ماريسا ماير ضحية للميديا التي جعلتها امرأة خارقة

اسطنبول- لم يكن خبر اللقاء بين ماريسا ماير الرئيسة التنفيذية لشركة ياهو مع مدراء تنفيذيين في شركة تويتر غريباً على المتابعين لعالم سوق التقنيات والإنترنت. إذ أن الشركتين خرجتا في العام 2015 بنتائج مالية سيئة. ويبدو أن الوقت قد حان لإعلان نهاية الهبوط المتدرج الذي عانتا منه طيلة السنوات السابقة، وذلك من خلال صفقة دمج يستفيد فيها كل طرف من ميزات وإمكانيات الطرف الثاني، وبما يجعلهما بعيدتين مؤقتاً عن الخروج النهائي من سوق المنافسة التي يواجهان فيها عمالقة كغوغل وفيسبوك، وغيرهما.
لا يبدو الأمر صادماً من جهة شركة تويتر، التي بدأت قصص هبوطها تظهر في الإعلام منذ فترة قريبة، عندما أعلن رئيسها التنفيذي جاك دورسي في بداية العام الحالي ومن خلال تغريدة عن مغادرة أربعة من كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة، ليكون هذا أكبر ما تتعرض له منذ عودته لتولّي إدارتها. ورغم دأب دورسي على إطلاق خدمات ومنتوجات جديدة، إلا أنه فشل في زيادة عدد مستخدمي الموقع الذي انخفضت قيمة أسهمه بما يقرب من 50 بالمئة ، حيث هبط سعر التداول إلى ما دون سعر الاكتتاب العام.
الصدمة الكبرى تأتي هذه المرة من جهة ياهو، حيث شكّل هذا الخبر إعلاناً صريحاً وواضحاً عن فشل ماريسا ماير في إنقاذ الشركة من النهاية شبه المحتمة، بعد أن عانت من سلسلة طويلة من الخسائر، وكذلك من الفشل في العودة إلى مواجهة الكبار في السوق. إذ تلاشت تماماً أخبار النجاح التي تفجرت مع قدوم ماير إلى إدارتها.
سلسلة الخسائر
وبعد أربع سنوات، أن ما تمت المراهنة عليه من حصافة وذكاء هذه المرأة التي أدرج اسمها بين النساء الـ10 الأكثر تأثيراً في عالم التقنية، والتي صنفت بالمرتبة الـ32 في تصنيف مجلة فوربس لعام 2013 كأقوى امرأة نفوذاً في العالم، لم يكن نافعاً، لا بل إنه فاقم من الأزمة المستدامة التي عانى منها ثاني أكبر محرك بحث في تاريخ الإنترنت.
أظهرت بيانات كشفتها الشركة عن خسائر بمقدار 4.4 مليار دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي، ليعتبر هذا الإعلان واحداً من أسوأ الأخبار التقنية في 2015، كما كشفت عن نيتها تسريح 15 بالمئة من موظفيها، في خطة لإعادة الشركة إلى نمو يتراوح بين المتوسط والمرتفع، خلال العامين المقبلين.
زاك زنجر مؤسس ورئيس مجموعة زنجر فوكمان يقول إن لدى المديرة الشابة معايير ستدفعها إلى النجاح في مهمتها، تلك المعايير متجسدة في خبراء التقنية الذين لديهم القدرة على إلهام وتحفيز الآخرين، تفوق النساء في مجال تقنية المعلومات، والمبادرة التي تأتي بالنفع على صاحبها
ورغم أن هذا الإعلان تمت إحالته بحسب شبكة سي إن إن الأميركية، إلى رؤية ماير، التي تقول بأن الشركة بحاجة إلى موظفين أقلّ، وأكثر تركيزاً، وأن ذلك يمكن أن يساهم في إيقاف تدهورها، إلا أن هذا لا ينفي حصول انخفاض حقيقي في قيمة الأسهم بمقدار 2 بالمئة، وسط تخبط بين سياسة المديرة الشابة ومجلس الإدارة الذي بدأ صبره ينفد.
ماير في ياهو
دخلت ماريسا ماير عالم ياهو منذ يوليو 2012، بعد فترة حرجة عاشها الموقع الشهير، تمثلت بانتكاسات متلاحقة، ضاعت أسبابها بين 5 مدراء تنفيذيين تبدلوا خلال خمس سنوات. وتذكر الأرقام التي صدرت في الفترة التي سبقت دخول ماير إلى منصبها، أن ياهو تراجعت أرباحها في الربع الأخير من عام 2011 بنسبة 5 بالمئة بالتزامن مع تراجع المبيعات. وقد جاء تعيين ماير في منصبها لينهي فترة من الاضطراب الإداري الذي أصاب الشركة أيضاً. فقد تبين أن الرئيس التنفيذي السابق سكوت طومسون الذي تولّى مهام منصبه في بداية العام 2012 كذب في سيرته الذاتية، وقال أشياء لم يفعلها، ما أدّى إلى الاستغناء عنه.
