العراق يفقد شيخ الخطاطين العرب مهدي الجبوري

فقدت الساحة الثقافية العراقية مؤخرا شيخ الخطاطين العراقيين، الخطاط الحاج مهدي الجبوري، إثر مرض عضال ألمّ به طويلا. والراحل يعد أحد المحافظين الأوائل على القواعد البغدادية الأصيلة في الخط العربي، التي أسسها الخطاط هاشم البغدادي، وسار على نهجه تلامذته النجباء، وكان من بينهم الراحل الجبوري.
ولد الخطاط الرائد مهدي محمد صالح الجبوري عام 1928، في قضاء الرميثة، يوم كان والده مديرا لإحدى المدارس الابتدائية هناك، وقد بدأ متأثرا بخط والده، الذي كان يجيد خط الرقعة بإتقان، وقد أدخله والده أثناء العطل المدرسية في (الكتّاب) ليتعلم قراءة القرآن الكريم وأصول التجويد، وأخذ يتردد على قراء تجويد القرآن الكريم، حتى أصبح ملما بأصول التجويد، حيث وهبه الله صوتا رخيما.
عين الجبوري، خطاطا بمديرية المساحة العامة سنة 1948، وهناك التقى بنخبة طيبة من فطاحل الخطاطين العراقيين، على رأسهم عميد الخط العربي المرحوم هاشم البغدادي، وعبدالكريم رفعت، وعبدالقادر محمد، وخيري الخطاط، وعلي نبهان، وبحكم هذا الاتصال المستمر والحضور الدائم معهم وبينهم، اكتسب منهم بإتقان أنواع الخطوط العربية، كما أشرفوا على تدريبه وتوجيهه إلى الأصول والقواعد الصحيحة للخط العربي، ورفع مستواه الفني حتى بلغ المنزلة الرفيعة والمرموقة بين الخطاطين.
وساعده ذلك التتلمذ على يد الخطاط هاشم البغدادي، الذي تولاه برعايته، لذلك تبلورت ممارسته للخط كثيرا وأخذ يتعلم فن وأسرار وجمال صورة الحرف العربي شيئا فشيئا.
|
فكان الجبوري، التلميذ الملتزم والمخلص لأستاذه، إذ أصبح الخلف الأول له، وحينما سافر الخطاط هاشم البغدادي عام 1953 إلى تركيا، أناب عنه تلميذه مهدي الجبوري، في مكتبه طيلة فترة سفره، كذلك عام 1966 عندما سافر إلى ألمانيا، للإشراف على طبع المصحف الشريف، أنابه أيضا للإشراف على قسم الخط العربي في معهد الفنون الجميلة، وتعدّ هاتان الشهادتان ثقة عالية بالقدرة والقابلية الفنية الفائقة من الأستاذ بتلميذه المبدع.
وفي الأثناء أعد الجبوري مخطوطة لتقديمها لأستاذه بهدف الحصول على إجازة الاعتراف التقليدية، إلاّ أن وفاة الخطاط هاشم حالت دون ذلك، فكان لهذا الحدث الأثر المؤلم في نفس الجبوري، والعزم على زيارة الخطاط التركي الشهير حامد الآمدي، في إسطنبول للحصول على مثل هذه (الإجازة/ الشهادة) وبالفعل فقد نالها عن جدارة.
سنة 1954، أسس مع زميليه الرسام بديع بابا جان، والخطاط محمد حسين جعفر مكتب “دار الخط العربي” الذي كان البذرة الأولى لولادة مؤسسة خاصة لفن الإعلان التجاري، وفق ذائقة فنية صحيحة.
والجبوري أيضا كان من أوائل المؤسسين لجمعية الخطاطين العراقيين، وقد دافع طويلا للحفاظ على شكل وصورة الحرف العربي وفق قواعده الصارمة، وقد تميزت لوحاته بقوة تجويد الحروف، بكافة أنواعه المعروفة، فضلا عن قدرته الفائقة في تركيب وإنشاء النصوص بصورة متوازية في الفراغ، حيث توزيع الكتل والاستفادة القصوى من انسيابية الحروف نفسها التي تتسم بالتمدد والتعشيق مع بعضها البعض.
وللخطاط مهدي الجبوري علاوة على كل ما سبق قدرة عالية على الضبط والإتقان للخطوط، كما كان يجيد خط النسخ والثلث إجادة تامة، وهو الذي مثل العراق في مختلف المعارض العربية والعالمية من خلال لوحاته الفنية التي شارك بها في أكثر من عاصمة عالمية طيلة عقود من الزمن. وتخرج على يدي الجبوري الكثير من أساتذة الخط العربي منهم عبدالرضا بهية المعروف بروضان والخطاط حميد السعدي والخطاط أمين علي والخطاط أحمد فارس العمري وغيرهم.
ومن أبرز البصمات التي تركها الخطاط الجبوري هو كتابة العملة العراقية الورقية التي تستخدم الآن في العراق، فضلا عن خطه لهوية الأحوال الشخصية للزعيم عبدالكريم قاسم.