مجازات كلبية
“أنت كالكلب” عبارة تصويرية دارجة على الألسن، ومحببة في قائمة الشتائم، في مختلف اللغات والثقافات، حتى في تلك التي تبجل الكلاب وتعاملها كأقليات عرقية، يجب احترام حقوقها، لكن العبارة ليست مغرية فقط لانطوائها على تشبيه مزرٍ، وإنما لاشتمالها على مماثلة مفتوحة بين كائنين يتشابهان في الكثير من الصفات والسجايا والمثالب والملامح، لهذا من الممكن أن نقول أيضا “ذلك الكلب كصاحبه”، و”تلك المرأة وكلبها يتماثلان، ويليق أحدهما بالآخر”…
والحال أنه يجب أن نأخذ مأخذ الجد تلك المعاشرة الطويلة التي نشأت بين الكلاب والبشر، واتخذت أبعادا رمزية كثيفة عبر الأزمنة والثقافات، حيث أنه بصرف النظر عن مضمون الصداقة الراسخة ثمة مشاعر يتحول فيها الرجال والنساء معا إلى كائنات كلبية، والكلاب إلى مخلوقات إنسانية، لهذا قد يبدو الإنسان في بيئات معينة بدون هوية، أو ناقصا، إن لم يكن كلبيا. يمكنك، عزيزي القارئ، مثلا أن تتجول في شوارع عواصم مجيدة كمدريد وباريس وروما ولندن وأمستردام وبروكسيل، رفقة عائلات إنسية/ كلبية، وأنت العربي وحدك دون كلب، بالتأكيد سينظر إليك باعتبارك غريبا حتى لو كان شعرك أشقر، وكنت غير سوي، وعدوانيا شيئا ما، وفي كل الأحوال لا تمتلك مشاعر نبيلة، فالوفاء والإخلاص والتضحية والنجدة والحب غير المغرض، مفردات مشتقة من مدونة الأحاسيس والرمزيات المسقطة على هذه الحيوانات اللطيفة التي تستعمل أسماؤها في الشتائم اللاسعة، كما أن الطبقات الاجتماعية، والسلوكات المرافقة لها، تنحو من زاوية معينة، لأن تتخذ لها استعارات كلبية، تجعل الطباع تُسقط على نوعية الكلب المصطفى والمعاشر، من صنف “الكانيش” المدلل والمتبجح، إلى “البيتبول” المجرم، مرورا بأنواع كلاب الحراسة والصيد والرياضة، وانتهاء بالكلاب الضالة والمتشردة الموبوءة والمدمنة على المزابل…
والحق أن الكلاب حظيت بتمثيلات كثيفة وبالغة التعقيد في الآداب والفنون، دعك طبعا من ذلك البيت القديم لعلي بن الجهم الذي يقول “أنت كالكلب في حفاظك للود/ وكالتيس في قراع الخطوب”، ودعك أيضا من المثل المعروف “القافلة تسير والكلاب تنبح”، الذي يزري بهذه الكائنات المحترمة، استحضر معي فيلم “هاتشي: حكاية كلب” للاس هالستروم، حيث تختصر الحياة في صحبة ودربة وتعوّد وأمل، ذلك ما تقوله مرافقة الكلب “هاتشي” لصديقه الأستاذ الجامعي صبيحة كل يوم حتى محطة القطار، وعودته لانتظاره مساء، إلى أن مات فجأة وتخلف عن موعد العودة، لكن الكلب استمر في موعده اليومي لعشر سنوات، لم يقل له أحد أن صاحبه مات، يعرف فقط أنه غادر المحطة وإليها سيعود.
كاتب من المغرب