الطيب والشرس والقبيح

الأحد 2015/12/27

ونحن نواكب عن كثب ما يحصل في الدوري الإنكليزي الممتاز، فإن أهم ما يمكن الخروج به من ملاحظات في الوقت الراهن هو تألق الفريق المغمور ليستر سيتي صاحب الريادة عن جدارة.

ومع ذلك يبدو الأكثر مدعاة للاهتمام هو حركة تغيير المدربين الذين أصبح بعضهم على صفيح ساخن وخاصة لدى الفرق الكبرى التي دأبت على لعب الأدوار الأولى، غير أن التألق المدهش وغير المتوقع لنادي ليستر سيتي جعل الضغوطات تكون مسلطة بشكل واضح ومؤثر في مسيرة عدد من الفرق المرشحة دوما للمراهنة على الألقاب.

الأمر يخص تشيلسي بدرجة أولى، حيث كان أول الفرق الكبرى التي تردع مدربها مورينيو وتقيله من منصبه، وكذلك ليفربول الذي أقال قبل ذلك مدربه بريندان رودغرز وعيّن يورغن كلوب بدلا منه، الأمر ذاته يهم كذلك مانشستر يونايتد الذي بدأ فعلا في البحث عن خليفة مفترض لمدربه لويس فان غال، وقد تشمل القائمة أيضا مدرب مانشستر سيتي خلال نهاية الموسم الحالي، لكن في الصورة بقي “أسطورة” أرسنال أرسين فينغر بعيدا عن كل الشبهات والتهديدات بالتنحية والإقالة مهما كانت النتيجة والحال أنه يبدو أكثر المرشحين حاليا لمنافسة ليستر سيتي وانتزاع الصدارة منه في القريب العاجل.

هذا المشهد المتقلب والمثير في بعض تفاصيله يذكرنا بقصة فيلم قديم أثار ضجة كبيرة وحقق نجاحا ساحقا في حقبة الستينات، هو فيلم “الطيب والشرس والقبيح”، فهذا المنتوج السينمائي يتحدث عن قصة ثلاثة أشخاص فرقتهم الطباع والملامح، لكن جمعهم البحث عن كنز مفقود وثروة من الذهب مدفونة في مكان قصيّ، انطلقت بينهم معركة وسباق مرهق من أجل الوصول إلى الكنز، وفي نهاية المطاف فاز به من كان أكثرهم ذكاء وحنكة.

ما حصل في هذا الفيلم قد ينطبق على شخوص وأبطال الدوري الإنكليزي، فالسباق بين المدربين يبدو محتدما وشديدا للغاية، والغلبة في نهاية المطاف ستكون بلا شك للأكثر صبرا ودهاء وخبرة بفنون “المعارك والقتال”.

شخصيات هذا الفيلم تشبه كثيرا ما يحصل لكل من فينغر مدرب أرسنال وفان غال مدرب مانشستر يونايتد ومورينيو المدرب السابق لتشيلسي، وواقع الحال في الترتيب العام للدوري الممتاز يشير إلى أن فينغر يشبه في بعض التفاصيل شخصية “الطيب”، في حين يشبه فان غال كثيرا شخصية “القبيح”، أما مورينيو فهو ذلك “الشرس” أو الشرير الذي لقي حتفه في الفيلم قبل الوصول إلى مكان الكنز بلحظات.

فما يحصل حاليا من تقلبات ونتائج تخدم بشكل واضح مصلحة فينغر الذي يتحلى عادة بالهدوء ولا يفكر البتة في حصول الإقالة والقطيعة بينه وبين أرسنال بعد علاقة مستمرة منذ حوالي ربع قرن، فينغر يوشك على الوصول إلى الكنز والحصول على اللقب الذي انتظره طويلا وغاب عنه منذ أكثر من عشر سنوات، والترتيب الذي يحتله أرسنال حاليا مقارنة ببقية الفرق قد يعبّد له الطريق في نهاية المشوار للظفر بالكنز الغالي والثروة الموعودة.

أما فان غال الذي تقمص دور “القبيح”، فإن ملامحه توحي بالشدة والغلظة فهو قليل الابتسام كثير النرفزة والشرود، وتصرفاته وردود أفعاله غالبا ما توحي بأنه صاحب القلب المتحجر، كما أن علاقته بأغلب المحيطين بالنادي يسودها التوتر والفتور، ولا يستبعد أن تتم إقالته في صورة تواصل مسلسل الإخفاقات والنتائج السلبية التي أبعدت الفريق عن كوكبة الصدارة، وبالتالي قد يخسر رهانه ويبتعد كليا عن السباق المتوهج والمحتدم من أجل الوصول إلى الكنز المفقود.

شخصية “الشرس”، ربما لا تنطبق إلاّ على مورينيو المدرب السابق لنادي تشيلسي، فمورينيو كثيرا ما دخل في صدام “ناري” مع فينغر وكان لا يتورع عن “افتعال” المشاكل سواء مع غريمه فينغر أو أطراف أخرى، مورينيو “الشرير” أصابته لعنة الكنز الذي فاز به الموسم الماضي، فلم يقدر هذا الموسم على إكمال المهمّة إلى النهاية، حيث تمت إقالته قبل انتصاف الطريق، وكما كانت نهاية “الشرس” في الفيلم الشهير، جاءت نهاية مورينيو مع تشليسي حزينة و”قاتلة”.

وبذلك يبقى الرهان حاليا والتنافس قويا بين فينغر وفان غال الذي قد يغادر وينسحب من السباق إلى الكنز بسبب كثرة عثراته و”حماقاته”، ويترك بالتالي فينغر مدرب الأرسنال وحيدا في السباق.

ومع ذلك من يدري، فقد يوجد لهذا الفيلم خاتمة أخرى ويضطر فينغر إلى منافسة شخوص وأبطال جدد، فمن كان يعتقد ولو للحظة أن “الحكيم” كلاوديو رانييري مدرب ليستر سيتي سيكون قادرا على قيادة فريق مغمور للإطاحة بعدة منافسين ويتربع إلى اليوم على العرش ويتسيّد السباق المحتدم؟

ربما أيضا ينفض المدرب “الشغوف” بيليغريني الغبار عن مانشستر سيتي ويقوده بفضل قوة “جيشه” إلى هزم الجميع، ويكون بذلك بطلا غير منتظر في نهاية هذا الفيلم، أي فيلم الدوري الإنكليزي الذي يثير الدهشة والإعجاب تماما مثل فيلم المخرج الإيطالي سيرجيو ليون.

كاتب صحفي تونسي

23