رعب اللاجئين والتطرف يجتاح أوروبا

السبت 2016/05/07

باتت تهديدات “الإسلام المتطرف” تشكل حالة من الرعب اجتاحت أوروبا جنبا إلى جنب مع أزمة اللاجئين. ويجري الخلط، عن عمد، بين الحالتيْن، إذ تستحضر حقيقة أن معظم اللاجئين هم من المسلمين، إلى جانب التسليم بأنهم سوف يشكلون بيئة مناسبة لنمو التطرف، المتنامي أصلا حتى قبل وجود تلك “البيئة الحاضنة” كما توصف.

ليست حالة الخوف، والتخويف، من التهديد الإسلامي بجديدة على وسائل الإعلام الغربية. إذ انتشرت بقوة منذ ظهور المجاهدين في أفغانستان وسقوط الاتحاد السوفييتي، ومن ثم تنامي قاعدة المنظمات الإسلامية في دول الشرق الأوسط، ويشمل ذلك منظمات الإسلام السياسي مثل حماس وحزب الله، ولكن الأهم تنظيم القاعدة.

لم يكن يجري الكثير من التمييز بين تلك المنظمات كما هو الحال اليوم، حيث هنالك منظمات معتدلة وأخرى إرهابية. كان يتم تصويرها جميعا باعتبارها عناصر غريبة الأطوار، تسعى بشغف كبير إلى تدمير العالم القائم في الغرب وإقامة عالم بديل غير عقلاني، وممارسة عنف مروع على قاطنيه.

كانت تلك الفكرة حاضرة لكن بروز تنظيم داعش قبل عامين جعلها راسخة وممكنة التحقق. إذ ذهب التنظيم باثا الرعب حتى في رسائله الإعلامية المصورة، إلى أبعد حد في تجسيد عالمه الجديد المرعب، النقيض للعالم الغربي والإسلامي المعتدل على السواء. تحرر تنظيم داعش من قيود تنظيمات الإسلام السياسي التي عملت دوما على كبح جماح اللاعقلانية لديها، فوصل بالرعب الأوروبي إلى نهايته القصوى.

أحد أبرز علامات الرعب جاءت في إقرار البرلمان النمساوي قانونا من أكثر قوانين اللجوء تشددا في أوروبا، وذلك رغم انتقادات جماعات حقوقية وأحزاب معارضة. ويسمح القانون للحكومة بإعلان حالة الطوارئ لمواجهة تدفق المهاجرين، كما يتيح لها رفض معظم طالبي اللجوء حتى من دول تشهد نزاعات مثل سوريا.

ملف اللاجئين كان ملفا إنسانيا خلال السنوات الماضية، ولكن الرعب من "البيئة الحاضنة" انحدر بالجانب الإنساني والأخلاقي للاتحاد الأوروبي وجعله عرضة للمساومة

وقد أظهر تقرير صادر عن جهاز المخابرات الداخلية في النمسا زيادة كبيرة في عدد الحوادث المرتبطة بالخوف من الأجانب، ويضيف التقرير أن السلطات النمساوية وجهت اتهامات في نحو 1700 قضية لها علاقة بالتطرف اليميني العام الماضي، مقارنة مع 1200 قضية عام 2014. قبل ذلك كان الحدث الأبرز هو توقيع كل من تركيا والاتحاد الأوروبي اتفاقا يقضي بإعادة اللاجئين السوريين “غير الشرعيين” من أوروبا إلى تركيا، مقابل المزيد من التمويل والمحفزات الاقتصادية والسياسية التي تعهد بها الأوروبيون لفائدة أنقرة. وقد أدانت كل من الأمم المتحدة وجمعيات حقوقية ومنظمة العفو الدولية الاتفاق ووصفته بأنه “خطوة معيبة أخلاقيا وقانونيا” لأنه ينتهك معاهدة جنيف للاجئين.

لقد أصبح ملف اللاجئين، ضمن سياسات أوروبا، ملفا أمنيا قبل كل شيء. كان ملفا إنسانيا خلال السنوات الماضية، ولكن الرعب من “البيئة الحاضنة” انحدر بالجانب الإنساني والأخلاقي للاتحاد الأوروبي وجعله عرضة للمساومة كما لم يحدث من قبل.

تخشى أوروبا من أن وصول المزيد من اللاجئين سوف يزيد من مخاطر “الجهاديين الأوروبيين”. وقد برزت تلك القناعة من الاعتقاد بأن القادمين الجدد سوف يواجهون مشاكل جمة في ما يتعلق بالاندماج، وبأن حالات عدم الاندماج ستكون كبيرة نسبيا، وهو ما يزيد من تداعياتها السلبية على الأمد المتوسط والطويل.

وتخضع مسألة اندماج المسلمين لنقاش كبير في أوروبا في ظل تركيز اليمين الأوروبي على أن المسلمين لا يستطيعون الاندماج، وأنهم سيشكلون خطرا على القيم الأوروبية عاجلا أم آجلا. فيما يتحدث المناصرون للمسلمين عن التهميش بدلا من عدم الاندماج. الطرف الأول يحمّل الأشخاص مسؤولية عدم اندماجهم، أو بالأحرى يحمّل المجتمع الذي ينحدرون منه، والطرف الثاني يحمّل الدولة تلك المسؤولية.

ولكن الإجراءات المتشددة التي تتخذها الدول الأوروبية تجاه اللاجئين، تؤكد اعتقادها بأن ما يولد الجهاديين الأوروبيين لا يتعلق بمشاكل لدى أفراد غير أسوياء أو غير مندمجين، كما تتحدث علنا، بل بمشكلة لدى شريحة معينة من البشر، ولذلك فالأفضل هو منع قدوم تلك الشريحة.

يلخّص الباحث الفرنسي أوليفيه روا، المتخصص في دراسة الحركات الإسلامية، أسباب ما يسمّيه موجة “الإسلاموية” في مجموعة من الحقائق الاقتصادية والاجتماعية، فيقول إنها لا تزال قائمة ولا يبدو أنها مقبلة على الزوال: البؤس، الاقتلاع، أزمة القيم والهويات، انحلال النظم التربوية، مشكلة اندماج المهاجرين في المجتمعات التي يقيمون فيها، والمواجهة بين الشمال والجنوب. كل ذلك يولد “الاحتجاج الإسلاموي” بحسب روا، ويمكننا أن نضيف إليه هشاشة الدولة الوطنية وفشل النماذج المحققة خلال العقود الماضية وبخاصة النماذج القومية واليسارية. وفي جميع الأحوال، تبقى مشكلة “الاندماج” تفصيلا صغيرا وحلقة واحدة ضمن سلسلة طويلة، يبدو أن الاتحاد الأوروبي يتجنّب الدخول في تعقيداتها.

كاتب فلسطيني سوري

8