من يتحمل مسؤولية القتل في دولنا العربية

الأربعاء 2015/07/01

حين شمل الإرهاب كل الحياة الجزائرية خلال سنوات الدم، حاولت قوى سياسية محليّة مدعومة بوجهات نظر ومواقف دولية واسعة تبرئة ذمتها مما يحدث، وتحميل أوزار تلك الحرب القذرة للجيش الجزائري. ولأنها لم تكن قادرة على النزول إلى الميدان ومواجهة الجماعات الإجرامية، فقد لجأت إلى أسلوب التشكيك من خلال طرح السؤال التالي: من يقتل من؟

لقد كانت القوى الداخلية السياسية -الإسلامية خاصة - والدول الأجنبية تعرف حسب معلومات وبـأدلة قاطعة ما تقوم به تلك الجماعات، كما كانت تعرف الأخطاء -غير المقصودة- من المؤسسة العسكرية الحامية للبلاد في ذلك الوقت نتيجة حربها الحاسمة ضد الإرهاب… اليوم يعود السؤال ليشمل جميع الدول العربية، بل ودول العالم الداعمة للإرهاب بأشكال مختلفة، لكن بصيغة أخرى، وهي: من يتحمّل مسؤولية القتل المتواصل في دولنا العربية من الخليج إلى المحيط؟

الكثير من صنّاع القرار، ومعهم فريق واسع من النُّخب المُثقّفة وغالبية من الشعوب العربية، يرون أن الجماعات الإرهابية تتحمّل مسؤولية بحور الدماء التي سنغرق فيها جميعا، ولذلك يُؤكّدون على أن تغيير الواقع الرّاهن يتطلب القضاء على تلك الجماعات، وهو أمر مطلوب وضروري، ونهاية حتمية لا مفر منها لأن تلك الجماعات ستقتل كل من يخالفها حتى لو التزم الحياد ونأى بنفسه بعيدا، أو جنح للسلم، غير أن هذا ليس كافٍ لأن طرق مواجهة تلك الجماعات مختلفة بين الدول العربية، وتحمل كثيرا من الضبابية تصل أحيانا إلى درجة السفاهة، خلفيتها الأساسية تتعلق بعدم الاتفاق حول الإرهاب، حتى أننا نختلف في طريقة الإدانة للجماعة الإرهابية الواحدة، من ذلك على سبيل المثال موقفنا من الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا وليبيا.

ففي الوقت الذي تتّخذ بعض الدول العربية موقفا حازما من إرهاب داعش في العراق، نرى موقف الدول نفسها من نفس التنظيم في سوريا مختلفا، حيث يتميز بالتحفظ بل وبالدعم من بعض الدول، وكذلك الحال بالنسبة إلى ليبيا، حيث لا يتم الوقوف ضد التنظيم بنفس الشدة التي تتم في دول عربية أخرى، ومن خلال التناقض الخفي والظاهر في المواقف تنمو الجماعات وتتمدد.

على الصعيد الإعلامي نلاحظ التمييز والتحيّز في تغطية وقائع العمليات الإرهابية في دول عربية على حساب أخرى، وكأن الإرهاب متحفظ عليه هنا، ومرفوض في المطلق هناك، ما يعني أن النظرة مختلفة، وهو ما يسّهل تمدد الإرهاب وانتشاره في كل الدول العربية، رغم وجود اعتقاد وهمي لدى البعض بأن الإرهاب لن يطال دولا عربية بعينها، وكأنها ليست جزءا من عالم يسود فيه الإرهاب، لأن القوى التي تدعمه ترى في وجوده حاجة آنية لتحقيق إستراتيجة عامة، حتى لو تمرّد بعض عناصره على رُعاته الأوائل.

من المسؤول إذن مادامت المواجهة مصيرنا الحتمي؟ جميع القوى في الدول العربية، محليا وقوميا، تتحمل المسؤولية، وعليها الخروج من صمتها لجهة تقييم، بل وتقويم، مسار الحركة في مجتمعاتها، إذ لم يعد مقبولا بعد الذي حصل في الكويت تأجيج الصراع السني-الشيعي، كما لم تعد القرارات الصادرة من صانعي القرار مقبولة ما لم تمر عبر استفتاء من طرف الشعب بعد الذي حدث في تونس، حيث هناك جماعات إرهابية تستغل مسألة القيم في رمضان لتبرر إجرامها، وأيضا البحث في كيفية للخروج من عمق الأزمة السياسية في مصر بعد الحادث الأخير والخاص باغتيال النائب العام.

إذا جاز لنا تحليل ما حدث خلال الأيام الثلاثة الماضية فيمكن القول، إن الإرهاب آخذ في الاتساع من خلال مساهمة عناصر عابرة لحدود الدولة القُطْرية أولا، وتحظى بدعم مجتمعي ولو على نطاق ضيق ثانيا، ويرى فيها البعض بديلا عن سلطة الدولة ثالثا، وخلفية كل هذا نابعة من الاختلاف مع الآخر الداخلي -وليس الخارجي- الآخر المذهبي، والسلطوي، والقضائي، وهذا الاختلاف لا يمكن الوصول فيه إلى نتائج تذكر من خلال المقاربة الأمنية وحدها.

هي الحرب إذن من نظرنا، والحرب تأتي بعد فشل كل محاولات التفاوض والسلم، وهدفها، بلا شك، هو الوصول إلى السلم المجتمعي وأمان الأوطان، لكن الجماعات الإرهابية ترى فيها إثبات وجود ورفضا للدول والمجتعات، وهي بذلك تحقق الفساد في الأرض، وتعمق الفتنة التي هي أكبر من القتل. وللخروج من هذه الفتنة لا بد من مشاركة الجميع ليس فقط في مواجهة الإرهاب، وإنما وبشكل مباشر في صناعة القرارات والسياسات والمواقف وكل الإستراتيجيات الخاصة بتلك المواجهة، ولأنها حرب على الأرض العربية، فالنصر فيها يمثل المصير المستقبلي.

من ناحية أخرى، فإن تحمل المسؤولية يحدد مصير المواجهة، ليس فقط لأن الفتنة عمّت كل دولنا العربية -بدرجات متفاوتة- وإنما لأننا لا نملك خيارا بديلا، فالجماعات الإرهابية فرضت علينا واقعا مؤلما لا يميز بين القادة والشعوب، ولا عامة الناس والنخب المثقفة، وبناء عليه فإننا جميعا نتحمل مسؤولية الدفاع عن دولنا وشعوبنا من الهجمة البربرية. صحيح أن الطريق طويل وشاق وشائك، ولكن لا بد من السير فيه إلى نهايته، لأن ذلك هو الحل الوحيد لإنقاذ الحاضر والمستقبل.

كاتب وصحفي جزائري

8