سعدالدين إبراهيم: التفاهم بين واشنطن والإخوان لن يدوم طويلا

القاهرة – يرى سعدالدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر، أن العلاقات بين الإخوان والإدارة الأميركية قد تدخل مرحلة جديدة من التوتر خلال الفترة المقبلة، على خلفية مشروع القانون الذي أعدّته اللجنة القضائية بالكونغرس ويوصي باعتبار الجماعة تنظيما إرهابيا.
وقال إبراهيم، في حوار مع “العرب”، إن القانون في حال إقراره من مجلس النواب الأميركي، كما هو متوقع، سيمثّل ضربة جديدة للجماعة، وسيزيد الانشقاقات داخلها، ويدفع بكثير من كوادرها نحو التنظيمات المتطرفة.
وكانت اللجنة القضائية بالكونغرس الأميركي، ذات الغالبية الجمهورية، قد وافقت بـ17 صوتا مقابل 10 على مشروع قانون مقدم من “ماريو دياز بالارت” النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا باعتبار الجماعة تهديدا عالميا، بحسب وصفه.
ومع أن القانون لم يعرض حتى الآن على الجلسة العامة لمجلس النواب، إلا أن إبراهيم قال إنه من المنتظر أن يحصل على موافقة الكونغرس، لأن هناك “شبه توافق بين الحزبين الرئيسيين على مضمونه لما تحظى به اللجنة القضائية المختصة بشؤون الإرهاب من مصداقية لدى الشارع الأميركي ودوائر صنع القرار”.
وإقرار القانون الجديد، في حال تمت المصادقة عليه، سيكون له تبعات على العلاقات بين واشنطن وجماعة الإخوان من جهة، وعلى مستقبل الجماعة نفسها وتنظيمها الدولي من جهة أخرى، وعلى شكل علاقتها بالنظام المصري من جهة ثالثة، وهو ما انعكس في تهديدات مسؤولين من الصف الثاني بالجماعة للحكومة الأميركية.
وقد حذّر قطب العربي القيادي الإخواني المقيم في تركيا، من أن تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية سيدفع الكثير من شبابها للحاق بجماعات مسلحة ولن تكون الجماعة قادرة على لجمهم، ما يشكل خطرا على السلام العالمي وعلى المصالح الأميركية نفسها.
من الوفاق إلى العداء
سعدالدين إبراهيم، الذي يشتهر في أوساط السياسة المصرية بأنه “عرّاب العلاقة بين الإخوان وواشنطن” منذ نجاحه عام 2003 في ترتيب لقاء بين دبلوماسيين غربيين ووفد من الجماعة بمقر النادي السويسري بالجيزة القريبة من القاهرة، يؤيد فكرة أن مجرد فكرة إقرار قانون أميركي يصنف جماعة الأغخوان تنظيما إرهابيا سيحوّل علاقة التفاهم الحالية بين الإخوان وواشنطن إلى عداء معلن.
مشروع القانون الأميركي باعتبار الجماعة تنظيما إرهابيا، في حال إقراره من مجلس النواب الأميركي، سيمثل ضربة جديدة للجماعة وسيزيد الانشقاقات داخلها
ومبررات ابراهيم لهذا التحول في العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والولايات المتحدة هي أن القانون سوف يضيّق الخناق على الإخوان ويحجّم أنشطتهم بالخارج، خاصة أنه يأتي بعد قرارات مشابهة من عدة دول أوروبية، الأمر الذي يضع التنظيم الدولي للجماعة في مأزق كبير. ولو تمت بالفعل المصادقة على القانون، فيجعل مستقبلها بالكامل على المحك؛ فأي شخص على صلة بالجماعة سيمنع من دخول الولايات المتحدة، وأعضاء الجماعة المقيمون في أميركا والذين يقدمون الدعم المادي للتنظيم سيواجهون المحاكمة بموجب قانون العقوبات الجنائية الاتحادية.
وستقوم وزارة المالية الأميركية بمطالبة المؤسسات التي تمتلكها الولايات المتحدة بمصادرة أيّ أصول تابعة لجماعة الإخوان لمنع أيّ معاملات مالية تشمل هذه الأصول.
