ريتشارد برانسون مغامر أدرك سر النجاح في عالم اقتصادي مضطرب

السبت 2015/09/19
شركات مجموعة فيرجن بلغت أكثر من 300 شركة

هل فكرت يوماً بأن يصبح لديك الكثير من المال؟ ليس الكثير فقط، بل الكثير الكثير منه؟ المسألة ليست أن يكون لديك أمنية بأن تصبح ثرياً، فهذه تراود الجميع على كوكب الأرض، ولكن كثيرين ممن لديهم الرغبة والحلم بذلك ليست لديهم الإمكانيات التي تجعلهم يعملون كي يصبحوا أثرياء، والكثيرون أيضاً، توفرت لهم الإمكانات، ولكن لم تتوفر الظروف التي تضع إمكاناتهم في مسار تحقق الحلم بالثراء، وحين تتوفر الإمكانات وكذلك الظروف، فإن شروط النجاح تصبح أمراً لازماً، فالإدارة الجيدة، والعمل الدؤوب، وكذلك الحرية الاقتصادية، بالإضافة إلى أشياء كثيرة، تتسع لها الكتب التي تتحدث عن التجارب الناجحة في الحياة، هذه العوامل كلها تساعد المرء على أن ينجح في مشروعه، وبالتالي فإنه سيصبح ثرياً بنسبة ما، وربما يغدو فاحش الثراء أيضاً.

برانسون والعمل

الملياردير ريتشارد برانسون يقدم لمتابعيه وصفة النجاح بطريقة ممتعة، فقد دأب وعبر الكثير من التصريحات والتدوينات، وعبر عدة مؤلفات، على تقديم المشورة من خلال الوضع الذي استقرت عليه أعماله الكثيرة، وهكذا، فإنه حين يستمع الحالمون بالثراء إلى نصائح رجل مغامر، يغلّب المتعة على صلافة ورتابة أجواء العمل، فإن الكثير من الأشياء تتغير، كما أن العديد من معادلات السوق الاقتصادية تصبح أشبه بتعويذات يجب الإيمان بها، قبل أن يغرق المرء نفسه بدراستها، وعلى سبيل المثال، يمكن التوقف عند اعترافه الذي يقول فيه “لم أنطلق في بداياتي لأصبح غنياً وإنما للاستمتاع والتحدي في الحياة، وغالباً ما أتساءل: هل عملي ممتع؟ هل يجعلني سعيداً؟ الجواب على ذلك أكثر أهمية من الشهرة والثروة. إذا لم يعد الأمر ممتعاً بالنسبة إليّ، أحاول معرفة السبب وأحاول إصلاح الأمر وإذا فشلت، فإنني أتوقف عن فعله”.

ربط العمل بالمتعة هو المدخل الذي يسوقه برانسون، ليقرّب الحالمين بالثراء من الخطوة الأولى، وإذا قمنا بتحليل النصيحة من وجهة نظر نقدية، فإن ما يذهب إليه مؤسس مجموعة “فيرجن” العملاقة، إنما يقود كل من يرغب بتحقيق الرفاه الشخصي، لأن ينفك عن سيطرة النظام الاقتصادي العام المحكم على رغباته وأحلامه وإمكانياته أيضاً.

لنتخيل الأمر على الشكل التالي؛ لو أن ريتشارد برانسون نفسه، لم يقم بالمغامرة في سن الخامسة عشرة بتأسيس مجلة “ستودينت”، وانصاع لرغبات من حوله بأن يلتزم بمسار دراسته، هل كان سيضع اللبنة الأولى في مسار نجاحاته التالية؟

