استفتاء مصير لأكراد تركيا
استمرار تركيا في تحجيم حق الأكراد في إقليمهم أو في الأقاليم المجاورة لهم في سوريا والعراق، يؤكد انتهاك أحد أكبر حقوقهم الإنسانية، ففي جنوب هذه الدولة أقلية كردية ترزح تحت قمع وحشي، ويتعرض كل حزب كردي لمضايقات سياسية مستمرة عبر كل الحكومات التي تعاقبت على إدارة الدولة التركية، ويبدو أن ذلك سياسة منهجية وإستراتيجية في وضعهم في زاوية حرجة ونطاق ضيق يبقيهم في وضع الأقلية التي يمكن السيطرة عليها.
نفوذ تركيا السياسي يتم توظيفه للتأثير على جيرانها الذين لديهم نطاق جغرافي تاريخي للقومية الكردية، وفي حال تم توحيد الخريطة فإن فرصة حصول الأكراد على دولة متجانسة تتوفر بها شروط الدولة الوطنية الحديثة كبيرة، ولذلك تحتفظ تركيا بمنهج استبدادي مستمر يقمع أي محاولات لتكوين دولة خاصة بهم أو الحصول حتى على حكم ذاتي أو في إطار فدرالي، وخلال كل ذلك تحدث مجازر وانتهاكات حقوقية على نطاق واسع ضد الأكراد، يمنع الإعلان عنها بما تحصل عليه تركيا من تغطية سياسية غربية.
التاريخ يعيد نفسه في الحالة التركية، فكما تمت مجازر في السابق ضد القومية الأرمينية على يد الأتراك العثمانيين، تحدث ذات الانتهاكات التي تتراكم لتشكّل حالة من المجازر والإضعاف لحقوق الأكراد الطبيعية في مناطقهم الجغرافية، وحين يبقون على هذا الوضع غير المنسجم مع السياسة التركية، فلا يتوقع أن يظل الحال على هذا النحو دون انفجار يعبّر عن طموحات هذه القومية في تقرير مصيرهم، ولعل أسوأ ما يتعرضون له من تعسف في الحياة واعتقالات بالجملة تطال حتى قياداتهم السياسية كفيل بكشف عورات الحكومات التركية، وفي مقدمتها الحكومة الحالية التي تتعامل بمنطق قمعي كامل من أجل كفهم عن المطالبة بحقوقهم.
حقوق الإنسان في تركيا التي تدّعي نهجا ديمقراطيا في أدنى مستوياتها اللافتة لاختراق المعايير الأممية، وهي حالة تستوجب مراجعات من المؤسسات الحقوقية الدولية وعدم السكوت على ما يتعرض له الأكراد من ظلم وغبن وانتهاكات مستمرة، تجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية في أرضهم التي ترزح تحت السلطة التركية المتناقضة في أدائها السياسي والإنساني، فهي من جهة تزعم التزامها بثوابت وأعراف المجتمع الدولي، ومن جهة أخرى تمارس سياسة بلشفية يروح ضحيتها الآلاف من الأكراد الذين لا يمكنهم الخروج إلى الشوارع للتعبير عن مطالبهم وإلا ووجهوا بالرصاص الحي، في بلد تعلن ممارستها الديمقراطية وهي تبدو أبعد ما تكون عنها.
هناك ملف حقوقي ضخم يتكون من وقائع إنسانية مزعجة في المناطق الكردية، وللدولة التركية سجلات سوداء في تعقّب الأكراد وقياداتهم، ومن المؤسف أن يبقى عبدالله أوجلان في السجن حتى يتعرض لمزيد من الابتزاز في ظروف غير طبيعية من الاعتقال تؤكد الطبيعة الاستبدادية للنظام التركي ومساوماته غير الأخلاقية لمعارضيه، سواء كانوا أكرادا أو أتراكا.
فالطبيعة الحاسمة لمنهج تركيا المعاصرة هي الاستبداد الذي يتم تغليفه بهالة من التنظير الديمقراطي والإنساني، فيما في الواقع تبدو تركيا بعيدة عن هذين المسارين بحسب ما يجري في ديار بكر ومناطق الأكراد، وحتى في الداخل التركي كما حدث في ميدان تقسيم وتدخلات هذه الدولة في شؤون جيرانها بنحو عبثي. يُلاحق الأكراد لإبقائهم مبعثرين وبعيدين عن طموح الدولة الوطنية، وهذه جريمة ضد الإنسانية يمكن تكييفها حسب القانون الدولي بما يجعل تركيا في وضع جنائي سلبي يمارس سلوكيات تجاوزها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وقد آن الأوان للفصل في القضية الكردية بما يمنح الأكراد استفتاء للبقاء ضمن تركيا أو الخروج من عباءتها.
كاتبة سعودية