المخدرات تستهدف "الأمن العقلي" لشباب الخليج
بين المخدرات والجنون شعرة، ففي كليهما ذهاب للعقل، وحين يذهب ذلك العقل يمكن تصوّر كيف يكون التخبط والارتباك في المسارات الاجتماعية والتنموية في أي مجتمع، فهذه الآفة التي تستهدف جيل الشباب تحديدا تحرم الأوطان من رصيد بشري بجريمة اغتيال جنائية وتنموية، وذلك للأسف أصبح يدخل في نطاق الحروب الحديثة، بتوجيه المخدرات وتوظيفها لأغراض تدمير المجتمعات من خلال نشرها بالتهريب والاتجار.
حصول الشباب الخليجي على المخدرات ليس له ما يبرره سوى الترف والرفاهية، فهم بسهولة يمكنهم الحصول على الأموال التي يشترون بها هذه السموم التي تشعرهم بنشوة زائفة تنتهي بهم ضحايا للحظات من المتعة غير الحقيقية، فيفقدون أنفسهم ويجعلون أسرهم ومجتمعاتهم وأوطانهم تفقد فلذات أكبادها أو ضياع عقولها، فتتعطل الطموحات الوطنية لأن الشباب يستغرقون أنفسهم في ملذات قاتلة.
الجهات المعنية بمكافحة المخدرات في جميع دول الخليج تبذل جهودا كبيرة للسيطرة على الأمن العقلي، إن جاز التعبير، للشباب، ولكن ذلك في الواقع يتطلب جهدا اجتماعيا موازيا، ولا حرج مطلقا في التبليغ عن وجود ابن أو أخ أو زوج يعجز عن معالجة إدمانه للمخدرات، ففي بداية الأمر يتم التعامل وديا وفي طور الكتمان حتى انجلاء الغمة، فإن لم يحدث ذلك فلا مبرر لمواصلة الكتمان لأنه يصبح ضارا بالفرد والأسرة والوطن بأسره.
اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات بالمملكة العربية السعودية تشير إلى أن 70 بالمئة من المتصلين على الهاتف المباشر لاستقبال البلاغات من النساء سواء كن أمهات أو زوجات، يردن الإبلاغ عن ذويهن من أجل مساعدتهم للتعافي من الإدمان، وذلك منطقي لأنهن لا يحتملن انهيار هؤلاء الأقارب الذين يفترض أنهن يعتمدن عليهم في حياتهن، ومن الناحية النفسية فإنهن يألمن لأوضاع ذويهن فيضطررن إلى المبادرة إلى الجهات المعنية لمساعدة الضحايا.
غير أن المثير للقلق في تلك الطلبات هو أن اللجنة تستقبل كل أسبوع ثلاثة طلبات علاج من الإدمان عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، وفي تقديري أن الرقم كبير نسبيا ويعكس صورة مأساوية لتغلغل المخدرات في وسطنا الاجتماعي، وذلك إذا افترضنا أن هناك كثيرات وكثيرين يترددون أو يتأخرون في التبليغ خوفا من الحرج أو أملا في أن يتعافى المدمن، ثم لا يحصل ذلك فيكون آخر العلاج الكي.
من المهم والضروري أن يساعد المجتمع الجهات المختصة في المكافحة والتقليل من الأضرار الناتجة عن تعاطي هذه السموم القاتلة، فأوطاننا مستهدفة سواء بشكل أمني أو مالي، حتى لا نجعلها مرتعا لمهربي المخدرات وتجارها، فنخسر أرواح بريئة في ريعان شبابها وتخرج من دائرة الأمل في بناء وطنها، والاستهداف حقيقي وليس مجرد استهلاك وقائي.
ونحن أمام تحد يكبر ولا يصغر، فإما أن نعمل بيد واحدة أو تفترق الأيادي ويضيع الشباب والمستقبل في عوالم الزيف التي تنسجها نشوة التخدير، ومن بعدها الهاوية أو المقبرة، والأمل في أن تكثف تلك الجهات نشاطها من أجل دمج المجتمع أكثر وإكسابه الفعالية في التعامل مع أي حالة تعاط أو اتجار دون تردد، فمعظم النار من مستصغر الشرر والاستهانة بالحالات التي تتعرض للاختراق في سلوكياتها، بل واستشعار ذلك منذ أول تغيير غير طبيعي في سلوك الشاب ونشاطه، ولتكن النظرة إلى ذلك من قبيل أنه تعرض لتضليل من رفاق أو أفراد عارضين ومستجدين في حياته سواء من خلال المواقع الاجتماعية أو خارج المنزل، ومن الخطأ إهماله وكأنه ليس به شيء، فذلك أشبه بالمساعدة برميه في التهلكة بدلا من إنقاذه، والوضع أشبه بالسرطان الذي يمكن في بدايته علاجه، أما إذا انتشر الورم فمن الصعب اللحاق به والتخلص منه.