قانون مكافحة الكراهية
التهاني القلبية للإمارات العربية المتحدة لإقرارها هذا الأسبوع قانون مكافحة التمييز والكراهية. المنطقة بأسرها بحاجة لمبادرات تحض على الاعتدال في كل أمور الحياة من تصورات ومواقف، وتحرٍ متواصل وشفاف للصواب في التوجهات والاختيارات.
المملكة العربية السعودية اعتمدت في مارس 2014 قائمة للجماعات الإرهابية، وتشمل داعش والنصرة والإخوان وحزب الله السعودي والحوثيين وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب واليمن والعراق.
بمعنى آخر، السعودية تجرّم التعاطف أو تقديم أيّ من أشكال الدعم المادي أو المعنوي، لأي من هذه الجماعات الإرهابية، أو التواصل مع أي من هذه الجماعات المعادية للمملكة. كذلك جرّمت السعودية الانتماء للجماعات سواء كانت دينية أو فكرية متطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخليا أو إقليميا أو دوليا، أو تأييدها أو تبني فكرها.
واضح أن جذور الإرهاب تكمن في المناهج والمدارس والمخيمات والمنابر والإعلام. لهذا، أصبح من الضروري الحض على الوسطية كمنهج فكري وموقف أخلاقي وسلوكي، “جعلناكم أمة وسطا” سورة البقرة. ماهي آلية التخلص من تأثير خطاب الجماعات الإرهابية؟ الحل يكمن في الخطاب المناقض والمضاد الهادئ، والملاءمة بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر. الهدف تعرية تداعيات “الصحوة”، والتي أفضّل أن أطلق عليها “الغفوة”، التي تسعى منذ الثمانينات لإلغاء كل مظاهر الحداثة. أتمنى أن نحرص على الجوهر قبل الشكل، وعلى الباطن قبل الظاهر.
للأسف، عطّل مجلس الشورى منذ أسابيع قليلة مشروع قانون الوحدة الوطنية. التعليل لهذا التعطيل جاء من شقين كلاهما أكبر من الرقعة؛ الشق الأول أن النظام الأساسي للحكم يعالج المشكلة ويتضمن مادة تنص على حماية الوحدة الوطنية. أما الشق الثاني فهو عدم وجود فراغ تشريعي يستدعي وضع نظام خاص لحماية الوحدة الوطنية.
طبعاً التعليلان لا يمتان للواقع بصلة، وإلا فلا داعي لسن قوانين تنظم أمور حياتنا اليومية، بل ربما علينا شطب وإلغاء أكثر من 130 قانونا في الدولة لأن النظام الأساسي للحكم أتى على ذكرها. نحن بحاجة إلى اتخاذ المنهج الحكيم في سن الأنظمة والقوانين.
الملك سلمان بن عبدالعزيز حسم الأمر قائلا “إننا في السعودية نؤمن بالوسطية والاعتدال والتعددية والتنوع” ودعا لـ“نشر الخير والتسامح والمحبة والتراحم ونبذ العنف والإرهاب، والرفض التام للتصنيف المذهبي والطائفي إدراكا منا بمخاطره على اللحمة الوطنية”.
الحل الأمثل لحل الخلافات الفكرية التي دامت قرون عدة، وتحولت في أحيان كثيرة إلى حروب دموية، هي الوسطية والاعتراف بالتعددية. كيف؟ نحتاج للنقد الثقافي المتّزن للخطاب الديني السائد لفهم النصوص الجزئية للقرآن والسنة في ضوء مقاصدها الكلية، مع معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. نحتاج إلى خطاب هادئ مضاد لخطاب دغدغة عواطف الشباب بمحاولة إقناعهم بـ“أننا” نحن أمة الإسلام، و“الآخرون” كلهم كفار. الأولى التركيز على المبادئ الإسلامية والقيم الإنسانية، كالعدل والشورى والولاء للوطن وحقوق الإنسان.
أصل الخلاف بين الطوائف مسائل فقهية وفتاوى مذهبية مرتبطة بالفروع، أما الأصول والعقائد فهي واحدة. لا شك أن علماء كل طائفة لهم رأي مخالف في مسألة معيّنة تجعلهم يتعصّبون لطائفتهم. اتفق مع مقولة أن الطائفية ظاهرة دنيوية علمانية، وليست دينية أخروية وأن الطائفية صراع على الدنيا باستخدام أدوات الدين؛ صراع يتعلق بالتمثيل السياسي والمنافع الاقتصادية والحضور الاجتماعي والثقافي داخل الدولة. هل من الصعوبة الحرص على البناء والجمع والقرب عوضاً عن الهدم والتفريق والمباعدة؟
أتمنى أن نحتفظ بالثبات في الأهداف والمرونة في الوسائل، أتمنى ألا تكتفي السعودية والإمارات بتجريم المحرضين على الكراهية، بل البحث عن المشايخ المفتين والمخططين والمدربين والمدرسين والممولين والمتعاطفين وجلبهم أمام القضاء. أتمنى أن تتكرر مبادرة الإمارات في مكافحة التمييز والكراهية في جميع الدول العربية.
عضو جمعية الاقتصاد السعودية