تيليغرام يتحدى الإرهاب وإيران والمنافسين في الآن ذاته

إسطنبول - احتفى مستخدمو تطبيق تيليغرام للتراسل الفوري، قبل أيام بالتحديث الأخير رقم الإصدار 3.7 الذي أطلقته هذه الخدمة على نظامي أندرويد وآيوس والذي قدم للمستخدمين مزايا جديدة، كان أبرزها تلك الخاصة بالمجموعات الخارقة.
حيث بات بإمكان أصحاب المجموعات زيادة الحد الأعلى لها من 1000 عضو إلى 5000 عضو. وفضلاً عن موضوع زيادة العدد والتي تمكّن المستخدمين من إنشاء مجتمعات تفاعلية أكبر، فإن سرّ الحفاوة بهذه الميزات الجديدة للمجموعات الخارقة، ربما يرجع إلى أنها تمكّن الأعضاء والمدراء على حد سواء من التفاعل مع المحتوى بطريقة أكثر سلاسة من ذي قبل.
ومع إعلان تيليغرام قبل عدة أسابيع عن وصول عدد مستخدميه إلى 100 مليون مستخدم نشط شهرياً، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 60 بالمئة خلال تسعة أشهر فقط، فإن السؤال الذي يخامر الكثيرين ممن يستخدمون تطبيقات تراسل فوري أخرى، كان ولايزال يدور حول سر احتفاء المستخدمين بتيليغرام رغم أنه لا يزال وحتى اللحظة لاعباً ثانياً في هذا السوق الذي يشهد حالة تنافسية عالية. فالكثير من الخدمات التي يقدمها التطبيق متوفرة عند واتس آب الذي يعتبر اللاعب الأبرز في هذا المجال. فهل تأتي قوة تيليغرام من زيادة حزمة الخدمات التي يقدمها، رغم أنها متوفرة لديه كما لدى غيره؟ أم أن هناك سبباً أخر لانتشار تيليغرام المطّرد بهذا الشكل؟
أسرار تيليغرام
منذ أن أطلق الأخوان الروسيان نيكولاي وبافل دوروف تيليغرام في شهر أغسطس في العام 2013 بدا للمهتمين أن عالم تطبيقات التراسل الفوري قد دخل في مرحلة ستشهد رفعاً لسقف المنافسة. ولكن ما اعتقده الكثيرون من أن قوام هذا السباق سيتركز على زيادة حزمة الخدمات، تلاشى مع المرتكزات الأولى التي تمّ من خلالها إطلاق التطبيق.
لقد صدم الجميع حينما أعلن المؤسسان من أن مشروعهما لن يكون ربحياً، وأن التركيز في عمله سيكون على الخصوصية والسرعة، بالإضافة إلى البساطة، وجعله قابلاً للاستخدام على كافة الأجهزة الخاصة بالمستخدم (الجوال، التابلت، الكومبيوترات) في نفس الوقت، مع قدرة كبيرة على التزامن بينها بيسر وسلاسة.
السؤال الذي يخامر الكثيرين ممن يستخدمون تطبيقات تراسل فوري أخرى يدور حول سر احتفاء المستخدمين بـتيليغرام رغم أنه لازال وحتى اللحظة لاعبا ثانيا في هذا السوق الذي يشهد حالة تنافسية عالية
وبالإضافة إلى ما سبق فقد جرى تقديم المشروع بطريقة مختلفة عن كل ما يشبهه فتيليغرام لا ينتمي لأيّ دولة بشكل خاص. بل هو وبحسب صانعيه مشروع عالمي غير تجاري يقدمه مشاركان من كافة أنحاء العالم، ضمن هدف وحيد هو “السماح لكل شخص بأن يستعيد حقه في الخصوصية”. وضمن هذا السياق يقدم المشروع نفسه بالإعلان عن بناء خدمة مجانية وغير تجارية للوصول لهذا الهدف. فخوادم تيليغرام، (الشركات والأشخاص) منتشرون حول العالم، رغم أن المقر الرئيسي يقع في برلين.
