كيف نكتب سيرتنا

الأحد 2015/09/06

كتب السيرة العربية في معظمها مملة باردة محشوة بتفاصيل لا قيمة لها، بالنسبة إلى ساردها وقارئها، وتتحدث غالبا عن أشياء من خارج الشخصية وامتداداتها وعلاقاتها الاجتماعية دون الولوج إلى أعماق النفس وكشف بواطنها وميولها وكبواتها وأخطائها، وفي أغلب كتب السيرة العربية نعثر على قائمات وتواريخ تحيل السيرة إلى سجل حكومي وتاريخي للأحداث دون أن يتعمق كاتب السيرة إلى جوانب تحليلية للحدث أو يقدم تفسيراته الذاتية وموقفه مما يجري فتغدو السيرة أقرب إلى تقرير وظيفي عن حياة ملائكية أفقية دون غوص في عمق نفسي أو مجتمعي، ويغلب الوصف السطحي والإطراء المجاني على الأفق الشخصي والقناعات الفكرية والهواجس والمخاوف وكأننا إزاء تقرير إخباري عن شخصية أخرى غير الكاتب الذي نتوق لمعرفة مواقفه ومكابداته الروحية والفكرية.

تقول الروائية الفرنسية آني آرنو “إن ضمير المتكلم المفرد هو علامة السيرة الذاتية لكنه أيضا وسيلة لأن نروي عن العالم المحيط بنا شرط أن لا يتعلق الأمر بسيرة ذاتية تركز بطريقة غبية على الجانب الذاتي الظاهري فقط، فأنا استخدم صور الذاكرة وشذرات اليوميات لأتمكن من التعبير عن الحميمي الشخصي والتاريخي في آن معا وعن تحولات الحياة والذاكرة” بينما تكتب الفريدا يلينيك سيرتها الذاتية بصيغة روائية في رواية (عازفة البيانو) وتبدو الفريدا حاضرة في كل عبارة وكل كلمة ويراها القارئ ويحسها باستمرار فهي تخاطب قراءها مباشرة ثم تبقى خارج القصة عن قصد وتصميم ثم تقول عن بطلة روايتها عازفة البيانو (ايريكا هي الفتاة التي كنتها) وفي روايات يلينيك يتراجع الحدث إلى الخلفية بينما تتصدر التفاصيل التي يعنى بها كتاب السيرة والمذكرات.

وتعترف (دوريس ليسينغ ) إن روايتها المهمة (مذكرات من نجا)، إنما هي محاولة في السيرة الذاتية حيث تعرض فيها مشاهد من طفولتها لتمثلها بشخصية الطفلة واليافعة والمراهقة (اميلي) وأنها استخدمت مشاكل طفولتها وكوابيسها وهلوساتها في تدوين هذه الرواية.

ويصرح (لوكليزيو) أن روايته (الباحث عن الذهب) هي سيرة ذاتية أكثر منها رواية إذ تعتمد في معظم فصولها على تفاصيل من حياته مع عائلته في جزر موريشيوس، وتنطبق على الشخصية الرئيسية جميع الصفات التي تتسم بها شخصية لوكليزيو.

على الجانب العربي لا نجد روائية واحدة أو روائيا واحدا يعترف بأن في رواياته ظلالا من السيرة الذاتية فالكل عندنا يتخفى وراء مثالية مفرطة يتجنب معها أن ينسب لنفسه خطايا بطل من أبطاله، ويعود ذلك إلى أسباب أساسية في تكوين الشخصية العربية والمسلمة وهي النزعة ( الجوانية) السرانية والغنوصية التي تحتفي بها الاخلاقيات الاجتماعية الشرقية، بينما تنفتح الشخصية الغربية على فكرة (الاعتراف) انطلاقا من مرجعياتها الديني، فالغربي يعترف ويبوح ويعلن ليشفى ويرتاح ضميره أما الشرقي العربي فينغلق ويكتم لتتعقد حياته.

فشعوبنا منطوية على أسرارها ومغلقة على خطاياها، نحن جوانيون والغربيون منفتحون، فنجد كتب السيرة العربية منمقة الى أبعد الحدود ومشذبة مثل حديقة هندسية استخدم فيها المزارع مبيدات أخلاقية قضت على العفوية والتلقائية وتغافلت عن عمر التفتح والشهوات والخبرات الروحية والجسدية الأولى. ونعثر في كتب السيرة الغربية على ما يشبه غابة طبيعية فيها الضوء والظل والأفاعي والقنافذ والينابيع ومواسم التزاوج والجنس والأهواء الإنسانية والنزوات والتكاثر ومواجهة المخاطر، بينما يكتب العربي سيرته وكأنه يتعاطى مع ملاك سماوي مجنح ومبرأ من كل إثم وخطيئة.

كاتبة من العراق مقيمة في عمان

11