الدور المحتمل للتحالف الإسلامي في سوريا
لا يكتسب التحالف الإسلامي الجديد لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية أهميته من القائمة الطويلة للدول التي تشارك فيه، والتي يبلغ عددها 35 دولة، وإنما من أمرين اثنين، يتعلق أولهما بذوبان الصقيع الذي طبع العلاقات بين تركيا ودول خليجية على رأسها السعودية وانفتاح أفق تعاون خليجي – تركي في الملف السوري، بالإضافة إلى أن إنشاءه يأتي بالتزامن مع تطورات سياسية وعسكرية كبيرة تبدو دول المنطقة مقبلة عليها، وخصوصا سوريا.
كان للتوتر الشديد الذي طبع العلاقات التركية – السعودية خلال السنوات الماضية انعكاسات سلبية للغاية في سوريا، وبشكل خاص على أداء المعارضة السورية السياسية والعسكرية. وما إن بدأ التقارب، في ربيع هذا العام، حتى كانت الانعكاسات الإيجابية شديدة الوضوح، وتمثلت بولادة “جيش الفتح” في شمال سوريا، وانتزاع السيطرة على كامل محافظة إدلب ومعسكرات كبيرة من جيش النظام. وقد كان لذلك، من بين عوامل أخرى، أثر كبير في عودة النشاط الدبلوماسي الخاص بتسوية النزاع في سوريا، وإبداء روسيا بعض المرونة والجدية لأول مرة.
سعت تركيا إلى المزيد من التقارب مع السعودية بعد هزيمة حزب العدالة والتنمية في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، وهو ما دفع الحزب إلى إعادة حساباته على مستوى السياسات الداخلية والخارجية. وجاء التوتر الجديد مع روسيا وإيران، وتزايد المخاطر التي يشكلها أكراد سوريا في ظل تجاهل أميركي لمخاوف تركيا، ليدفعها باتجاه واحد هو دول الخليج العربي.
يبدو وجود تركيا في التحالف الجديد بقيادة السعودية كتتويج لذلك التقارب، بل إن بعض التقارير تشير إلى أن إسطنبول باتت تتطلع إلى التقارب مع الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر دولة رئيسية في التحالف الجديد، فضلا عن مشاركتها الفعالة في التحالف العسكري في اليمن بقيادة السعودية.
إن لم تكن الغاية من تأسيس التحالف الإسلامي هو القيام بمهمة عسكرية في سوريا، فإن القيام بما تتطلبه التسوية في سوريا ربما يكون أحد أهدافه
ليس واضحا بعد إن كان تشكيل هذا التحالف ينطلق من مهمة عسكرية محددة سوف يجري العمل عليها سواء في سوريا أو دول أخرى مثل ليبيا. كانت تقارير قد تحدثت عن تحضير كل من تركيا والسعودية للقيام بعمل عسكري مشترك في سوريا، لكن التدخل الروسي وإسقاط تركيا للطائرة الروسية عقدا تلك المساعي وإن لم يلغياها.
يأتي التحالف الجديد لتأمين غطاء واسع من الدول الإسلامية وقوة عسكرية كبيرة من أجل دعم تنفيذ المنطقة الآمنة في حال سمحت الظروف واستدعت الحاجة. ذلك على الرغم من أن تركيا والسعودية وإن كانتا تتشاركان أهمية إقامة المنطقة الآمنة لكنهما تختلفان في الغاية منها.
بالنسبة إلى تركيا، الهدف شبه الوحيد هو منع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من التوسع، بغطاء جوي وأسلحة أميركية، ليسيطر على كامل المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا. وقد بدا أن تركيا نجحت في إقناع واشنطن بأهمية الخطوة لوقف زحف تنظيم داعش، لكن الإدارة الأميركية عادت وتراجعت عن مخططاتها مع الجانب التركي بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية، إذ سحبت قبل يومين طائرات “اف 16” التي كانت قد أرسلتها قبل أسابيع قليلة والتي كان يتوقع أن تشارك في إنشاء المنطقة الآمنة. هكذا، كان على تركيا إيجاد حليف جديد يبدو أنه يتمثل حاليا بالمملكة العربية السعودية التي تعمل في سوريا على تعزيز أوراق الضغط في حوزة فصائل المعارضة المسلحة، وحصر مناطق تواجد تنظيم داعش وترى المنطقة الآمنة من هذا المنظور.
تراقب السعودية حجم الدعم العسكري الكبير المقدم من روسيا وإيران لنظام بشار الأسد، ومحاولات روسيا توطيد قدميها في سوريا. كما تراقب، بقلق، التنازلات المقدمة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري لنظيره الروسي، وهو ما دفعها إلى عقد مؤتمر للمعارضة السورية الأسبوع الفائت وتقصدت دعوة فصائل عسكرية تصنفها روسيا على أنها إرهابية. ويبدو أن تشكيل التحالف الإسلامي جاء كتتمة وكتمتين لتلك الجهود السابقة.
تمكنت السعودية من توحيد القوى المعارضة للنظام السوري، ولكن تلك القوى لا تزال مشتتة وضعيفة، فيما تواجه الفصائل العسكرية المشاركة معضلة عدم سيطرتها التامة على المشهد العسكري، فضلا عن تعاون بعضها في ساحات القتال مع جبهة النصرة وفصائل مصنفة على لائحة الإرهاب. هكذا، فإن تطبيق أي حل سياسي لن يتحقق بتواجد تلك الفصائل لوحدها من دون قوات مساندة تضم الآلاف من المقاتلين ومراقبي وقف إطلاق النار، وهو ما يمكن أن تضطلع به الذراع العسكرية التي سيشكلها التحالف الجديد.
إن لم تكن الغاية من تأسيس التحالف العسكري الإسلامي بقيادة السعودية هو القيام بمهمة عسكرية محددة في سوريا، فإن الاستعداد للقيام بما يتطلبه سير عملية التسوية السياسية في سوريا، وربما في ليبيا، من قوات عسكرية تنتشر على الأرض ربما يكون أحد أبرز أهداف هذا التحالف.
كاتب فلسطيني سوري