التوافق حول الملف النووي الإيراني في النقاش الإسرائيلي

الاثنين 2015/07/20

لم يشكّل التوافق على حل توافقي للملف النووي الإيراني مفاجأة لإسرائيل، لكنه لم يكن سارا ولا مريحا بالنسبة إليها، ليس من الناحية الأمنية المستقبلية، فحسب، وإنما من نواح أخرى سياسية وإستراتيجية مفادها أن إسرائيل لم تعد تتمتع بذات المكانة التي كانت لها سابقا، لدى الحلفاء الدوليين، ولاسيما الولايات المتحدة، وبخاصة أن هؤلاء لم يصغوا لما تريده ولم يأخذوا مصالحها في الاعتبار.

فوق كل ذلك فإن نتنياهو وأركان حكومته، تعاملوا مع هذا الأمر وكأنهم خسروا معركتهم مع إدارة باراك أوباما أمام المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي، ما يفسر حالة الغضب التي انتابتهم جراء ذلك.

على ذلك، فقد بدا طبيعيا أن يذهب نتنياهو وقادة إسرائيل من المتحالفين معه، نحو التشكيك بالاتفاق ومهاجمته ووضع التحفّظات عليه، والتحذير من الركون لنوايا إيران، وسعيها إلى امتلاك قدرات نووية عسكرية، بحيث أن أول بيان مقتضب لنتنياهو أكد أن “العالم بات اليوم مكانا محفوفا بالمخاطر أكثر مما كان عليه بالأمس، وأن القوى الدولية الكبرى راهنت بمستقبلنا الجماعي على اتفاق مع أهم راع للإرهاب الدولي…”.(عاموس هريئيل هآرتس).

وعموما فقد عكس كتّاب الصحف الإسرائيلية هذا الموقف على نحو أكثر دقة، وبحسب أري شبيط، ثمة عدة أسباب للقلق الإسرائيلي “السبب الأول أن الإنجاز الإستراتيجي المهم لإسرائيل في نصف القرن الأخير كان وجود احتكار ديمونة… إذا تبيّن أن فرص فيينا ضبابية، الشرق الأوسط سيكون شرق أوسط سيّئا، ومستقبل إسرائيل سيلفه ظلام. السبب الثاني هو ازدياد القوة التقليدية. يوجد لدى إيران دمج صناعي أمني… وضخ عشرات المليارات من الدولارات إلى مختبرات البحث والتطوير… من شأنها إعادة ما غاب عن حياتنا قبل ثلاثين عاما: تهديد تقليدي نصف وجودي. السبب الثالث هو السيطرة الإقليمية. في السنوات الأربع الأخيرة انهارت دول عربية قومية… لقد انهار النظام البالي الذي منح الشرق الأوسط عقودا من الاستقرار النسبي. استغلت إيران الفوضى العربية لصالحها، فسيطرت على بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.

والشرعية التي يمنحها لها اتفاق فيينا، ستُمكنها من مضاعفة الانتصار وفرض ختمها على الشرق الأوسط. السبب الرابع هو غياب الثمن القيمي. مصادر مؤيّدة لإسرائيل في واشنطن تحدثت مؤخرا عن ضرورة اعتراف إيران بإسرائيل، حصلت إيران على إنقاذ اقتصادي وشرعية دولية، وهي لا يُطلب منها تفكيك البنية النووية والبنية الأيديولوجية الخاصة بها، وهذا يثير الخوف مما سيحدث في الأيام القادمة. السبب الخامس.. من وجهة نظر أميركية وأوروبية فإن الاتفاق هو مصالحة وسلام: النتيجة المرجوة هي اعتدال إيران وعدم حصولها على السلاح النووي وانضمامها إلى أسرة الشعوب، لكن التجربة تقول إن هناك هوة سحيقة بين فهم الولايات المتحدة وأوروبا للشرق الأوسط وبين فهم الشرق الأوسط لنفسه”. (“هآرتس”، 16/7)

أما جدعون ليفي، المعروف بانتقاداته اللاذعة للسياسات الإسرائيلية، فذهب نحو مسار مغاير، فبرأيه، أن “يوم التوقيع على الاتفاق مع إيران كان يجب أن يكون يوم عيد، عيد منع الحرب القادمة، كيف ستفرح دولة (تزعم أنها توجد في خطر وجودي) إذا لم تفرح بفرصة منع الحرب؟ لكن يتبيّن أن فرصة منع الحرب في إسرائيل هي بحد ذاتها كارثة.

تتوق إسرائيل إلى رؤية الطائرات الحربية تقلع فجرا، تقصف وتقصف…كم تمنى بنيامين نتنياهو وأبواقه الكثيرة هذا الأمر في وسائل الإعلام، القصف، ويفضل أن يكون القصف من الأميركيين، لكن يمكن أيضا أن يقوم به الإسرائيليون…تعودنا على التفكير بأن كل شيء يتم بالقوة، فقط بالقوة… هكذا تكون الحال حينما تعيش دولة على السيف” (“هآرتس”، 16/7).

ومن جهته فإن تسفي بارئيل ذهب نحو طرح تساؤلات من نوع: “هل هذا الاتفاق هو مقدمة لعلاقات جديدة بين إيران والغرب، أم أنه ليس أكثر من مجرد اتفاق تقني، وأوامر استخدام لا يرافقها حلم مستقبلي؟ هل تتحول إيـران، من الآن، إلى شريكة شرعية في إدارة الصراعات الإقليمية والدولية، أم أنها ستستمر كعدو يحاول السيطرة على الشرق الأوسط؟ هل يمنح الاتفاق دفعة للإصلاحيين والليبراليين في إيران…أم أنه سيعزز تصميم النظام على رؤية الاتفاق برهانا على صمود وقوة روح الثورة؟” (“هآرتس”، 15/7).

وفي الواقع فإن أكثر ما يهم إسرائيل هو الحفاظ على أمنها، وضمنه احتكار التسلّح النووي في المنطقة، وأيضا الحفاظ على مكانتها بالبقاء الدولة الوحيدة التي تمثل المصالح الغربية في المنطقة، وهي في هاتين النقطتين باتت في موضع شك، ولا يمكنها أن تغـض النظـر عمّا يحصل أو ما قد يحصل.

هكذا فإن كل شيء بات يتوقف على حقيقة النوايا الإيرانية، وعلى ما تفعله أو ما لا تفعله الدول الكبرى إزاء أي خلل، أو إزاء أي نكوص إيراني عن الاتفاق الحاصل، ويبدو أن إسرائيل معنيّة بالتهيؤ لكل الاحتمالات. في الغضون يبقى الصوت الأقل حضورا، في هذا الأمر، هو الصوت العربي.

كاتب سياسي فلسطيني

8