تبكيك فضائيات الأوطان السعيدة
يستحيل عليك في البلاد العربية أن تطل من شرفة السعادة وأنت مصاب بمتلازمة الثقافة cultural sendrom، الزمن متعجل للقاء المحللين السياسيين السعداء على منصات الخطابة، ومروجي الشعارات وهواة الإفتاء وأنت أيها المثقف أصابعك من قش ودمك غيمة لغة، أنت بقايا شمع اتقد وسال، شمع كثيف يتشكل من عشوائية الاحتراق، ويتخذ له أشكالا جمالية، واضحة المعالم، أو مشوشة بهيولى إبداعية أو ابتكار رؤيوي، ولأنك مولع بالجمال قد تتخذ لك هيئة طائر غرنوق أو زهرة أوركيد أو شكل رجل وامرأة متعانقين، تتصدى لك قبائل التأويل وجماعات الحسبة ويتنافس على الإطاحة بك من ظننتهم أولياء الأمس ورفاق المكابدة.
كيف لا تكون سعيدا وأنت مثقف عربي محمي بدروع واقية من وجع الحرية ومحروس بعشرات الأعين والآذان خوفا عليك من انحراف الفكرة أو جنوح العقل إلى المحاججة أو السؤال؟ ويفترض بك أن تنأى عن كل جدال ولا ترتاب في شيء وتعتمد يقينيات مطلقة وإلا رميت بالارتداد أو اتهمت بما هو أشنع منه.. كيف لا تكون سعيدا وأنت مثقف عربي يذرف الكلمات والأفكار في العراء؟
كيف لا تكون مثقفا عربيا سعيدا والحروب ونزاعات الساسة تهمشك في الزوايا والعتمات، والسلام الخاطف بين حرب وحرب لا يراك إلا في نسق الجماعة أو الحزب أو الطائفة أو الفئة، فإذا كنت فردا بلا تمائم قبلية ولا شارات حزب وشعارات جماعة وإمكانات فئة يستبعدك سادة اللحظة، وصباحا تفطر بفتوى تقول بعدم جواز دوران الأرض، ومساء تتعشى بأخرى تكفّر من قال بنظرية داروين أو قال بأصل الكون من البيغ بانغ الانفجار العظيم او كتب نصا في مديح الحب. ونصوصك يتداولها التجار وبياعو الأرواح، وحياتك لم تكن تعني أحدا منهم وكتابك ملقى على قارعة الفقد، ألست سعيدا حتى في موتك؟
بطرٌ أنت، لك أن ترضى وترتل حمدا للأقدار التي جعلت منك مثقفا عربيا من أسعد خلق الله..
كيف لا تكون مثقفا سعيدا وسريرك وقميصك ولعبة طفلك تباع في مزاد الحسبة وتبدد كلماتك في الساحات ويستولي على بيتك مجاهدو الكراهية وتجار المنبوذات؟ كيف لا تكون مثقفا عربيا سعيدا وأنت تتعثر بالكتب المحروقة في ساحات مدنك؟ ويصلب في وضح ظهيرتك تمثال شاعر، ويحكم بالموت على تمثال امرأة في معهد للفنون؟ كيف لا تكون مثقفا عربيا وسعيدا وأنت شخص ملتبس بين هويات شتى؟ المطلوب أن تكون من عرق نقي، من أنت؟ تقول:
- أنا نفسي وأنا اسمي..
تتوهم انك تعرف من أنت وهم يؤولونك كما تتمنى الشبهات وكما يتراءى في بؤر الريبة من ظلمات..
- لا، لست من هذا الحي، هنا حي مغلق لطائفة وعشيرة ودين، فإما أن ترحل في مهلة يومين أو تقتل علنا أو تدفع الجزية عن لونك أو معتقدك.
طب قلبا وعش بأمان فأنت الأسعد بين مثقفي هذه الدنيا، لأنك إما محمي في سجن أو محكوم بالصمت المطلق كالصفر المطلق، أو مشرد من وطنك تتعثر بنظرات عنصرية وكلمات بغض معلن. عش كما تؤمر واكتب كما يتطلب قانون الخوف، وتنازل عن اسمك أحيانا واستبدل باللغة همهمة ونشيجا وأوصد نافذة العقل وترجل من أحلامك وانكر كلماتك إنكارا فلا يقام عليك الحدّ. بطرٌ أنت، لماذا لا تسعد وأنت على هذا القدر من الأهمية بين الناس؟ وثمة من يهتم بأمرك بعد الموت وتكتب عنك المرثيات وتبكيك فضائيات الأوطان السعيدة؟
كاتبة من العراق مقيمة في عمان