تمييز الإرهاب والقتل المتبادل

السبت 2015/08/29

السلوك الإرهابي لا تصنيف له غير أنه إجرام بشري بحق أوطان أو أديان أو الإنسانية جمعاء، فليس هناك إرهاب عربي وآخر غربي، أو إسلامي ومسيحي ويهودي، وفي غالب الأحوال هو وليد تطرف ديني أو اجتماعي أو وطني، ولا يمكن أن يكون مجرد جناية سببتها شخصية مهترئة قيميّا، وإنما للإرهاب بواعثه وأسبابه فحين يكون التطرف دينيا فهو على نسق ما نحصد نتائجه في إقليمنا العربي، ويكون اجتماعيا حين ينطوي على أفكار عنصرية كما في حالة جنوب أفريقيا في عهد الأبارتايد، ويكون وطنيا كما في حالة النازية ومبدأ سيادة الجنس الآري التي حاولت إبادة اليهود كجنس بشري، وقادت إلى الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها أكثر من خمسة وعشرين مليونا حول العالم.

الإرهاب واحد والنتيجة واحدة، وإذا أراد أحد تصنيفه على قياس كامل الدسم، وقليل الدسم ومنزوع الدسم، فتلك حالة جدلية سفسطائية لا تصل إلى منتهى يستهدف الإقناع، وإنما هي أحاديث السُذّج الذين يتركون الأهم ليخوضوا في الأقل أهمية.

في الحقيقة نحن نعاني في مجتمعاتنا العربية طائفية قاتمة تتسبب في حدوث لبس مفاهيمي، والدخول في سياق التصنيفات الفارغة للأشياء السلبية.

في العراق هناك إرهاب متبادل بين المكونات الاجتماعية والدينية والسياسية التي دخلت مرحلة طائفية خانقة، وصلت إلى التجييش العبثي ضد نفسها، فمارست إرهابا ضد بعضها راح ضحيته أبناء الوطن الواحد، ونحن أمام هذا الوضع نسأل ما الذي يفيد حين يكون القاتل من هذه الطائفة أو تلك؟

الضحية في الواقع هو المقتول والوطن ودين الناس، حين يشتعل بفتنة ساذجة، وبذرائع تاريخية موروثة تشرعن وتحلل بغض النظر عن حرمة النفس.

حين يدخل متحاورون في تمييزات طائفية للإرهاب فهم لا يميلون للوصول إلى مسارات عقلية منطقية لحل المشكلة وتسويتها على الصعيد الاجتماعي والوطني حتى يتحقق الاستقرار، وإنما يخوضون في فضول كلام ولغو وهذيان يعزز النعرة الطائفية التي تخترق السلم والأمن الوطني، وتلك الفكرة لا تتوقف عند حدود الوضع العراقي، وإنما تلقي بظلالها على غيره من المجتمعات، ولذلك متى وجد جدل أو نقاش يدور في فلك تصنيفي وتمييزي إنما هو سلوك طائفي يضر بمبدأ الحوار والتعايش، ويعمل على تخريب أي جهود لبناء اللحمة الوطنية والحفاظ عليها، ونحن في مرحلة عدائية عنيفة ومتغيرة ومتقلبة تتطلب الحذر فيما نتحدث بشأنه ليس لكي لا يساء فهمه وإنما لأنه غير مجد وليس مفيدا بأي حال، وإنما يعكس تأثيرا سلبيا منتقلا كعدوى من حالات الاقتتال التي تجري في الجوار، وبدلا من أن نتعامل مع التأثيرات السلبية لحروب غيرنا، نعمل على استيرادها بكامل فصولها وسيناريوهاتها ومآسيها.

الحروب في الغالب أولها كلام، وحين يتم الكلام على نحو طائفي يميز بين الإرهابيين فذلك وضع غير صحّي ومؤشر على حالة انهيار في الثبات الوطني والاجتماعي، وحينها ندخل مرحلة انصرافية لا تعي حجم الخطر، وتلي ذلك تبعات وتداعيات التشاحن والتباغض بغض النظر عن أي مبادئ وطنية، لأنه بالضرورة ساعتها أن تحدث، تلقائيا، تضحية كارثية بالوطن لصالح نزعات عدائية ما كان لها أن تحدث لو تم الخوض في الأحاديث السطحية عن التمييز والتصنيف الفارغ، وللأسف منطقتنا العربية على مر تاريخها دخلت صراعات وحالات اقتتال لأسباب سطحية، بدءا من حرب البسوس الجاهلية وحتى يومنا المعاصر دون أن نعتبر أو نتوقف عن إعادة إنتاج أسباب الصراع والمشاحنات وتبادل الكراهية وعدم احترام الآخر والاحتفاظ بقناعات حاسمة حول أنفسنا ضد الآخر المتعايش معنا أو خارج مجتمعاتنا.

كاتبة سعودية

8