وللوصول إلى هذه الغاية تكفل بافل دوروف بدعم تيليغرام مالياً وفكرياً فيما قام نيكولاي بتطوير بروتوكول فريد ومخصص، مفتوح المصدر، آمن، ومخصص للعمل مع عدة خوادم في وقت واحد. وضمن هذه الحيثيات فقد وصف أصحاب المشروع منتجهم بأنه يجمع بين “الأمان، الصلابة، والسرعة على أيّ شبكة”.
كيف يعمل تيليغرام
تقول الوقائع التي ترتّبت من خلالها عملية تأسيس المشروع بأن بافل دوروف قام بالاتفاق مع فريق كامل مكون من ستة متخصصين، ثلاثة منهم يحملون درجة الدكتوراه الروسية بالرياضيات والتشفير ليقوم الفريق بتصميم بروتوكول جديد بإسم “أم تي بروتو” وهو بروتوكول خاص يجمع بين التشفير العالي الذي يستعمل خوارزميات تشفير من نوع “إيه أي أس″، بطول 256 بيت، وتشفير 2048 آر أس إيه ومفتاح تبادل من نوع ديفلين هيلمن، وبين السرعة بنقل البيانات المشفرة والاستقرار في الأداء، وقد أخذ تصميم هذا البروتوكول مفتوح المصدر مدة سنتين حتى تمّ الثبات عليه.
مراجعة الخبراء في أمن المعلومات للطريقة التي بني تيليغرام ليعمل من خلالها توضح بأن قدرته على تكوين ستار حصين جداً للمحادثات الشخصية أعلى بكثير من التطبيقات المشابهة.
ورغم أن المخاوف التي يشير إليها الخبراء من أن بيانات المستخدمين قد تبقى مشفّرة في خوادم شركة تيليغرام ذاتها، وأن خبراء الشركة يمكنهم فكّ تشفيرها حينما يريدون ذلك، إلا أن القائمين على المشروع لم يغفلوا عن تقديم إجابة وطريقة تطمئن المستخدمين والخبراء عليها.
|
احتوى التطبيق ميزة المحادثة السرية، حيث يقوم هنا بربط جهازين مع بعضهما بمفتاح تشفير (عام وخاص) ليصبح تبادل المحادثات مباشراً بينهما فقط، ودون تخزين أيّ شيء بخادم الشركة. وحتى لو تمّ تخزينه فهو مشفر ولا يمكن فكه لأنّه يحتاج الى المفتاح الخاص والذي لا يتواجد إلا بجهاز المستخدمين فقط. كما أتاح التطبيق لمستخدمي هذه الميزة عنصراً إضافياً هو إمكانية التدمير الذاتي للمحادثات خلال وقت محدد يتمّ تحديده مسبقاً، حيث يتمّ حذف ما يكتبه المستخدمان من جهازيهما بعد مرور الوقت المحدد والذي يبدأ بثانيتين وحتى أسبوع كامل.
ميزات خارقة
التحديات التي فرضها ظهور تيليغرام بميزاته الخارقة هذه، جاءت على عدة مستويات، تبدأ من بنيته التقنية، وتمر بالتحديات الأمنية التي جعلته تحت أنظار الحكومات، وصولاً إلى التنافسية بوصفها الفضاء الذي يتمّ فيه حسم النتائج بين النجاح أو الفشل.
وفي التحدي الخاص بالبنية التقنية نقرأ في غير مكان عن تشكيك علماء التشفير الأميركيين في البداية بحقيقة قدرات تيليغرام. ولكن التجاذب العلمي بين هؤلاء وبين نظرائهم في فريق الشركة جعل الكثيرين منهم يعيدون النظر بطروحاتهم لصالح قدرة التطبيق على إثبات ما وضعه هدفاً له.
وضمن هذا الاتجاه تحدى فريق الرياضيات في المشروع وبشكل علني وعام أياً من الخبراء في القدرة على كسر تشفير التطبيق على أن تكون جائزة من يستطيع فعل ذلك مبلغاً ضخماً (300 ألف دولار)، وتقول الأخبار إن ثلاثة خبراء تشفير روس قاموا باكتشاف بعض نقاط الضعف في تطبيق التشفير وحصلوا على 100 ألف دولار مقابل اكتشافهم، بينما قام فريق تيليغرام بإصلاح الثغرات خلال ساعات فقط من اكتشافها.