سر المحاولة

الخروج عن النظام أمر محفوف بالمخاطرة، وقد تكون نتائجه غير محسوبة، وبالتالي فإن المحاولة قد تفشل، ما يؤدي إلى الإحباط، ما يعني في المحصلة احتمالاً كبيراً في العودة إلى أحضان النظام، كما يفعل المهزومون عادة، يقول برانسون “أصدرت مجلة “ستودينت” وقال الناس إنني لا يمكن أن أقوم بذلك، ولكنني أردت أن أثبت لهم أنهم كانوا على خطأ، قمت بعملياتي الحسابية بحذر ونجحت في معرفة قيمة الورق والطباعة، وبعدها قمت بحساب الدخل من المبيعات ومن بيع مساحة إعلانية. وأعطتني أمي أربعة جنيهات للطوابع، وأمضيت أنا وصديقي جون جيمس زهاء سنتين ونحن نخط مئات الرسائل محاولين بيع مساحة إعلانية وقد حاولت إجراء مقابلات مع أناس مشاهير. غمرتني سعادة عارمة عندما حصلنا على شيكنا الأول لمساحة إعلانية وكان بمبلغ مائتين وخمسين جنيها إسترلينيا، كان مبلغا ضخماً، لقد أثمرت معتقداتي، فتركت المدرسة عندما كنت في السادسة عشرة وتفرغت للمجلة”.

حكاية برانسون تبدو مثالية جداً من خلال روايته لها، حتى وإن تم تبهيرها، من خلال التذكير بأن مديره في المدرسة وبعد أن شاهده يغرق في مشروعه، ويهمل دراسته التي كان فاشلاً فيها أصلاً، تنبأ له بمستقبل باهر، حيث قال له “تهانيّ يا برانسون. أتنبأ لك بأنك إما ستذهب إلى السجن، أو تصير مليونيراً”.

ربط العمل بالمتعة هو المدخل الذي يسوقه برانسون، ليقرب الحالمين بالثراء من الخطوة الأولى، وإذا قمنا بتحليل النصيحة من وجهة نظر نقدية، فإن ما يذهب إليه مؤسس مجموعة {Virgin} العملاقة، إنما يقود كل من يرغب بتحقيق الرفاه الشخصي، إلى أن ينفك عن سيطرة النظام الاقتصادي العام المحكم على رغباته وأحلامه وإمكانياته أيضا

لكن لتفهّم الحكاية بشكل أقرب إلى الواقع الذي لا يمنح المثاليات مكاناً -على عكس ما يعتقده الكثيرون- يتوجب علينا رؤية الظروف المحيطة برغبات برانسون في المغامرة، فقد أسس شركته الأولى “فيرجن ريكوردز” في بداية سبعينات القرن المنصرم، أي الفترة التي كان يعيش فيها الاقتصاد البريطاني، مرحلة سيئة ممتدة من الستينات قوامها معدلات التضخم العالية، حاولت حكومة حزب العمال البريطاني التي تولى رئاستها هارولد ويلسون “1964-1970” مجابهتها بمحاولات تخفيضها، ولكنها لم تنجح بذلك، وقد استمر الوضع على ما هو عليه حتى نهاية السبعينات، أي حتى تولي مارغريت تاتشر منصب رئاسة الحكومة، حيث بدأت بعمليات الخصخصة، لتقود عجلة الاقتصاد نحو تجاوز العثرات التي حكمته طيلة الفترة السابقة وصولاً إلى التعافي من الأزمة.

والسؤال الذي يطرحه أيّ مطالع لهذه الظروف السيئة التي بدأ فيها برانسون مشروعه، يقول: كيف أمكن لهذا الرجل أن يجني ثروة في ظلّ اقتصاد متعثر، ومجتمع يعيش الملايين فيه عاطلين عن العمل؟

