محنة الكتابة
حين كنت أحاول تشخيص المتاهة الكبيرة التي يجد الكاتب نفسه داخلها، في البلدان العربية، في ما يتعلق بحقوقه، والقوانين المحصنة لها، كنت أستبدل بحرف “الهاء” “حاء” في كلمة “مهنة” المسندة إلى “الكتابة”، ذلك أنه يجدر الحديث، على الدوام، عن “محنة الكتابة” لا “مهنة الكتابة”، بالنظر إلى خسائرها المادية والمعنوية، وما تفضي إليه من كروب ومآس، قد تبدأ بالإملاق وقد تصل إلى السجن والتصفية أحيانا.
قبل سنوات وقعت لي حادثة طريفة تستحق أن تروى، تتصل بمجلة ثقافية من تلك التي تكاثرت كالفطر، بأغلفتها الصقيلة، والكتاب المجاني الذي يصحبها، استكتبني رئيس تحريرها للمساهمة بمادة نقدية ضمن ملف خاص، أنجزت المطلوب وبعثت به إليه، فنشر بعد أمد قصير، لكن المقابل المادي، للمادة المنشورة، تم التغاضي عنه، فكان أن نسيت الأمر، إذ سبق أن تكرر ذلك مرات عديدة معي، وهو ليس بشيء جديد على العموم في السياق العربي، إلى أن تغير رئيس التحرير في تلك المطبوعة، وإذا بي أتوصل ذات يوم بإشعار يطلب مني إرسال عنواني البريدي لتسوية ما بذمة المجلة في حقي، أرسلت المطلوب، لأتوصل بعد شهر بشيك يصرف في بنك بالولايات المتحدة الأميركية، قلت في نفسي لعل في الأمر حكمة فالبلدان العربية غير مأمونة بتاتا كي تودع مجلات محترمة أجور كتابها في بنوكها المهددة، دفعت الشيك للبنك المغربي الذي أتعامل معه، ليحول المبلغ لحسابي، وأخذت وصلا عنه، وانصرفت. وكان أن وضعت الوصل مع أوراق سيارتي، صحبة رخصة السياقة والتأمين والضريبة وغيرها، ونسيت الأمر.
ذات يوم وأنا في حضرة الدركي المحترم الذي أوقفني عند منعطف في الطريق، لتجاوزي السرعة المسموح بها، حيث أفردت له أوراق سيارتي، إذا بالوصل يطل عليّ، لقد كانت مفاجأة، وسرعان ما لاحظ الدركي انقلاب مزاجي نحو اللين والدعابة، بعد تأفف ملحوظ، ذهبت مباشرة بعد تحرير المخالفة وأدائها للبنك، وقدمت الوصل إلى المسؤول مذكرا إياه بالمدة الطويلة التي مضت دون تحويله، راجع الحاسوب عدة مرات وأكد أن المبلغ لم يدخل حسابي فعلا، اعتذر مني للحظة ليعود بعد انتظار غير هين مع مدير الفرع، كان الارتباك باد على محيّا الموظفين معا، وبعد عبارات مجاملة لا معنى لها، قال لي السيد المدير أن ثمة خطأ وقع، لا يعرفان سببه، حيث إن الشيك ضاع من المؤسسة، ولم يتوصل به البنك الأميركي، وأنه متأسف على ما جرى، وأن ليس لديه ما يفعل في مثل هذه الواقعة، لأن تعويض الزبائن في كل الحالات يكون بناء على حكم محكمة، ومن ثم فإنه يتوجب عليّ -لتحصيل المبلغ الضائع الذي هو في الأصل أجر متأخر لسنوات عن مقال كتبته في قديم الزمان- رفع دعوة مستعجلة أمام أقرب محكمة ابتدائية إلى سكني، ضدّ المؤسسة البنكية، والله ولي التوفيق والسداد.
كاتب من المغرب