زمن داعش
في بداية العام 2015 أعلن دافيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، عن عزمه حظر جميع تطبيقات المحادثات الفورية التي تقدم خدمة التراسل المشفر بين المستخدمين ببلاده، مشدداً على ضرورة التوقف عن استخدام أساليب التواصل التي لا يمكن للسلطات الأمنية أن تقرأ الرسائل الواردة فيها حتى إذا كانت تملك مذكرة قضائية يمنحها الحق في ذلك. ومنها تطبيقات المحادثات التي تشفّر رسائل مستخدميها.
قال كاميرون في كلمة على هامش مسيرة التنديد بالإرهاب الذي ضرب العاصمة الفرنسية باريس “هل يجب أن نسمح لوسائل التواصل التي لا يمكن لنا قراءة رسائلها؟ إجابتي لهذا السؤال ستكون لا، يجب ألا نسمح بها”.
تواجه الأجهزة الأمنية العالمية صعوبة في اختراق خصوصية تطبيق تيليغرام، ولهذا فإن مشغلي التطبيق وجدوا أنفسهم مضطرين لإغلاق العشرات من المجموعات التي قيل إن عناصر من داعش كانوا يستخدمونها للتواصل في ما بينهم
تحذيرات كاميرون يمكن اعتبارها تلخيصاً لسلسلة من الحوادث التي كانت وما تزال تشغل الشركات التي تقدم خدمات التراسل المباشر، وبينما يسهل اختراق هذه الخدمات من قبل الأجهزة الأمنية في تطبيقات مثل واتس آب. تواجه هذه الأجهزة صعوبة في تطبيقات أخرى يمثّلها تيليغرام، ولهذا فإن مشغّلي التطبيق وجدوا أنفسهم مضطرين لإغلاق العشرات من المجموعات التي قيل إن عناصر من داعش كانوا يستخدمونها للتواصل فيما بينهم، ولكن مسألة الرقابة التي تفرضها الحكومات على خدمات التراسل الفوري والتي تصل إلى مرحلة التجسس على خصوصيات الأفراد قد لا تتعلق فقط بقضايا الإرهاب، بل تتعداها لتكون متابعةً بليدة لقضايا أقل أهمية بكثير.
واجه تيليغرام هذا النمط من الرقابة في إيران التي أظهرت الإحصاءات أن ربع سكانها يستخدمونه، حيث أعلنت السلطات أنه في نهاية العام 2015 تم القبض على 170 شخصاً بسبب مشاركتهم لملفات غير أخلاقية ومخلّة بالآداب على هذه الخدمة. ما جعل بافل دوروف يغرّد على موقع تويتر قائلاً بأن السلطات الإيرانية أبدت قلقها من هذه الخدمة التي لا تسمح لها بالمراقبة والرقابة وعدم الاختراق.
ولكن الجدل بين المسؤولين الإيرانيين ودوروف لم ينته عند هذا الحد، حيث جرى التهديد بإمكانية حجب الخدمة في إيران إن لم يمتثل تيليغرام للقواعد التي تفرضها السلطات الايرانية، بينما رد دوروف بأن شركته رفضت تزويد هذه السلطات بالأجهزة التي طلبتها من أجل القيام بالتجسّس والرقابة على المستخدمين.
واتس آب ـ تيليغرام
غالباً ما يسأل القادمون إلى عالم تطبيقات التراسل الفوري عن الأفضلية بين تطبيقي واتس آب وتيليغرام، وكإجابة على هذا السؤال يقدم الخبراء الميزات الخاصة بكل منهما، ولكن مع مقدمة توضح بأن حاجات المستخدم هي التي تحدد أيّا من الخيارين أفضل. ولكن ثمة نقطة قد تبدو غائبة عن عيون الكثيرين تتعلق بكون المقارنة تجري بين جهة تجارية هي واتس آب وجهة غير ربحية هي تيليغرام، وبالتالي فإن ما يكسبه الأخير من مجمل المستخدمين هو ربح صاف غير مرتبط بالتكاليف التي يغطّيها مؤسسو المشروع.