الإجابة تبدو صعبة على كل من يستغرق في قراءة الأمر من زاوية الوضع الكلي للاقتصاد البريطاني، ولكنها ستصبح سهلة حين نعود إلى الخلاصة التي نخرج بها ونحن نقرأ نصائح برانسون، والتي تقول بضرورة الانعتاق من النظام، والمقابل العملي لهذه الخلاصة وبحسب السيرة الذاتية هو العمل وفق طريقة مخالفة للسائد، فشركته “فيرجن ريكوردز” والتي بدأت بمتجر بسيط، من قبو كنيسة، قامت على بيع التسجيلات الموسيقية كتجارة تجزئة وتوصيلها من خلال البريد، بأسعار بسيطة غير مكلفة للمواطن العادي، ما جعلها تنمو بطريقة كبيرة طيلة السنوات اللاحقة، وربما كانت خصوصية البضاعة التي تقوم الشركة بتسويقها عنصراً مؤثراً في السياق، فهي بضاعة ثقافية ممتعة يحتاجها الجميع ولا بأس من الحصول عليها إن توفرت بأسعار زهيدة، ودون عناء الذهاب إلى المتجر للحصول عليها.

الاقتحام

تطورت تجارة ريتشارد برانسون، من خلال دأبه على عمله ليتطور من تجارة التجزئة إلى تجارة الجملة، حيث بدأ يسافر إلى فرنسا ويشتري صناديق من الأسطوانات ذات الأسعار المنخفضة ليقوم ببيعها لاحقاً إلى محلات التجزئة في العاصمة لندن.

إلى هنا تبدو السيرة الذاتية، عادية رغم طرافة بعض حيثياتها، غير أن الانفجار الكبير في التجربة جاء من حادثة غير طبيعية يرويها برانسون في كتابه “الاقتحام”، إذ يقول “حين قررنا أن نسافر إلى بورتوريكو عام 1978 وصلنا إلى المطار وكانت الرحلة قد ألغيت والمسافرون في حالة ضياع، فقررتُ استئجار طائرة بألفي دولار فقط، وقسمت المبلغ على المسافرين، فبلغت حصة كل مسافر تسعة وثلاثين دولاراً، فاستعرت سبورة وكتبت عليها: خطوط “فيرجن ايرلاينز”؛ ثلاثمئة وتسعين دولاراً أجرة الرحلة إلى بورتوريكو، وكانت هذه الفكرة هي بداية ولادة شركة طيران “فيرجن اتلانتك”.

مضاعفة السعر عشر مرات، أمرٌ جائز في حال كانت هذه العملية مبنية على الحاجة الماسة للزبون، وهي أشبه بالاحتكار، وهو تصرف غير قانوني في عالم الاقتصاد، ولكن الحادثة التي قد يشكك البعض في إمكانية حصولها بسبب من طرافتها، تؤشر إلى عقلية شابة متحفزة لا تترك الفرصة دون استغلالها، كما أن المغامرة بإنشاء شركة طيران “فيرجن ايرلاينز”، لم تأت من خلال حادثة طريفة فقط، بل من خلال دراسة الواقع الاقتصادي لمجال العمل، فقد طلب برانسون النصيحة من رجل الأعمال البريطاني فريدي لايكر المجرب في هذا القطاع، حين تم تأسيس شركة “فيرجن ايرلاينز”.

الظروف المحيطة برغبات برانسون في المغامرة، تعطي نتائج مخالفة لما حققه، فقد أسس شركته الأولى بداية سبعينات القرن العشرين، أي الفترة التي كان يعيش فيها الاقتصاد البريطاني، مرحلة سيئة قوامها معدلات التضخم العالية، والسؤال الذهبي هنا: كيف أمكن لهذا الرجل أن يجني ثروة في ظلال اقتصاد متعثر، ومجتمع يعيش الملايين فيه عاطلين عن العمل؟

النجاح لا يأتي من المغامرة فقط بل من خلال الدراسة المعمقة والإدارة المركزة لموارد المؤسسة، وهذا المقطع من الشروط المثلى للنجاح هو جزء من نصائح برانسون، الذي تتوازى عنده المغامرات الخطيرة في الحياة (قطع الأطلسي عبر الطيران بالمنطاد الهوائي) مع المغامرات الأخطر في عالم الاقتصاد، حيث يقول في كتابه “نمط الأعمال”: طبعا الشجعان لا يعيشون إلى الأبد، أما الجبناء فلا يعيشون على الإطلاق.

