إيكر كاسياس قائد فريق وحارس مرمى عشقه خصومه قبل مشجعيه

السبت 2015/09/12
إيكر كاسياس فرنانديز ملك الحراس المخلوع

يسري عرف بين أوساط عشاق الكرة المستديرة أن حراس المرمى يمثلون نصف الفريق، هكذا يقولون عندما يعبّرون عن حارس بارع يمتلك قدرات فائقة، لكن الحارس الأسباني إيكر كاسياس كسر الأعراف فكثيراً ما كان ينقذ هيبة ملوك مدريد عندما يغيب الجميع عن العطاء ليؤكد أنه أكثر من نصف الفريق، هو حارس تحرر من قانون الجاذبية لنيوتن، يملك الإحساس بحيز المكان متى يجب أن يهاجم الخصم وأين يجب أن يطير، هدوء أعصابه لطالما جعل منافسيه يشعرون بالإحباط بمعنى الكلمة، كان يلعب كرة قد لا ترى مثلها إلا في ساعات تألق قليلة تعود بنا لزمن فريق الأحلام قبل أكثر من عقد.

الخرافي الصغير

ولد إيكر كاسياس فرنانديز، في العشرين من شهر مايو عام 1981 في بلدة موستوليس التابعة لمدينة مدريد، والده خوسيه لويس كاسياس يعمل موظفاً في وزارة التربية والتعليم ووالدته ماريا ديل كارمن غونزاليس تعمل في صالون حلاقة نسائية.

كانت رغبة إيكر منذ الصغر أن يلتقط الكرة لا أن يركلها، كان يحب اللعب في مركز حراسة المرمى ولا شيء سواه، اعتاد أن يذهب مبكراً صباح عطلة نهاية الأسبوع إلى ملعب المدرسة حيث يلعب الشبان كرة القدم فيحجز بذلك لنفسه مكاناً لأنه سبقهم إلى الملعب، بهذه الطريقة كان يلعب الطفل ابن الخامسة مع شبان يكبرونه بعشر سنوات وأكثر، وكان يتصدى للكرات الصعبة بطريقة خرافية بالنسبة إلى عمره الصغير.

كان كاسياس يحلم باللعب مع النادي الملكي، وكانت رغبة والده أن يرى ابنه لاعباً في صفوف النادي الباسكي “بيلباو” لأنه عشق ذلك النادي منذ أن توظف لفترة طويلة في إقليم الباسك، لكن كاسياس كان يرغب أن يصبح كالحارس أركونادا المتألق الذي تألق مع الريال في حقبة الثمانينات.

في شهر سبتمبر 1991، التحق كاسياس بالفريق الملكي أول مرة، وحصل على فرصة التجربة بناءً على توصية صديق والده، يدين إيكر بالفضل للمدرب المشرف على تلك التجارب ميزكيتا، الذي اقتنع بموهبته رغم أنه تلقى سبعة أهداف في مباراته التجريبية الأولى، لكنه عدل الموقف حين تألق في الثانية، لقد كانت المرة الأولى التي يلبس فيها لباساً رياضياً كاملاً ولم يكن معتاداً على ذلك.

كاسياس يتميز بأخلاق عالية جعلته محط إعجاب الجميع حتى جماهير البارسا الغريم التقليدي، فهو اللاعب الأكثر محبة من قبل زملائه الكتلان في الماتادور، وتتذكر الجماهير الأسبانية موقفه التاريخي في المباراة النهائية ليورو 2012 والتي فاز فيها الماتادور بأربعة أهداف نظيفة على المنتخب الإيطالي، حين توجه كاسياس إلى الحكم وقال له "فلتنهوا المباراة، احتراما للخصم، احترموا إيطاليا"

يتذكر كاسياس معاناته للوصول إلى أكاديمية مدريد، بدءاً بإقناع مدرّسيه بالغياب، للالتحاق بتدريبات ومباريات النادي الملكي، ووصولاً إلى الطريق المزدحم الذي كان يسلكه والده بسيارته القديمة من طراز سيات 124 ليوصل الابن إلى التمرينات المسائية، كان يفعل ذلك لست سنوات متتالية.

