد ميلر المتخصص في هذه التقنية يشرح لموقع الصحافة البريطاني، أن دخول هذه التقنية إلى كافة أنواع التصوير الفيلمي سيكون حتمياً، ولكنه سيتركز بشكل أفضل في التقارير الإخبارية التلفزيونية التي تهدف إلى نقل الواقع إلى المشاهد كما هو ودون تعديله، وبما يمنح العمل الصحافي طاقة أكبر تمكنه من الوصول بأعلى درجات المصداقية إلى المشاهد.

هنا أيضاً يترافق مسعى هذه التقنية مع توفر المنصات الجديدة مثل تويتر والفيسبوك التي يمكن أن تقدم الأخبار الفورية بطريقة أسرع بكثير من المؤسسات الإعلامية الكبيرة، التي تحتاج إلى وقت أطول في تحضيرها للأخبار قبل بثّها. ويعتقد ميلر أن نشر التقارير المصورة بهذه التقنية في هذه المنصات وسيلة مقنعة لتوفير قيمة إضافية للمستخدمين لا يمكن الحصول عليها في أيّ مكان آخر.

موقع يوتيوب بنشر أول فيديو مصور بهذه التقنية في منتصف شهر مارس لعام 2015 وهو يصور رحلة بالمنطاد قام بها مجموعة من المغامرين

ولكن ليست كل المواضيع قابلة للتصوير بهذه الأداة، فبحسب ميلر فإن تصوير مقابلة تلفزيونية تقليدية قد لا يبدو أمراً مناسباً ولكن يمكن للأحداث التي تجري في الشارع أو في غيره والتي تعني نوعاً عالياً من التفاعل أن تكون حقلاً جذاباً، فهذه الأحداث التي يتفاعل معها الجمهور تحقق شرطاً جيداً للتصوير بتقنية الواقع الافتراضي، ويعطي ميلر مثالاً على الأمر من خلال الاضطرابات في هونغ كونغ فقد استطاعت هذه الكاميرات أن ترصد تفاصيل مهمّة جداً أثناء قمع الشرطة للمتظاهرين وهو ما لم تستطع الكاميرات التقليدية رصده، ولهذا فإن عملية اختيار الموضوع هي جزء أساسي من تحضيرات التصوير الجيد.

استخدام الأدوات الصحيحة هو شرط أساسي إذ ليست كل الكاميرات المطروحة لتقديم هذه التقنية تناسب هذا التوجه، فالكثير منها لا يمكن نشر ما تصوّره لعدم مطابقته للمعايير التقنية التي وضعتها المواقع الكبرى كشروط للنشر، كما أن اختيار زاوية التصوير المناسبة هو أهم ما يمكن التركيز عليه للحصول على النتيجة الجيدة، إضافة إلى توفّر برامج المونتاج واليد الماهرة المؤهلة للقيام به، سيكمل شروط تحقق التقرير المناسب الذي ستتم صناعته عبر هذه التقنية.

تظهر التقنية إمكانيات كبيرة في العمل الصحافي، حيث تقدم منصة شركة أوكيو ريبروت الفرنسية عدة أفلام ذات طابع إخباري تنتمي تقنياً إلى هذا النوع، ومن بين هذه الأفلام يبرز فيلم قدمته مؤسسة سمارت السورية في نهاية العام 2015، قام مصوروها بإنجازه في مدينة جسر الشغور بعد سيطرة قوات المعارضة عليها، ولتلحقه قبل فترة وجيزة بفيلم أشد إثارة وتأثيراً حمل عنوان “كابوس نوبل” يحكي عن عمل الدفاع المدني بانتشال الضحايا في مدينة حلب، حاز قبل أيام على جائزة أفضل فيلم بتقنية الواقع الافتراضي، في “مهرجان الإعلام الجديد”، بمدينة لوس أنجلوس، في الولايات المتحدة الأميركية، ونقلت وكالة سمارت عن مراسلها مصور الفيلم زكريا عرابي قوله إن التصوير “استغرق نحو شهر ونصف، ويتألف فريق التصوير من خمسة أشخاص (…) كنا السبّاقين في التصوير بتقنية الواقع الافتراضي، التي تعتمد على كاميرا ج أو برو، مثبتة على شكل سداسي ليُرى بها كل الأفق المحيط بالكاميرا”. وأضاف عرابي “استخدمنا عصا خاصة لتثبيت الكاميرا، كما استخدمنا حامل تريبود في التصوير لبعض اللقطات”، مشيرا إلى مواجهتهم “بعض المشاكل خلال التصوير على خطوط التماس مع قوات النظام”، فيما “كان التعاون كبيراً في مناطق المدنيين الخاضعة لسيطرة الجيش الحر”.

عالم يشبه السحر حقا، شيء لم يحدث أن رأينا مثله إلا في عالم الألعاب الإلكترونية، التي بنيت من عوالم وتقنيات الغرافيك، ولكن رؤيتنا للتفاصيل الواقعية الحقيقية في “تقنية الفيديو 360” لا بد ستجعلنا ننسى عالم الألعاب الإلكترونية

قمرة القيادة

قام موقع يوتيوب بنشر أول فيديو مصور بهذه التقنية في منتصف شهر مارس لعام 2015 وهو يصور رحلة بالمنطاد قام بها مجموعة من المغامرين، فحقق عدداً من المشاهدات وصلت إلى ما يقارب ستة ملايين ونصف مليون مشاهدة حتى الآن، وقد توالت بعده التجارب المصورة لتتركز بشكل أساسي حول التصوير في الطبيعة، أو في أمكنة مثيرة تمكّن المشاهد من التفاعل والبحث في الفضاء الذي يتمّ تصويره، من مثل الدخول إلى قمرة القيادة في الطائرات وهي تحلق على ارتفاعات شاهقة.

وتحتوي قائمة بأفضل الأفلام التي صورت بهذه التقنية قبيل نهاية العام الفائت، فالعديد من الأفلام تصور زيارة للمسجد النبوي في المدينة المنورة، والطواف في مكة المكرمة، وفيديو لقفز مجموعة من المغامرين من مرتفعات عالية، وكذلك جولات في مدن ومناطق طبيعية، ولكن اللافت في القائمة هو ظهور لفيديو كليب للمغنية الأيسلندية بيورك، وكذلك مقطع في الحلقة الأولى من مسلسل رعب تحمل عنوان “أي بي 1”. ما يؤشر إلى إمكانية أن نشاهد أعمالاً سينمائية أو درامية كاملة تبنى على هذه التقنية.
14