وفي الوقت الذي كان رئيس مجلس الإدارة ألفريد أمروسو يعلن فيه أن الرئيس التنفيذي الجديد للشركة سيكون هو روس ليفنسون، كان المجلس الذي يرأسه لا يلقي نظرة على مرشحه بل يتجه نحو تعيين ماريسا، التي صنعت مجدها الشخصي طيلة 13 سنة، عملت فيها في شركة غوغل، بدأتها عندما كان عمرها 24 سنة.
كان رقمها هو الـ20 من بين موظفي الشركة التي تعملقت بجهود عدد من الشباب الطامحين مثل هذه الفتاة التي دخلت سوق العمل بعد تخرجها من جامعة ساتنفورد. وقد عملت ماير في غوغل ضمن عدة قطاعات قادتها إلى مواقع مهمة فيها، فعبر عملها كمهندسة ومصممة ومديرة إنتاج، صبت جهدها في مساحات “غوغل البحث، وغوغل الصور، وغوغل الأخبار، وغوغل الكتب، وغوغل الخرائط، وغوغل البحث عن المنتج، وغوغل شريط الأدوات، وآي غوغل، وجي ميل”.
|
خطة الإنقاذ بين الكاريزما والعقل في الأيام الأولى لتولي ماريسا ماير منصبها في ياهو كتب زاك زنجر مؤسس ورئيس مجموعة زنجر فوكمان يقول إن لدى المديرة الشابة خمسة معايير ستدفعها إلى النجاح في مهمّتها، تلك المعايير كانت متجسدة في خبراء التقنية الذين لديهم القدرة على إلهام وتحفيز الآخرين، تفوّق النساء في مجال تقنية المعلومات، المبادرة التي تأتي بالنفع على صاحبها، الرغبة في التطوير الذاتي والمنظور الاستراتيجي.
ومن خلال هذه المعايير التي ركزت على القدرات الذاتية والكاريزما الشخصية، ذهب العالم كله في متابعة خطواتها، حتى بدا أن أخبار نجاح ياهو التي بدأت تتوالى آنذاك تستند في تحققها إلى الوجه الجميل الذي تتحلى به ماريسا أكثر من استنادها إلى خطة عملية بدأت العمل عليها، وقامت على دمج الشركة أكثر فأكثر في مسارات التطور التقني.
توجهت إلى خلق آليات وصول جديدة للمستخدمين الذين شعروا بغربة بينهم وبين الموقع، الذي غاب طويلاً عن عالم تطبيقات الأجهزة الذكية المحمولة، بالإضافة إلى عدم تجديد واجهته وكذلك بقاء موقع البريد الخاص به بدون تحديثات لفترة طويلة، ولهذا كان خيار ماير هو المضيّ قدماً في عملية التحديث، وبما يناسب أهواء المستخدمين الذين كانوا بدورهم يترقبون ما ستفعله المديرة الجديدة.
وهذا ما حدث فعلاً، إذ مع انتهاء العام الأول لإدارتها للموقع انتعش سوق ياهو من جديد، فبعد أن قامت بإقصاء عدد من المدراء الذين لم تجد في عملهم ما يفيد الشركة، ركّزت على إتاحة المجال لكلّ موظفي الشركة لكي يتواصلوا مع الإدارة بدون قيود، إضافة إلى تحسين واقع هؤلاء، رغم قيامها من جهة أخرى بشطب ألف وظيفة في ذات الوقت، كما أطلقت العنان لعملية تحسين الأداء على الصفحة الرئيسية للموقع بالتوازي مع إلغاء عدد من الخدمات، رأت أنها لم تعد مرغوبة من قبل المستخدمين، كما عملت على تحسين وضع موقع الصور الشهير “فليكر” الذي أهملته ياهو كثيراً بعد أن كان يتبوّأ المكانة الأولى في عالم المواقع ذات المجال نفسه.
تجربة ماير تثير الكثير من الأسئلة في الوقت الراهن حول أسباب فشلها، لكن أصحاب المنطق الواقعي الذين يتعمقون في دراسة وقائع السوق يرون أن فشل ماير المزعوم ليس سوى حلقة طبيعية من حلقات تجارب الإدارة
ولكن أهمّ ما فعلته ماريسا ماير في فضاء ياهو كان هو نقلها لسياسة الاستحواذ على الشركات الأخرى إلى استراتيجيات ياهو، وهي السياسة التي كان غوغل يعمل عليها (يشتري شركة صغيرة كل أسبوع)، فقد سجّلت الأخبار قيامها بشراء 17 شركة خلال سنتها الأول، كان أهمها صفقة تمبلر (موقع التدوين الفني والإبداعي) والتي جاءت بقيمة مليار ومئة مليون دولار دفعتها شركة ياهو نقداً. وكذلك سجل لماير أنه في العام الأول لتوليها منصبها سجلت قاعدة مستخدمي ياهو ارتفاعاً بحجم 20 بالمئة، كما ارتفع عدد المستخدمين الذين يصلون لخدمات الموقع عبر الهواتف الذكية، ليصبح أكثر من 350 مليون مستخدم.
