الأسلحة والأطفال بين السياب وداعش

الثلاثاء 2015/12/08

إصدار مشؤوم للدولة الإسلامية موجه لليهود، عبارة عن توريط أطفال في تنفيذ عمليات إعدام في مجموعة من الأسرى رميا بالرصاص وذبحا بالسكاكين. هل سألوا طبيبا متخصصا في علم النفس عن تأثير ذلك على الصحة العقلية للأطفال؟ ثم ماذا تريد الدولة الإسلامية أن تقول؟ هل يحرضون العالم على حرق الموصل والرقة بأطفالهما ونسائهما وبراحة ضمير؟ هل هدفهم التلميح إلى أن كل الأطفال مجرمون بمدنهم؟ هل هذا معقول؟

أصدقاء فرنسيون قالوا بأنهم لا يشجعون فرنسا على الثأر من المدنيين في الموصل بسبب هجمات باريس، بينما الدواعش بالمقابل يعرضون إصدارا يظهر الأطفال وهم يذبحون ويطلقون الرصاص على الأسرى.

لا نريد رأيا شرعيا ولا رأي طبيب متخصص. نريد رأي الأمهات في الموصل، السيدات الكريمات اللواتي أنجبن القادة والعلماء والمبدعين. يا أمهات الموصل إن الدولة الإسلامية تضع المسدسات بأيدي الأطفال، وتطلب منهم تنفيذ أحكام الإعدام بأيديهم فماذا ترى حكمتكن في هذا؟

القضية أصبحت أبعد من مشروع إيراني وخطر شيعي، وأن داعش ردة فعل على تهميش طائفي. القضية الآن نحن في قبضة جنون مطلق قد يتحول إلى هوس وعنف مقدس شامل. الحقيقة هي أن المدن الشيعية في حماية الجيش الإيراني الآن، ولو تتصل بالبصرة مثلا فسيقولون لك بأن داعش تقع في ما وراء المحيطات بالنسبة إليهم.

الموصل العزيزة هي التي تحمل على ظهرها أكبر مغامرة تهدد وجودها كله. مدينة بقيت خالدة في وجه الشتاء والصيف الآلاف من السنين ربما تختفي من الوجود اليوم. هؤلاء الدواعش ليست عندهم مطالب سياسية كمطالب المعتصمين بساحات العز والكرامة، الجماعة تقول “دابق” وروما وجئناكم بالذبح.

صديق من الموصل أرسل لي يقول: أرسلت أطفالي إلى المدرسة فرجعوا يرددون نشيد “نحن أشبال الخلافة”، وفي اليوم الثاني عادوا يمثلون عملية ذبح، وأخبروني بأن هذه لعبتهم في المدرسة، فمنعتهم من المدرسة لأن الأمية أفضل عندي من أن يذبحني أطفالي.

لقد صدمتنا الدولة الإسلامية بالمستحيل الذي صنعته وهزيمتها للجيش العراقي في الموصل. انتصارات عسكرية غامضة شبه مستحيلة، أناشيد بلا موسيقى تهز الأرض، وشباب يفجرون أنفسهم بوجوه باسمة بلا تردد. ولكن لا بد من التفكير الجاد بالهدف من مشروع كهذا؟ في النهاية تكتشف بأنك أمام مشروع لا يمكن أن تثق به، شيء فظيع أن نقتل الإنسان لأنه “كافر” والكافر هو إنسان لا يعتقد بما نعتقد، هذه مشكلة تثير الفزع حقا.

وكيف سيستفيد المسلمون من تصاعد التطرف وثقافة الدم؟ تقرير لوكالة رويترز يقول “زادت الموافقات على مبيعات الأسلحة الأميركية للخارج بنسبة 36 بالمئة لتسجل 46.6 مليار دولار منذ بداية 2015 وحتى سبتمبر الماضي مقارنة بنحو 34 مليارا عن عام سابق”. ويقول مسؤولون أميركيون إن صانعي السلاح أقروا ورديات عمل إضافية واستعانوا بمزيد من العمال. وقال مسؤول بإحدى شركات صناعة السلاح الأميركية “إنه مجال نمو هائل بالنسبة إلينا”.

مدن أميركية تزدهر وترتفع أسعار عقاراتها بسبب مصانع السلاح، بينما تستمر الدولة الإسلامية بهذه الإصدارات التي ترسخ فكرة التوحش حتى عند الأطفال. إن الاحتكاك بين تركيا من جهة، وروسيا من جهة أخرى على خلفية إسقاط طائرة مقاتلة روسية قد فضح المشكلة، فهي أكبر بكثير مما تبدو عليه في الظاهر، والأخبار تتعمد تعتيم المشهد في تعقيد إعلامي وسياسي متعمد.

قبل أكثر من نصف قرن كتب شاعر العراق الخالد بدر شاكر السياب رائعته “الأسلحة والأطفال” التي مجّد فيها الحياة ومستقبل الشعب العراقي وجعل من الأسلحة نقيضا للأطفال. ماذا كان السياب سيقول لو رأى إصدار داعش الأخير حول ذبح الأطفال للأسرى بالسكاكين؟

“إن الطواغيت لا يسمعون

سوى رنة الفلس والدرهم

لأن الطواغيت لا يبصرون

على الشاطئ الآسيوي البعيدْ

سوى أن سوقا يباع الحديدْ

وتُستهلكُ الريح والنار فيها

تدر العطايا على فاتحيها”

بدر شاكر السياب

كاتب عراقي

8