الفيبرانيوم درع المستقبل للمواصلات الأسرع في التاريخ

السبت 2016/06/04
معدن خارق تبتكره الأرض ينافس خنجر توت عنخ أمون النيزكي

اسطنبول - خبران لافتان تناقلتهما وسائل الإعلام قبل أيام، كانت مادتهما الرئيسية هي المعادن، الأول يتعلق بسر خنجر الملك الفرعوني توت عنخ آمون، إذ توصل علماء من إيطاليا ومصر إلى اكتشاف طبيعة معدن يتكون منه نصل السكين الذي عُثر عليه البريطاني هوارد كارتر بعد اكتشاف المقبرة عام 1922، وبحسب وكالات الأنباء التي نقلت الخبر فإن المعدن الذي صنع منه هو حديد أحد النيازك التي امتلأت بها صحراء مصر القديمة.

أما الخبر الثاني فيقول إن شركة “هايبرلوب ترانسبورتيشن تكنولوجيز” التي تعمل على مشروع النقل الأسرع في تاريخ البشرية تمكّنت من صناعة معدن فائق القدرة ستستخدمه في بناء كبسولات نقل البشر، وقد قامت بتسميته بالفيبرانيوم، أي ذات اسم المعدن الذي تشكل منه درع شخصية الكوميكس والسينما الشهيرة كابتن أميركا.

هنا لدينا إذن معدنان، الأول حقيقي قادم إلى الأرض من السماء على شكل نيزك، والثاني هو حقيقي أيضاً، لكن تمت صناعته على يد البشر وفق أعلى درجات التطور العلمي في هذا المجال، غير أنه يستعير اسم معدن خيالي عثر عليه في دولة “واكندا” الخيالية أيضاً، حيث تقول الحكاية إن أصوله ترجع إلى نيزك سقط على الأرض قبل عشرة آلاف سنة.

التداخل العالي بين مرجعيات كلّ من الحكايتين، يشبه تماماً ما يحدث بين الخيال والعلم، فقد ظل سرّ خنجر الملك توت عنخ آمون مبهماً ومثيراً للخيال لمدة طويلة قبل أن يتمكن العلم من فك تكوينه، وفي الجهة الأخرى، تلجأ الشركة المخترعة للهايبرلوب إلى الخيال، من أجل تقريب مواصفات المعدن الجديد إلى فهم الناس العاديين، وفي كلتا الحكايتين ثمة إثارة تصل إلى درجة الفنتازيا.

صنعت قصص الأبطال الخارقين الأميركية، ولا سيما تلك السلاسل المطولة المسماة بالكوميكس، مثل قصص كسوبرمان والمنتقمين وكابتن أميركا وغيرها، عوالم أبطالها وفق منظومة خيالية تتكامل فيها المفردات الفنتازية، مع السياق الواقعي الذي لا يخرج عن ثنائية الخير والشر الإنسانية.

المعادن والحكايات

ضمن هذه المنظومة بث كتّاب هذه القصص التي أدهشت أجيالاً كاملة تفاصيل خاصة بهؤلاء الأبطال. فهؤلاء لا يقاتلون بأدوات بشرية، بل إنهم يحوزون أسلحة خارقة، إضافة إلى تمتّعهم بقدرات فائقة، يكرّسونها في سبيل خدمة البشر والقضاء على الشر. وفي سبيل تمييز هذه القدرات عن أيّ شيء يماثلها في عالم الإنسان، كان لا بد من اختراع تفاصيل خيالية لا تفسير لها. من بينها، كانت تلك المعادن الرهيبة، التي منحت هؤلاء الإمكانية لتجديد قواهم وتحصين أدوات قتالهم.

أسلحة خارقة وقدرات فائقة

فسوبرمان لن يكون خارقاً دون المعدن الخيالي الذي يحمل اسم الكريبتونيت الأخضر المشع الذي جلبه معه من كوكب كريبتون. كما كان لمعدن الأدمنتيوم تأثيره الجبار في حكايات الخارقين الذين سموا بالمنتقمين، وكذلك حضر معدن فيبرانيوم في سلسلة كابتن أميركا، من خلال درعه الذي يحمله معه في كل المعارك التي يخوضها، وزيادة في التشويق، تقول الحكاية إن هذا الدرع قد طلي بطبقة إضافية من الأدمنتيوم، حتى بات غير قابل للتحطم، حتى وإن اصطدم بأقوى القذائف.

كل ما سبق نتاج للتصعيد في الخيال القصصي الفنتازي، ولكن من قال إن ما تحكيه هذه القصص سيبقى خيالياً يقرأه البشر ويشاهدونه في القصص المرسومة وفي أفلام المغامرات فقط؟

تقول الوقائع التي عايشها البشر في العصور الحديثة إن خيال القصص كان مادة أولى محفزة بشكل أو بآخر لأفكار علمية، أدت إلى اختراع الكثير من الأدوات التي يستخدمها الإنسان في وقتنا الحالي.