لقد كان لانضمامه لصفوف الفريق الأول في النادي الملكي حكاية مثيرة، لطالما كان يتجمع حوله زملاؤه في المدرسة للنقاش حول مباريات الدوري الأسباني ودوري الأبطال الأوروبي، وكانوا يرغبون دوماً في الحصول على ترشيحات كاسياس “من سيفوز ومن سيخسر” لأنه كان في نظرهم رياضياً يملك تفاصيل خاصة، كانوا يناقشون فرص ريال مدريد في مباراته المقبلة أمام روزنبرغ النرويجي في دوري الأبطال، قبل أن يطرق موظف في المدرسة باب الصف ويقول لكاسياس “عليك التوجه لفندق باراخاس للالتحاق بالفريق الأول لريال مدريد، لأن الحارس كانيزاريس أصيب”. لقد ظن كاسياس أنها نكتة أو مقلب يحضره زملاؤه له ولم يصدق في البداية الأمر، لكنه صدق ذلك بعد أن طلبه المدير ليساعده في الوصول إلى فندق باراخاس بأقصى سرعة ويلتحق بالنادي الملكي.

استغل كاسياس إصابة الحارس الألماني بودو إيلغنز حارس النادي الملكي الأساسي ليقدم نفسه كبديل عملاق لحارس عملاق، قبل أن يحجز مكانه كأساسي في الفريق الأول موسم 1999-2000 في الليغا الأسبانية، ولعب أول مباراة كأساسي في التاسع من سبتمبر عام 1999 أمام أتلتيك بلباو.

أمسية الرابع والعشرين من مايو عام 2000، كانت أمسية تاريخية لا يمكن أن تفارق ذكراها إيكر، لقد كانت البداية الحقيقية له في نهائي دوري أبطال أوروبا وأمام الغريم الأسباني فالنسيا، لم يكن الريال في أحسن أحواله، لكن كاسياس كان عليه أن يبذل جهداً مضاعفاً في خطوته الأولى نحو الأمجاد، وكان له ما أراد حين انتهت المباراة بثلاثية نظيفة للريال، بفضل الحارس الأصغر سناً في تاريخ البطولة حتى ذلك الحين وهو لم يتجاوز حاجز الـ18 سنة بعد، وكان يتساءل حينها وهو يصعد على منصات التتويج هل هي نهاية الأمجاد أم بدايتها؟

صانع الأمجاد

الإجابة على سؤال كاسياس لم تتأخر كثيراً، رغم أن سيزار سانشيز خطف الأضواء من كاسياس في ذلك الموسم، إلا أن العظماء يدركون جيداً أهمية استغلال الفرص، لقد أصيب سانشيز في لحظات حرجة قبل 20 دقيقة من انتهاء النزال التاريخي بين ريال مدريد وباير ليفركوزن على مسرح غلاسكو عام 2002، فريق الأحلام بنجومه زيدان وفيغو وكارلوس وموريانتس وراؤول، كان يبحث عمن يحمل عبء أحلام هؤلاء بالتربع على عرش البطولة الأوروبية للمرة التاسعة في تاريخ الملوك، ديل بوسكي وضع ثقته بكاسياس ابن العشرين عاماً.

كاسياس استغل إصابة الحارس الألماني بودو إيلغنز حارس النادي الملكي الأساسي ليقدم نفسه كبديل عملاق لحارس عملاق، قبل أن يحجز مكانه كأساسي في الفريق الأول موسم 1999-2000 في الليغا الأسبانية، ولعب أول مباراة كأساسي في التاسع من سبتمبر عام 1999 أمام أتلتيك بلباو
لقد كانت مجازفة خطرة إلا أن كاسياس قدم تصديات خرافية وأنقذ الملوك من ثلاثة أهداف محققة لم يكن ليسأل عنها لو أنها دخلت مرماه، تصدى لتصويبة التركي باشتورك الصاروخية، ومنع برباتوف في مناسبتين على بعد مترين فقط من خط المرمى، انتهت المباراة وتنفست جماهير مدريد الصعداء وكسب كاسياس قلوب الجماهير وثقة ديل بوسكي معاً.

صعد اللاعبون على منصات التتويج وكاسياس لازال يبكي، وعاد اللاعبون إلى أرضية الميدان للاحتفال مع الجماهير، وكاسياس لازال يبكي، هي صدمة الفرحة هكذا قال لروبرتو كارلوس عندما عانقه.

منذ ذلك الحين وكاسياس يحصد الألقاب مع الملكي ويحطم الأرقام القياسية رقماً تلو الآخر، حصد معه خمسة ألقاب أوروبية فتوج بلقب دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات، وكأس السوبر الأوروبية مرتين ولقب الليغا الأسبانية خمس مرات، وكأس ملك أسبانيا مرتين، وكأس السوبر الأسبانية أربع مرات وبات أول قائد في التاريخ يفوز بثمانية ألقاب مختلفة في البطولات الكبرى مع ناديه ومنتخب بلاده، بعد أن ساهم في قيادة ناديه للتتويج بلقب كأس العالم للأندية التي أقيمت في مراكش المغربية، وأصبح ثاني أكثر اللاعبين تتويجا بالألقاب بـ18 لقباً، خلف هوغو سانشيز متصدر القائمة بـ 21 لقباً.