وقد كان من اللافت فعلاً أن فئات كبيرة من المستخدمين قررت ترك واتس آب في بداية العام 2014 عقب إعلان فيسبوك عن صفقة شراء واتس آب بمقابل قد يصل إلى 19 مليار دولار أميركي.
|
أظهرت تعليقاتُ عدد من المستخدمين الجدد للتطبيق على متجر جوجل بلاي، أنهم اختاروا تيليغرام كبديل لتطبيق واتس آب عقب علمهم بصفقة استحواذ فيسبوك عليه. وقد أرجع المتابعون هذا التحول إلى تزايد مخاوف مستخدمي واتس آب من انعدام الخصوصية عقب انتقال خدمة التراسل الفوري للعمل تحت إدارة فيسبوك، وذلك بسبب السمعة غير الجيدة التي تحظى بها الشبكة الاجتماعية في هذا الشأن، رغم تأكيدات مدراء فيسبوك من أن الشركة لن تطلب أيّ معلومات خاصة عن المستخدمين غير تلك التي وفّروها عند تسجيل حساباتهم أول مرة.
ولكن حالة التنافس بين التطبيقين انتهت في نهاية المطاف إلى حالة عدائية بدأها واتس آب بحظر أي شيء يخص تيليغرام. حيث يتعامل مع الرسائل أو الروابط الخاصة به بما يشبه التعامل مع البرمجيات الخبيثة أو غير المرغوب فيها، وذلك أن أيّ رسالة فيها رابط يتضمن تيليغرام، كاسم نطاق، لن يكون بالمقدور نسخها أو تحويلها أو فتحها باستخدام المتصفح.
واندلعت في نهاية العام الماضي حرب كلامية بين مؤسس واتس آب جان كوم ومؤسس تطبيق تيليغرام بافل دوروف على تويتر (راجع صحيفة العرب، العدد: 10134، 2015/12/21) بدأها المتخصص في الحماية الإلكترونية توماس بتاتشيك بتغريدة على تويتر يتهم تيليغرام بتخزين رسائل المستخدم على خوادمه. ليرد عليه مدير الشركة التنفيذي بافل دوروف بنفي هذا الأمر قائلاً إن الشركة “لا تخزن الرسائل على خوادمها وتقوم بحذف رسائل المستخدمين نهائيا بعد حذفها”.
بافل دوروف الهارب من روسيا
يلقب بافل دوروف مؤسس تطبيق تيليغرام، بلقب (مارك زوكربيرج الروسي) حيث أسس شبكة التواصل الاجتماعي “في كونتاكت” في العام 2006 والتي اعتبرت المنافس الروسي لشبكة فيسبوك. ولكنه اضطر للهرب من روسيا في عام 2014 بعد أن رفض الانصياع لطلبات الاستخبارات الروسية بتقديم بيانات خاصة بمستخدمين أوكرانيين على موقع “في كونتاكت”.
يهتم دوروف بالخصوصية ويعتبر فقدانها أكثر خطراً من تهديد الإرهاب، وقد أفاد في حوار له مع سي إن إن بأن احتمالية موت الفرد بسبب حادث إرهابي يصل إلى الصفر تقريباً بالقياس مع خرق الخصوصية.
كان ظهور تقارير تفيد بأن داعش يستخدم تطبيق تيليغرام، سبباً في رضوخ دوروف وإغلاقه 78 قناة للتنظيم، بعد أن رفض ذلك بحجة الخصوصية.
وأوضح دوروف أن “سياسات فرنسا وإهمالها تسبّبا في أحداث باريس بسبب الضرائب الباهظة التي تجمعها الدولة وتنفقها على شن حروب لا فائدة منها. يشعر دوروف أن العالم كله وطنه، ولا يشعر بالأسى لتركه روسيا، كما لا ينوي العودة إليها بشكل دائم في المستقبل”.