وفي زمننا الحالي، وفي مسار القفزات العلمية المتواترة، نرى كيف أن ما ظهر في أفلام السينما المبكرة، كان يتحول وخلال عقود قليلة إلى وقائع حقيقية ملموسة. ولعل المثال الأبرز على ما سبق هو فيلم الخيال العلمي الأول “رحلة إلى القمر” لجورج ميليس والذي ينتمي إلى عالم الأفلام الصامتة حيث أنتج عام 1902. والذي استوحيت قصته من روايتي “من الأرض إلى القمر” لجول فيرن و”أول رجال على سطح القمر” التي كتبها هـ. ج. ويلز، فبعد أقل من ستين سنة، كان خيال المخرج وكلا الروائيين يتحول إلى واقعة حقيقية مع هبوط أول رائد فضاء على سطح القمر في العام 1969.

وهكذا تبدو العلاقة بين الخيال والعلم أشبه بمتلازمة، يتقدم فيها الأول على الثاني دائماً. ولكن لا بأس بأن يستعير العلم التفاصيل من الخيال، وذلك ليجعل من اللامنطقي منطقياً ومفهوماً ومحتملاً في عالم البشر. وضــــمن هذا المجال يمكن فهم تسمية شركة “هايبرلوب ترانسبورتيشن تكنولوجيز″ للمعدن الذي ستستخدمه في بناء كبسولات نقل البشر بالفيبرانيوم، لتجعل من خيال مارفل الذي ألف شخصية كابتن أميركا بدرعه العجيب أمراً حقيقياً، يقرّب فكرة الحماية الكاملة شبه المستحيلة سابقاً من عقول البشر.

منذ أن انطلقت شركة “سبيس إكس” لتكنولوجيا الفضاء في العام 2002 وهي تدهش المراقبين بقدرتها على تقديم قفزات تقنية عالية المستوى في المجال الذي اختطته. وبعيدا عن إنجازاتها في حقل تقنيات الفضاء، فقد لفت مؤسسها إيلون ماسك الانتباه في العام 2013 عندما طرح فكرة جديدة لتأمين النقل البرّي السريع بين المدن والبلدان على كوكب الأرض، حملت اسم هايبرلوب، وتقوم على مبدأ بسيط نظرياً قوامه إمكانية إطلاق كبسولات مغلقة ضمن أنابيب خاصة خالية من الهواء تربط بين محطتين، تنطلق بسرعات عالية على وسادة هوائية مضغوطة، ولا تحتك بجدران الأنبوب، بفعل حقل مغناطيسي يولده موتور كهربائي يستمد قوته من الطاقة الشمسية.

نقل أسرع من الصوت

بحسب مخطط ماسك فإن فكرة المشروع تدمج بين عدة اختراعات سابقة هي طائرة الكونكورد وراجمة الصواريخ وطاولة للعب الهوكي في الهواء، يتم دعمها بفكرة المحرك الكهربائي العامل بالطاقة الشمسية، الذي استخدمه ماسك ذاته عند صناعة السيارة الكهربائية ‘تيسلا طراز إس’، وهي السيارة التي تصنف كأول سيارة كهربائية آمنة قابلة للاستخدام.

فكرة النقل السريع بالاعتماد على الفيبرانيوم تدمج بين عدة اختراعات سابقة هي طائرة الكونكورد وراجمة الصواريخ وطاولة لعب الهوكي في الهواء

وعن جدوى المشروع وتطبيقاته المحتملة فإن “سرعة الهايبرلوب تفوق سرعة الصوت وتسير بسرعة 1200 كيلومتر في الساعة، ستستطيع أن تقطع المسافة ما بين نيويورك بالولايات المتحدة والعاصمة الصينية بكين في ساعتين وبين لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو في 35 دقيقة بمتوسط سرعة 598 ميلا في الساعة (962 كم/ ساعة)، مع سرعة قصوى تبلغ 760 ميلا في الساعة (220.1 كم/ساعة). وتبلغ المسافة ما بين سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس نحو 615 كيلومترا تقريباً، ويستغرق السفر بالسيارة بين المدينتين نحو 5 ساعات و35 دقيقة تقريباً عند سلوك أقصر طريق بين المدينتين، فيما يستغرق السفر بالطائرة نحو ساعة و20 دقيقة”.

ومنذ أن قدم مؤسس شركة “سبيس إكس” فكرته وحتى الآن، تنقل الوسائل الإعلامية شذرات عمّا يجري في مسار تحويل الفكرة إلى واقع، فقبل سنة من الآن تقريباً، أعلن مدير المشروع ديرك ألبورن أن أول مسار اختباري للهايبرلوب، سيبلغ طوله 8 كيلومترات وسيتم إنشاؤه عام 2017 في كاليفورنيا.

