مالكي العراق يهرب إلى السعودية
وصل العراق إلى مرحلته الراهنة من التشظّي والتفتت بسبب الحكومات العراقية التي لم تحسن التعامل مع الدولة خلال الخروج الأميركي وبعده. وعمل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي تحديدا على تعميق الانقسام العراقي وإزهاق الدولة بشكل منهجي يجعله وحده بغض النظر عن أخطاء الآخرين يتحمل المسؤولية الكاملة في وصول بلاده إلى ما تعانيه من انهيار وموت رخيص في كل مكان بالعراق.
المالكي سياسي فاشل اتجه باستقرار بلاده إلى الهاوية، فهو يبدو متعجرفا وعنيدا، ولا يجيد التفكير السياسي بصورة واقعية ومتوازنة، لذلك اعتمد على ترسيخ الطائفية لمقاومة مظاهر الانقسام ومواجهة التحديات التي لم يستطع مواجهتها بالحكمة السياسية وهو يقود بلدا خرج من احتلال انتهى إلى تقسيم جغرافي لمكوناته العرقيـة والمذهبية، وبدلا من السعي لمحاصرة أسباب التفرق والتقسيم اتجه دون وعي منه إلى تأكيد ذلك التقسيم.
|
ويبدو أن قدر العراقيين مع المالكي مستمر، فهو، وإن غادر رئاسة الوزراء التي فشل فيها، عاد إليهم نائبا لرئيس الجمهورية ليمارس ذات الصلف وعدم الحكمة وإساءة تقدير الأمور بصورة صحيحة، فعمليا لا يوجد سياسي يفتقد الحد الأدنى من الكيـاسة والدبلومـاسية فيما يقول ويفعل.
ولكن المالكي كذلك، حيث لا يتورع أو يتردد في مهاجمة أي دولة أو أي مسؤول أو أي شخص بتجاهل تام لما يمثله بالنسبة إلى الدولة العراقية، وكأنه يتعامل ويتصرف في إطار شخصي بحت.
لا يقرأ المالكي، وهو نائب رئيس الجمهورية العراقية، الأوضاع من حوله بذكاء، ولا يكتسب جديدا يرتفع بخطابه السياسي إلى مستوى المسؤولية وأنه يمثل دولة وليس نفسه، ويمكن استشفاف ذلك ببساطة مما طفح به مؤخرا في تصريحاته التي اعتبر فيها السعودية، مهدا للإرهاب والتطرف، وداعيا إلى وضعها تحت الوصاية الدولية.
ليس من عاقل يتجرأ على السعودية بهذا النحو غير اللائق، وفي الواقع فإنه فيما ذهب إليه المالكي في تصريحاته يتجاهل كثيرا من الأدبيات السياسية والتاريخية التي تشمل الجوار والروابط العربية والإسلامية والإنسانية.
وإذا فشل نائب الرئيس في السيطرة على الأوضاع في بلاده فمن المعيب تحميل غيره مسؤولية فشله، لأن مهاجمة السعودية بمثابة هروب إلى الأمام من جانبه، وذلك يمثّل إساءة بالغة لدولة جارة تتمتع بكل الحقوق الأممية التي تضع حدا لمثل هذه التصريحات غير المتماشية مع الأخلاق والأعراف السياسية.
وقد أفرط نوري المالكي في إظهار نفسه بمظهر السياسي العاجز عن حل مشكلات بلاده ما أدخله، وهو يتحدث، في محيط واسع من التناقضات، حيث اعتبر السعودية غير قادرة على ضبط التوجه التكفيري، وما يستتبع ذلك من أعمال إرهابية، فيما في الواقع هو الذي يعجز عن ضبط النشاط الإرهابي في العراق والذي يتنامى بسبب طائفيته وتقسيم العراقيين، بدليل سلامة المناطق الكردية التي تقبع تحت سيطرة الأكراد من الفوضى الإرهابية التي تضرب بقية البـلاد، فلماذا لم يبـادر الأكراد إلى اتهام أي دولة بدعم الإرهاب؟ لأنهم لا يعانون من فوضى سياسية وسياسات طائفية، وليسوا عاجزين عن إدارة إقليمهم ويتحملون مسؤولياتهم السياسية والأمنية كاملة ولا حاجة لهم إلى إلقاء اللوم على آخرين.
والحصيلة في مـا وصل إليه نوري المالكي أن الدولة العراقية ليست بخير، وتعاني إخفاقا في أدائها السياسي لن ينتهي بها إلا وهي في خضم فوضى كاملة ومستمرة، وتمدد لكل إرهابيي ومتطرفي المنطقة فيها، لأن أمر العراق ليس بيد مؤهلين، يتحدثون ويسيئون أكثر مما يفعلون ولا يحسنون التصرف أو يلتزمون الكياسة والحكمة، إنما يفتقدون إلى الاتزان والتوازن، قولا وعملا، فلك الله يا عراق التاريخ والمجد.
كاتبة سعودية