الشقيقة قطر ومساعيها الحميدة لـ"توحيد" القوى الوطنية العراقية

الخميس 2016/06/16

شتمنا السيد محمد المسفر، نحن الذين عاتبناه بأخوة على استنتاجاته بانتهاء التيارات والأحزاب الوطنية والقومية في العراق، ووصفنا في مقال له بصحيفة قطرية، الثلاثـاء المـاضي، بالكتبة والمخلـوقات الحزبية والمأجورين، رغم أننا تعاطينا معه بتهذيب واحترام، ولكنه، سامحه الله، رد علينـا بتعال وأستاذية، وكأنه قديس يقول الحق دائما، ومعصوم لا يقاربه أحد.

وأغرب ما قاله الأخ القطري في مقالته التي تقطر أدبا ورقة، أنه بعد أن شتمنا دعانا إلى الانضمام إلى مشروع سياسي، وُلد في العاصمة الفرنسية نهاية الشهر الماضي، وحمل اسم “المشروع الوطني العراقي” لأن أصحابه – وفق رأيه – “يملكون رؤية وطنية ومشروعا لتحرير العراق من قبضة الميليشيات وعصابات نهب خيرات العراق”.

ولم يتوان عن زجرنا لأننا أبدينا ملاحظات على أحادية مؤتمر باريس وعزلته، وانتقدنا اجتماعه الفارغ من أي مضمون وطني، وكشفنا عن البذخ الذي رافق انعقاده على ضفاف نهر السين، مع أننا ترفعنا عن ذكر المكافآت المالية التي منحها راعي المؤتمر لضيوف ومدعوين عرب وأجانب، بل إنه واصل سخريته من تياراتنا وأحزابنا الوطنية والقومية التي دافعنا عن أصالتها وعمق جذورها في العراق ضد صيحته التي أطلقها من فندق 5 نجوم في شارع الشانزيليزيه الساحر، مصرا على أنها “انتهت.. انتهت”.

ولسنا بصدد الدفاع عن حزب البعث الذي طالبه السيد المسفر بعقد مؤتمر لـ“شرفائه” وإنشاء حزب بعث جديد، أو الانضمام إلى المشروع الباريسي كـ“أفراد” مع أنه لم يوضح، وهو الكاتب والمحلل والباحث في السياسة، كيف ينضم بعثيون أمضوا عقودا طويلة في صفوف حزبهم، أمثال عزة الدوري وصلاح المختار وعدنان سلمان وعقلة الكبيسي وعبدالصمد الغريري وخضير المرشدي، والآلاف من القيادات والكوادر والأعضاء إلى تنظيم سياسي بلغ عمره عدة شهور، وينتظر سبتمبر المقبل للاحتفال بعيد ميلاده الأول، ولا ندري أين سيكون الاحتفال؛ في الدوحة التي أطلقته، أم في باريس التي احتضنته؟

ثم ماذا ستكون مراتب الدوري ورفاقه في تشكيلة المشروع الرضيع، خاصة عندما يصبح مسؤولا عنهم شخص، لا يفرّق بين الرؤيـا في المنام والرؤية في العمل السياسي؟ ولا نريد الاستغراق في إيراد “مواهبه” الأخرى، فالزمن الآتي كفيل بكشفها.

ومن المحزن أن يختلق محمد المسفر اتهامات لمن قال إنهم وجهوا نقدا إلى قطر التي يثمن تعاونها مع القوى الوطنية العراقية في توحيد صفوفها، وتوفير مكان لعقد اجتماعاتها (في إشارة إلى اجتماع الدوحة في الثاني من سبتمبر الماضي).

وما دام هو قد فتح الموضوع، فإننا، هنا، نضع الحقائق حول الاجتماع الذي أشار إليه، وبدايتها كانت عندما تبنى وزير الخارجية القطري السابق، خالد العطية، مشروعا لجمع قوى المعارضة السنية في جبهـة سيـاسية واحـدة، مؤكدا أن خمـس دول عربية ستدعمه، وعلى هـذا الأسـاس وجه الدعوة إلى ثلاث قوى عدّها أساسية لزيارة الدوحة، وهي حزب البعث ومثله عضو القيادة القطْرية عبدالصمد الغريري، وهيئة العلمـاء المسلمين ممثلة برئيسها مثنى الضاري، وحركة المشروع العربي ومثلها أمينها العام خميس الخنجر.