الفيبرانيوم بيت السر

المسألة التي ظلت عالقة دون توضيح في تفاصيل المشروع كانت هي بناء وتصميم الكبسولات التي ستستخدم في نقل البشر، فكل واحدة منها بحسب مصمّمها ستحمل نحو 20 راكباً، حيث يمكن إطلاق كبسولة كل 30 ثانية في الخط الواحد دون أيّ مشكلة أو خطر لاصطدام الكبسولات ببعضها أو خروجها عن المسار، كما توجد مسافة أمان بين كل كبسولة والأخرى تبلغ خمسة أميال.

ولكن كيف ستتمكن الشركة من إنجاز هذه الأداة بمواصفات أمان عالية تضمن سلامة من سيستخدمونها؟

الإجابة لم تتأخر، إذ كشفت الشركة قبل فترة وجيزة عن أنها ستستخدم معدناً جديداً غير معروف، تمت تسميته بالفيبرانيوم، وبحسب موقعي “ماشابل” و”مرصد المستقبل”، فإن هذا المعدن الذي تم تصميمه لهذه الغاية، هو خليط معدني ذكي وموصَّل بآلاف أجهزة الاستشعار المصممة لنقل معلومات التشخيص لاسلكياً عن الحرارة والأضرار وسلامة الهيكل. وتربط مادته كل المعطيات بشكل فوري، ما يؤدي إلى استبعاد كبسولات الهايبرلوب المتضررة من العمل لتتم صيانتها.

وحول تكوين المعدن فقد أوضحت الشركة المصممة أنه صنع من ألياف الكربون، لتكون مادته أقوى بعشر مرات وأخف بخمس مرات من الفولاذ، وأقوى بثماني مرات وأخف بمرّة ونصف من الألمنيوم. وقد تمت عملية تصنيعها بالشراكة مع شركة سلوفاكية تسمى “سي تو آي” والتي تقوم بتصنيع ألياف الكربون للسيارات والطائرات.

صناعة المستقبل

العمل على مشروع الهايبرلوب، بوصفه تصورا عمليا لمستقبل وسائل النقل البري، كان حاضراً في القمة العالمية للحكومات التي جرت في دبي أوائل هذا العام 2016، حيث طرحت رؤى المشروع في هذا المحفل الذي وصف بأنه “التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل”.

الفيبرانيوم يتكون من ألياف الكربون المصنعة، لتصبح مادته أقوى بعشر مرات وأخف بخمس مرات من الفولاذ، وأقوى بثماني مرات وأخف بمرة ونصف من الألمنيوم

عرض بروغان بامبروغان الشريك المؤسس الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في الشركة هذه الرؤى بالقول “إن تقنية هايبرلوب ليست ضرباً من الخيال العلمي، بل ستصبح واقعاً خلال السنوات الخمس المقبلة، ليتمكن الناس من اختبار لحظة تاريخية جديدة في عالم النقل، يقطعون معها مسافات طويلة بسرعة فائقة، حيث ستأخذكم الرحلة في هذه الوسيلة العصرية من دبي إلى أبوظبي في 15 دقيقة فقط. ومثلما شهد العالم في عام 1903 تغييراً أحدثه الأخوان رايت، حيث عملا من خلال اختبارات وبحوث إلى أن وصّلا العالم ببعضه عبر عالم الطيران، فإننا نعمل اليوم على اختبار هذه اللحظة، من خلال تكنولوجيا هايبرلوب، التي ستحدث فرقاً هائلاً في النقل البري، وقد بدأ فريق من الخبراء والمهندسين العمل لاختبار هذه التقنية في كاليفورنيا، حيث بنينا المضخات والأنابيب، وعملنا على بناء أنبوب ضخم لاختبار النظام، إضافة إلى دراسة ومعاينة بنية الأنبوب ووسائل الدفع، وسنقوم قريباً باختبارات سرعة في نيفادا”.

وتابع بامبروغان “لعل أهم ما أودّ ذكره عن هذه التكنولوجيا أنها ستؤمّن لكم رحلات سريعة من دون مطبات هوائية. ستحقق هذه التكنولوجيا تواصلاً عالمياً جديداً، ولكن ليس بنقل المعلومات بل بنقل الأفراد والبضائع، ولتتحقق هايبرلوب وتنتشر عالمياً خلال السنوات الخمس المقبلة، فعلى الحكومات أن تسنّ تشريعات وقوانين تناسب هذا النوع من النقل، فهذه وسيلة للدول الساعية إلى التطوّر، والناشطة في مجالات الابتكار للنمو وخدمة مواطنيها، كما يفيد الدعم الحكومي بخفض كلفة إنشاء هذه التكنولوجيا، ونحن نسعى إلى أن تكون تكنولوجيا هايبرلوب مجانية للجميع في الـ15 سنة المقبلة”.

قد يكون الفيبرانيوم مجرد تفصيل إجرائي في سياق حكاية اختراع علمي، ولكن جزئية السلامة والأمان في حزمة التقنية، ليست مسألة عابرة، بل إنها مفتاح تحقيقه، وتحوّله من مجرد فكرة خيالية إلى حقيقة واقعة.

14