وفي فبراير 2009، كسر الرقم المسجل باسم الحارس الشهير باكو بويو كأكثر حارس مرمى لعب مع الريال مباريات رسمية بـ454 مباراة، وفي ديسمبر عام 2014 احتفلت إدارة النادي الملكي بتجاوزه المباراة رقم 700 بقميص النادي ثم تجاوز مانويل شانسيز ليصبح ثاني أكثر لاعب مشاركة مع النادي الملكي منذ بداية مشواره بـ725 مباراة خلف راؤول غونزاليس صاحب الرقم القياسي بـ741 مباراة.

القائد التاريخي للأسبان

لعب إيكر مع مختلف الفئات العمرية للمنتخب الأسباني، ونال أبرز البطولات التي يحلم بها أيّ لاعب، فحقق لقب كأس العالم للشباب، وأحرز المنتخب الأسباني بقيادته أهم لقبين في خزائنه التاريخية، بطولة الأمم الأوروبية 2008، وكأس العالم 2010.

يتميز كاسياس بأخلاق عالية جعلته محط إعجاب الجميع حتى جماهير البارسا الغريم التقليدي فهو اللاعب الأكثر محبة من قبل زملائه الكتلان في الماتادور، وتتذكر الجماهير الأسبانية موقفه التاريخي في المباراة النهائية ليورو 2012 والتي فاز فيها الماتادور بأربعة أهداف نظيفة على المنتخب الإيطالي،

الذي انهار أمام الأسبان، فتوجه كاسياس إلى الحكم المساعد وقال له “فلتنهوا المباراة، احتراماً للخصم، احترموا إيطاليا” لذلك أطلق عليه عشاقه لقب القديس لأخلاقه العالية، وسماه عشاقه أيضاً بالأخطبوط لأنه يجعل المهاجمين يشعرون بحيرة فكل الكرات تجد طريقها إلى يديه مهما بلغت قوتها ودقتها.

ويملك كاسياس عدة ألقاب فردية أبرزها جائزة زامورا، وجائزة برافو، وجائزة أفضل حارس في أسبانيا، وأفضل حارس في بطولة الأمم الأوروبية، وأفضل حارس في العالم.

ألقاب فردية عديدة يملكها كاسياس أبرزها جائزة زامورا، وجائزة برافو، وجائزة أفضل حارس في أسبانيا، وأفضل حارس في بطولة الأمم الأوربية، وأفضل حارس في العالم

في الرابع والعشرين من شهر أبريل 2013، جاء الخبر الأكيد أن كاسياس ليس أساسياً في أمسية الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا -الريال أمام بوروسيا دورتموند الألماني- قالها مورينيو مدرب الملكي آنذاك، كاسياس ليس أساسياً لأن مستواه لم يعد مقبولاً.

وقف كاسياس في النفق الذي يمر منه اللاعبون قبل بداية المباراة، “لعلها نكتة” قال لنفسه، لكن الأمور حسمت ودخل الحارس البديل وجلس كاسياس على دكة البدلاء، لقد بدت وكأنها علامات فقدان الملك لعرشه الذي بقي محافظاً عليه لأكثر من عقد ونصف، تكررت الحادثة ومورينيو يختار دييغو لوبيز أساسياً مباراةً تلو الأخرى.

ليلة مباراة الريال وغرناطة كانت فاضحة لمشاعر إيكر، دخل الميدان ببطء، قدمٌ إلى الأمام وأخرى إلى الوراء، لم يقم بالإحماء كما جرت العادة وكان ينظر كل لحظة إلى مدرب الحراس فيكي وليام ويقول له “هل أستطيع الرحيل، أذهب الآن” لقد وضع قفازيه خلفه وكان يضحك مرة ويضع يديه على وجهه ليخفي تعابيره مرات أخرى.

لم ينتظر إجابة فيكي وليام ورحل إلى غرفة الملابس، ذهب مورينيو وأتى أنشيلوتي وكاسياس على دكة الاحتياط، أتى بينيتز ليطلق رصاصة الرحمة في نعش الملك، ويخرج إيكر من الحسابات، ليعلن كاسياس رحيله إلى بورتو منتصف يوليو 2015 في مؤتمر صحفي لم يحضره لتكريمه أيّ لاعب أو إداري من النادي الملكي وكانت فيه دموع كاسياس أبرز الحاضرين.

15