الاستثمار في الفضاء

بلغت شركات مجموعة فيرجن أكثر من 300 شركة، ضمن فضاءات عمل متعددة تبدأ بعالم التسجيلات الموسيقية حيث أن شركته الأصلية “فيرجن ريكوردز” لم تعد كما هي، بل صار اسمها “فيرجن ميجاستورز”، وتمر في عالم الاتصالات عبر شركة متخصصة بالموبايلات في العام 1999، وكما دخل عالم النقل الجوي، دخل بمغامرة في قطاع السكك الحديدية من خلال شركته المتخصصة. حيث فاز بتوكيل استخدام خط الساحل الغربي ضمن منطق مخاطرة حقيقة، تكرر حدوثها سابقاً في حكاية توسع عمل شركة الطيران، فالوقائع المنشورة تقول إنه عندما أطلق برانسون خطوط فيرجن أستراليا الجوية عام 2000، شكك أعضاء مجلس الإدارة بإمكانية النجاح، لكنه وجـدها فرصــة وتمسّك بها، ونجح بهـا حيث أن هذه الشركة باتت تخدم الملايين وتحتل موقع ثاني أكبر شركة طيران في أستراليا.

مسار عمل برانسون انصب على التطوير المجتمعي والمساهمة في الأعمال الخيرية، بالإضافة إلى مساهماته في أنشطة عالمية، يصعب ذكرها هنا بسبب كثرتها، وهو لا يبقي نصائحه التي يوجهها للشباب ضمن مساحة المثاليات التي تتكرر في كتب البرمجة اللغوية العصبية، أو كتب النجاح في الإدارة وفي مجالات العمل، والتي تجعل من التحفيز والنجاح أمراً منبتاً عن قراءة الظروف المجتمعية بشكل عام، بل إنه يعيدها إلى مساحة واقعية حقيقية، فأن تبدأ بالنصح من خلال جعل المتعة بوابة للعبور إلى النجاح، فإن هذا سيؤدي حكماً إلى ربط النجاح بالخسارة أيضاً، دون أن يكون ذلك سببا في التوقف عن المحاولة، حيث يذكر البعض أنه “قام ببيع عدد من شركات فيرجين على مر السنوت، أبرزها بيع تسجيلات فيرجن إلى ايمي ليحافظ على شركة الطيران الخاصة به، يقول برانسون “كان يوماً عاطفياً، انهرت فيه بالبكاء”، ولكنه اليوم تأكد من أن قراره كان منطقياً بهدف تأمين مستقبل المجموعة، والتي ساعدت في الاستثمار بمشاريع جيدة.

وهكذا يمكن اعتبار أن قراءة تجربة برانسون كقصة نجاح، هو نصف المعادلة المطلوبة، والنصف الآخر يجب أن يبنى على دراسة العوامل المؤدية إلى هذا التفوق، وهي بالتأكيد عوامل مليئة بالدراسة وبإدراك المحاذير التي تعترض مسار أيّ مغامر.

غير أن تتبع المسار الحياتي وخاصة منه مغامراته الخطيرة في الجو والبحر، وكذلك بالسفر في الفضاء، سيفضي بالتأكيد إلى جعل “تكوين الشخصية” في مقدمة الأشياء المطلوبة للنجاح وضمن هذا السياق نقرأ قوله “الدروس التي تعلمتها كانت نتيجة تجارب وهي: افعلها فحسب، فكر بالقول: نعم، لا بالقول: لا، تحدّ نفسك، لتكن لديك أهداف، استمتع، أحدِث تغييراً حيث تكون، قف على قدميك، كن وفياً، استمتع بحياتك بالكامل”.

13