إجمالا فإن القانون، كما يرى إبراهيم، سيعمّق أزمات الجماعة ويزيد حجم الانشقاقات داخلها، وقد يؤدي إلى انخراط عناصر جديدة من شبابها في صفوف جماعات العنف والإرهاب بشكل رسمي.
ومن المتوقّع أن الموقف الأميركي من الإخوان سوف يضاعف من قوة موقف الحكومة المصرية ويقدم دعما معنويا كبيرا لنظام السيسي في حربه المستمرة منذ نحو عامين ونصف العام ضد الجماعة والإرهاب الذي تسببه، لكن المفاجأة أن إبراهيم يرجّح ألا يستفيد النظام المصري من ذلك، وإنما على العكس رجّح أن تنتهي حالة الاحتقان المتبادل بين الطرفين، وتتحقق المصالحة بعد سنوات قليلة.
وتوقع أستاذ علم الاجتماع السياسي ألا يوقّع السيسي على أحكام الإعدام الصادرة بحق عشرات من قيادات الإخوان وقد يلجأ لإطلاق مبادرة صلح شاملة، لكن في العام الأخير من حكمه .
الحديث عن جماعات الإسلام السياسي وامتداداتها المتطرفة والإرهابية، قاد لسؤال سعدالدين إبراهيم عن رؤيته لتنظيم داعش والخطر الذي يمثله، ومستقبله في أيّ ترسيم سياسي قادم للمنطقة، فردّ بأن تنظيم داعش سوف يختفي خلال حوالي عامين، لكن ذلك لا يعني القضاء على الإرهاب، وإنما ظهور تنظيمات جديدة لأن فكرة المظلومية التي تعتبر المصدر الأساسي لنشوء جماعات الإرهاب تنتشر في الكثير من دول العالم، حيث أن الشعور بها يقود إلى الاحتجاج ثم العنف ومنه إلى ممارسة الإرهاب المنظم.
الإخوان تنظيم أقوى بكثير من داعش، خاصة أنه منتشر في أكثر من 50 دولة، ويتمتع بنفوذ سياسي وشعبي كبير، لكن داعش يبقى أكثر توحشا من أيّ تنظيم آخر
واعتبر إبراهيم جماعة الإخوان تنظيما أقوى بكثير من داعش، خاصة أنه منتشر في أكثر من 50 دولة، ويتمتع بنفوذ سياسي وشعبي كبير، لكن داعش يبقى أكثر توحشا من أيّ تنظيم آخر.
الانتخابات الأميركية
حول رؤيته للانتخابات الرئاسية الأميركية أكد سعدالدين إبراهيم أن هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي تعتبر الأوفر حظا، دون تجاهل حظوظ دونالد ترامب الذي يسعى للترشح عن الحزب الجمهور. وحذّر من أن وصول ترامب للسلطة سيعني سياسة أميركية أكثر عنفا في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، مذكّرا بأن التدخل العسكري الأميركي في المنطقة وقع في عهد رئيسين جمهوريين مثلما حدث في عهد جورج بوش الأب، وبوش الابن خلال حرب الخليج الأولى وحرب العراق.
وحول رؤيته للصراع المذهبي بالمنطقة أكد رئيس مركز ابن خلدون أن الخلافات الحالية بين طهران وبعض العواصم العربية لا يمكن أن تصل لمرحلة التدخلات والمواجهات العسكرية. وقلل من أهمية قرار البرلمان الأوروبي بفرض حظر على بيع الأسلحة للسعودية، مشيرا إلى أن كل دولة بالاتحاد الأوروبي لها سياستها المستقلة والقرار استرشادي غير ملزم.
وختم أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة حواره معلنا عن قيادته لمبادرة شعبية لإنهاء التوتر بين مصر وتركيا متوقعا أن تشهد العلاقات بين البلدين تحسنا خلال الفترة المقبلة، في ظل رغبة مثقفي البلدين في إنهاء التوتر، كما توقع أن تشهد العلاقات بين القاهرة والدوحة تحسّنا في المدى المنظور، بعد أن طلبت الدوحة من عدد من قيادات الإخوان مغادرة أراضيها.