الكونغرس أمام انعدام البدائل في ما يخص إيران
يكثّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطه على مجلس النواب الأميركي لرفض تمرير الاتفاق النووي مع إيران، مفضلا اتباع الحل العسكري، أي تدمير منشآت إيران النووية.
لكن الخيار الأخير غير مطروح بالنسبة إلى الإدارة الأميركية الحالية التي أوفدت وزير دفاعها أشتون كارتر إلى تل أبيب لا لدراسة الخيار العسكري وإنما لعرض المزيد من المساعدات العسكرية على إسرائيل وذلك كـ“تعويض” عن الاتفاق وعن تلاشي الخيارات البديلة.
من الواضح أن الطريق الذي سلكته الإدارة الأميركية في التعامل مع أزمة الملف النووي الإيراني كان انطلاقا من قاعدة أساسية يلخصها الشعار الأثير الذي رفعته إدارة أوباما منذ توليها مقاليد السلطة والذي يقول “لا حل عسكريا للأزمة”. ينطبق ذلك على كل الأزمات التي واجهتها أميركا، ولم يعكر صفاء هذا الشعار سوى بروز تنظيم داعش في سوريا والعراق والذي اضطر أوباما إلى التخلي عن تحفظه والدخول في حلول عسكرية بقيت جزئية لكنها لا تني تتوسع.
امتنعت أميركا وإسرائيل عن استخدام الخيار العسكري ضد إيران، وذلك بعكس ما جرى في التعامل مع الملف النووي العراقي. إذ لم تتردد أميركا وإسرائيل في قصف مفاعل تموز في العام 1981 رغم أنه كان مخصصا لأغراض سلمية حيث كان العلماء العراقيون قد تمكنوا في ذلك الوقت من تخصيب اليورانيوم من دون مساعدة تذكر من دول أجنبية.
لقد نجح الاتفاق النووي الأخير بكل تأكيد في كبح تطور البرنامج العلني النووي الإيراني وأعاده بضع خطوات إلى الوراء، لكنه ترك منشآتها النووية سليمة وفاعلة وقابلة للتطور في أي لحظة قادمة تختارها إيران، فضلا عن صعوبة التعامل مع أي برنامج سري يمكن أن تشرع به لاحقا. فالاتفاق لا يتضمن، تفتيشا دوليا من نوع “في أي وقت وفي كل مكان”، فهذا النوع من التفتيش لا تقبل به إلا دولة هزمت واستسلمت في الحرب، وهذا ليس حال إيران بكل تأكيد.
لكن بنود الاتفاق هي أفضل ما يمكن أن يتحقق بالنسبة إلى أميركا باستخدام وسائل ضغط غير عسكرية. إذ نادرا ما تنجح العقوبات الاقتصادية في تغيير المواقف السياسية للدول الأوتوقراطية. والأقل ندرة هي أن تدفعها إلى التنازل عن برامج أمنية مخصصة لحماية نظامها التسلطي وطغمته الحاكمة كما هو حال البرنامج النووي الإيراني.
التطلع لتحقيق نتائج أفضل يتطلب تدخّلا عسكريا كبيرا لا يمكن أن يجري إلا بموافقة ومشاركة الولايات المتحدة الأميركية التي تحجم حاليا عن الدخول في مغامرات عسكرية جديدة. وهذا ما يفسر الموقف الإسرائيلي المعارض للاتفاق بعناد شديد. إذ يعرف نتنياهو بأن السبيل الوحيد لتخليص دولته المحتلة والمهددة في وجودها من كابوس امتلاك إيران “المعادية” لقنبلة نووية هو تدمير منشآتها بصورة كاملة من خلال عملية عسكرية.
ورغم تهديده المتواصل بأن جيشه سوف يتحرك ليحمي “مصالح إسرائيل” بمعزل عن “التقاعس” الأميركي، لكنه لا يجرؤ على تنفيذ تهديداته. ولا يتعلق الأمر فقط بالتزامه بالمسار الذي اختارته الإدارة الأميركية للتعامل مع إيران، ولكن أيضا بعدم قدرته على تنفيذ عمل عسكري دون مشاركة أميركية.
لقد تطورت قدرات إيران العسكرية بشكل عام والصاروخية بشكل خاص في العقد الماضي، وباتت تمتلك وسائل موجعة للرد على أي تدخل عسكري ضدها. كما أن الصفقة الروسية لتسليمها صواريخ “أس 300” للدفاع الجوي باتت أمرا واقعا وهو ما يعزز قدرات الردع لديها.
وحسب الخبراء العسكريين، فإن أي عمل عسكري ضد إيران يجب أن يكون مفاجئا وواسع النطاق بحيث يشارك فيه أسطول طائرات أضخم بما لا يقاس من إمكانيات إسرائيل وحتى مع مساعدة بضعة دول حليفة لها. يحتاج الأمر إلى مشاركة أميركية تستخدم فيها الطاقة القصوى لأسطولها الجوي والبحري لإحداث تدمير سريع يخفف من آثار رد الفعل الإيراني.
ليست أميركا جاهزة اليوم للدخول في مثل تلك المغامرة العسكرية، فهي مشغولة أكثر بتخفيض نشاطها العسكري. من جهة أخرى، بات التعاون الأميركي- الإيراني خلال السنوات الماضية في العراق وأفغانستان وثيقا وحاسما في ضمان مصالح الولايات المتحدة هناك، وقد زادت وتيرة التعاون اليوم مع بروز تنظيم داعش.
وأخيرا، ربما علينا وضع العداء الأميركي- الإيراني على طاولة البحث. فهل تريد أميركا تدمير إيران فعلا؟ وهل تشكل إيران خطرا حقيقيا على مصالح أميركا وإسرائيل؟
الواقع يشير إلى أن إيران من دون قنبلة نووية لا تشكّل خطرا كبيرا على مصالح “أعدائها”، وكذلك الحال مع أدواتها في المنطقة، ويمكن تذكر كيف جرى تجميد خطر حزب الله بسهولة نسبية من خلال حرب قصيرة على لبنان في العام 2006 استمرت شهرا واحدا وانتهت باتفاق يضع حدا لـ“مقاومة” الحزب التابع لإيران.
إن وجود إيران الخمينية يبدو مفيدا من المنظور الأميركي- الإسرائيلي، فهو يخدم تأجيج الصراع السني- الشيعي في المنطقة، وإشعال حروب ومناوشات طائفية لا تنتهي، فضلا عن استمرار “تهديد” دول الخليج العربي بعد أن تم التخلص من الرئيس العراقي السابق صدام حسين والذي كان يلعب دورا مماثلا.
كاتب فلسطيني سوري