ورغم أن هذا الرقم لم يكن كبيراً بالمقارنة مع غوغل إلا إن ماير رأت فيه رقماً “لا يستهان به ويعتبر قفزة نوعية في تاريخ هذه الشركة التي تحاول بأيّ شكل من الأشكال التقاط أنفاسها واللحاق بالآخرين”. وقد سجلت دراسة مختصة في نهاية عام 2013 أن تطبيقات ياهو على الأجهزة الذكية حلت في المرتبة الثالثة من جهة عدد المستخدمين بعد غوغل وفيسبوك.
النجاح بالأرقام لا بالظهور على الأغلفة
خطوات ماريسا التي ترقبها العالم ورفعت من أسهمها الإعلامية، بدت وردية وجميلة مثل حضور الابتسامة على وجهها في صورها المنشورة في المجلات العامة. ولكن لغة الصحافة البراقة لا تعني أن تحمل لغة الأرقام التي تكتب بالحبر الأسود على الورق الأبيض ذات المؤديات. فهنا لا يمكن الركون إلى ما تروّجه أغلفة المجلات التي تروي فقط نجاحات وجوه المجتمع، بل يجب التدقيق بالأرقام، فهي فقط ما يؤكد النجاحات أو ينفيها. ولهذا فقد بدأت تظهر الأخبار التي تقول إن سياسة الاستحواذ التي مارستها ماريسا لم تجد نفعاً من أجل تحسين واقع ياهو. وقد وجهت انتقادات كبيرة لعمليات الشراء التي دفعت من خلالها الشركة مئات الملايين من الدولارات كأثمان لشركات صغيرة لم تدرّ عليها بالمقابل أيّ أرباح إضافية.
|
وفي الوقت الذي تسعى فيه لتخفيض النفقات عبر إغلاق مكاتب الشركة في الشرق الأوسط (الإمارات، الأردن، مصر) وتسريح 500 موظف في الهند، بدأت الصحافة تتحدث عن خفايا تتعلق بالرئيسة التنفيذية لياهو. حيث أظهر تقرير نشره موقع فوربس قبل فترة قصيرة أن تكاليف حماية ماير والمحافظة على حياتها تزيد عن نصف مليون دولار. كما أن مراجعة النفقات التي صرفت من خلال سياسة دعم الموظفين أظهرت أن الشركة أنفقت قرابة 450 مليون دولار في أربع سنوات على الطعام المجّاني ورحلات العطل. ويبدو في محصلة شبه نهائية وبحسب ما تروّجه الصحافة الأميركية أن رحلة ماير في عالم ياهو قد قاربت على نهايتها، بعد موجة كبيرة من الانتقادات التي تُوجّه لها هذه الفترة، والتي تُوضح أنها لم تستطع الوصول بسفينة الموقع إلى ضفة النجاة.
تثير تجربة ماير الكثير من الأسئلة في الوقت الراهن حول أسباب فشلها، لكن أصحاب المنطق الواقعي الذين يتعمقون في دراسة وقائع السوق يرون أن فشل ماير المزعوم ليس سوى حلقة طبيعية من حلقات تجارب الإدارة التي قد تنجح في ظرف معين وقد تفشل في ظرف أخر.
ويُرجع هؤلاء المبالغة السائدة حالياً في تقدير حجم الفشل الذي لحق بإدارتها، إلى التركيز الإعلامي عليها منذ بداية عملها في ياهو، وتحويلها إلى نموذج “المرأة الخارقة” والذي استفاد من صورتها كامرأة جميلة تتمتع بذكاء علمي وتقني عاليين. لكن الواقع أظهر أن بين النتائج الواقعية في السوق وبين صورة المرأة الخارقة ثمّة هوّة كبيرة، تجعل الكثيرين ينتقدون طريقة تعاطي الميديا المغالية مع الظاهرة الفردية وبما يخدم غاياتها التسويقية، وبما يؤذي الشخصية/الظاهرة.
وفي السياق ذاته نشر موقع “هارفرد بزنس ريفيو” بنسخته العربية قبل أيام دراسة تحت عنوان “العالم أشد قسوة على المرأة القائدة إن ارتكبت الأخطاء” بحثت في بعض خلفيات الانتقادات التي وُجّهت لماريسا ماير وهيلاري كلينتون، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن جزءاً كبيراً من هذه الانتقادات يعود إلى نظرة مسبقة للمنتقدين تتعاطى مع المنقود بحسب جنسه، وتخلص الدراسة إلى القول بأن الناس يجدون أنه من الأسهل قبول قرار خاطئ لقائد، عندما يكون جنسه مفضّلا في المنصب المعني. بينما يحكم على خطأ القادة بقسوة أكبر عندما يخطئون في مجالات تعدّ من اختصاص الجنس الآخر.