فاردي عامل المصانع صانع المعجزات

الأحد 2015/12/20

هي قصة أشبه بحكايات الأساطير والأفلام الهوليوودية في تفاصيلها العجيبة والغريبة، هي قصة تم التفكير فعلا في كتابتها للسينما وإخراجها في فيلم من بطولة النجم العالمي ليوناردو دي كابريو.

هكذا ودون إطالة تبدو قصة ومسيرة أحد أفضل نجوم الدوري الإنكليزي هذا الموسم، وهدافه الأول إلى حد الآن، إنه جيمي فاردي هداف نادي ليستر سيتي الذي تحول بسرعة البرق من لاعب مغمور إلى نجم مشهور.

تفاصيل حكاية هذا اللاعب أشبه بالخيال في عدة جزئيات ومراحل من مسيرته الرياضية وحياته الشخصية، وكل من يعرف فاردي قبل موسمين عن كثب لن يصدق ما حدث في حياة هذا اللاعب من انقلاب جوهري رائع وأسطوري.

ففاردي بات حديث الجميع سواء في إنكلترا أو خارجها، وأصبح اليوم أمل المنتخب الإنكليزي في بطولة أمم أوروبا 2016 وملهم ليستر سيتي، هذا الفريق الصغير الذي تخطى الحدود وكسر القيود وأمسى منافسا عنيدا ومتراهنا عتيدا على لقب الدوري الإنكليزي الممتاز، والدليل على ذلك وجوده متفردا على كرسي الصدارة متقدما على كل الفرق القوية والعريقة التقليدية.

هذه التفاصيل المثيرة والعجيبة تعود إلى مراحل المراهقة في حياة فاردي، وبداياته الكروية اقترنت بحدث غريب كاد ينهي مسيرته قبل أن تبدأ، حيث لم يجد حظه مع نادي شيفيلد وينزداي الذي استغنى عنه بسرعة، فقرر فاردي العجيب اعتزال اللعب نهائيا ليتوجه للعمل، وتحديدا في مصنع لإنتاج الفحم.

اشتغل هناك لمدة ناهزت ثمانية أشهر، قبل أن يتغيّر مساره من جديد ويعود للملاعب من بوابة فريق ستوك برديج المغمور.

لقد كان فاردي ذلك الولد سيء السمعة واللاعب المتهور في الدرجات السفلى مع فرق الهواة، هواياته كانت إثارة المشاكل والشغب، وكم من مرّة تشاجر مع أترابه سواء في الملعب أو خارجه، وفي إحدى المرات ضرب أحد أترابه في ملهى ليلي وهو في سن العشرين ليتعرض إلى عقوبة قاسية وفريدة من نوعها، وهي حرمانه من التجوال بعد السادسة مساء.

كان يلعب في فريق من الدرجة الخامسة، وفي ذلك السن كان فاردي العجيب يجبر على لعب المباريات إلى حدود السادسة مساء، وفي أحيان عدة لا ينهي المباراة حتى يتمكن من العودة إلى منزله بسرعة ولا يتعرض للعقوبة.

هذه المسيرة المتقلبة والعصيبة استمرت لسنوات عديدة انتقل خلالها من فريق إلى آخر، إذ لم يغادر الدرجات السفلى، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان فهذا اللاعب انفجر وبات يسجل مع نادي فيلتوود تاون الهدف تلو الآخر ليبلغ رصيده في موسم واحد 31 هدفا في 36 مباراة.

هذا التألق غير المنتظر فتح له بابا لم يكن يوما يحلم بأن يطرقه، إذ انتقل إلى نادي ليستر سيتي الذي ينشط ضمن الدرجة الأولى وينافس من أجل الصعود إلى الدرجة الممتازة، وبالتالي اللعب مع الكبار، غير أن فاردي كاد يلفه النسيان، حيث لم يتعود على أجواء الفرق المحترفة وكان موسمه الأول مخيّبا وفاشلا.

في الموسم الثاني انفجر هذا اللاعب العجيب من جديد وساهم بشكل واضح في صعود فريقه إلى الدرجة الممتازة، وهنا انطلقت ملحمة النجومية والشهرة والإبداع.

وفي الموسم الحالي يبدو الأمر الأكثر طرافة في مسيرة جيمي فاردي فقد طرق باب الشهرة والنجومية في سن الثامنة والعشرين، أي نعم، فهذا الهداف، الفذ الذي كان مجرد لاعب مغمور في الأقسام السفلى قبل أن تفتح أمامه أبواب المجد على مصراعيها، افتك النجومية من الجميع، حتى من فريقه الذي أبهر الكل وقهر أغلب الفرق واحتل الصدارة.

لقد أبدع الفتى سيء السمعة عامل المصنع، وبات الهداف الأول في الدوري الإنكليزي الممتاز برصيد 15 هدفا من 16 مباراة قادته إلى القمة وجعلته حديث الجميع وملهم كل متابعي هذا الدوري.

فاردي ملأ الدنيا بتألقه غير المنتظر إلى درجة أن أحد المؤلفين أكد أنه يفكر جديا في تحويل قصة فاردي إلى فيلم سينمائي، والأمر وصل إلى أبعد من ذلك، حيث قررت مجموعة من أحباء فريقه ليستر سيتي في بدء عملية تبرع من أجل نحت تمثال خاص بهذا اللاعب، يتم وضعه في مدخل الملعب الرئيسي للنادي.

هو إبداع خالص وإعجاز غير منتظر من هذا اللاعب الذي لم يكن يحلم يوما بأن يحقق في ظرف ثلاثة أشهر فقط ما عجز عن تحقيق لأكثر من 12 سنة، ففاردي العجيب حطم رقما قياسيا يصعب مرة أخرى تحطيمه، وهو التسجيل بصفة مسترسلة في 11 مباراة ضمن الدوري الممتاز، وكل هذه الإنجازات فتحت أمامه الباب لتعزيز صفوف المنتخب الإنكليزي، حيث ينتظر أن يشارك في بطولة أمم أوروبا، وربما ينجح في تحقيق معجزات جديدة.

كاتب صحفي تونسي

23