وفوجئت الوفود الثلاثة عند وصولها إلى العاصمة القطرية، بأن الوزير العطية الذي كان يتمنى أن يكون “عرّاب” المشروع عند نجاحه، قد ألح على رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، بالحضور إلى الدوحة فورا للمشاركة في الاجتماع المرتقب، وبالفعل جاء الجبوري على رأس وفد ضم النواب محمود المشهداني وأحمد المساري ومحمد الكربولي وعزالدين الدولة.

وكانت المفاجأة الثانيـة أن السيد العطية طلب أن يعد كـل وفـد ورقـة سياسية عنوانها “البناء على إيجابيات العملية السياسية الحالية في العـراق”، كمـا طلب من وفد الجبوري ذلك أيضا، وكـان في نيته أن يجمع الأوراق الأربع ويلخصها فـي ورقـة واحدة، ويؤلف مـن الأطـراف الأربعـة وفـدا موحدا، مطلقـا على مشـروعـه تسمية “5 زائد 1” ويقصد بالخمسة، قطـر والسعودية والإمارات والكويت والأردن، والواحد يعني الوفد السني الموحد (المعارضة والموالاة).

ولم تتفق القوى المعارضة الثلاث مع العنوان القطري لقناعتها بأن لا إيجابيات في مجمل العملية السياسية، لأنها “معلّبة” بالمحاصصة الطائفية والعـرقية ولا ينفع فيها بناء أو تعديل، ودعت إلى عملية سياسية جديدة تقوم على التعددية والديمقراطية وإطلاق الحريات لجميع العراقيين في خياراتهم السياسية بعيدا عن التهميش والاجتثاث والإقصاء، وتنظيم انتخابات تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة تكون نتائجها هي الحكم والفيصل، في حين لم يتحمس الوفـد النيابي لإعـداد ورقة خاصة به خشية ردود فعل شركـائه في بغداد.

وأيقن الوزير خالد العطية أن آماله في نجاح مشروعه الذي خطّط لانطلاقه من الدوحة يحمل اسمها وتحت مظلتها قد تلاشت، ووجد صعوبة في جمع القوى السنية المعارضة مع الأطراف المشاركة في العملية السياسية، مع اعتراض حزب البعث على تصنيفه ضمن القوى السنية، وملاحظات حركة المشروع العربي وتهديدات مثنى الضاري بالانسحاب، وخوف سليم الجبوري من الانخراط في “نشاط” يؤذيه في العراق، وهنا قام السيد العطية بحركة مدبرة، عندما دفع بالمدعو جمال الضاري، وهو مستخدم سابق في هيئة العلماء المسلمين، إلى الواجهة وقدمه كطرف رابع إلى جانب البعث والهيئة والمشروع العربي، وكانت حجة الوزير القطري أن حزب البعث محظور في العراق، والهيئة مصنفة بالإرهاب، وخميس الخنجر متهم بالتآمر على العملية السياسية، أما جمال الضاري فإنه وجه “سني” جديد وغير محروق في بغداد وليس متشددا ولديه استعداد للمشاركة في العملية السياسية و“البناء” على إيجابياتها!

ويتردد بهذا الصدد أن مثنى الضاري ابتسم – وهو نادر الابتسام – والتزم الصمت، عندما استمع إلى السيد العطية يبلغه “الخبرية” وسط ضجيج جمال بإعلان براءته من الهيئة، وللإنصاف فإن الوزير القطري لم يقل عن جمال إنه “ولدنا” أو صاحبنا للعلم، وصدقت إشادة المسفر بجهود بلاده في توحيد القوى الوطنية العراقية.

كاتب عراقي

8