الشيخ والمريد

الأربعاء 2015/07/01

في كتابه الشهير “الشيخ والمريد”، سعى الأنثروبولوجي المغربي عبدالله حمودي إلى بناء تصور عن النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية، عبر رصد تمظهراتها في مؤسسات الحزب والنقابة، وفي مجتمعات الفلاحين والحرفيين، لكن أهم تجل لها ذاك الذي برز في الحقل الجامعي، حيث انبنت العلاقة التعليمية على أواصر الولاء والخدمة، للشيوخ والمعلمين وكبار السن والأقدم في الانتساب إلى الشعب والأقسام. وجدير بالذكر، في هذا السياق، عزيزي القارئ، أن الطلبة كانوا ملزمين بالخدمة في حقول شيوخهم عبر جمع محاصيل القمح والزيت والتين وغيرها، وكانت الخدمة تشكل بديلا على الأجر، الذي لم يكن يتقاضاه الشيخ.

والحق أن هذه العلاقات الأبوية كانت قد بدأت في الانحسار عن الجامعة المغربية، في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حيث أن انتشار الفكر النقدي، والفلسفات المعاصرة الناهلة من تراث ماركس وفرويد ونيتشه، والعقائد السياسية اليسارية، جعل فكرة “الشيخ والمريد” تتوارى إلى زوايا معتمة في المجتمع الأكاديمي.

لكن الانتكاسة التي شهدتها الجامعة المغربية، مطلع التسعينات من القرن الماضي، سرعان ما فسحت المجال لعودة مظاهر الولاء والنفاق المتصلة بنموذج “الشيخ والمريد”، وهكذا ظهرت للوجود تدريجيا في العقد الأول من الألفية الجديدة شريحة من الطلاب، لا تهمّهم المعرفة ولا القيم الأخلاقية المتصلة بها، بقدر ما تهمّهم المنافع المتأتية منها، أي تحصيل أعلى الدرجات بأقل مجهود؛ ولبلوغ ذلك لا بأس من الالتفاف حول بعض الأساتذة ممن لهم سلطة بحكم الأقدمية في الشعب والكليات، وتقديم خدمات لهم، عبر الترويج لما يدبجونه من كتب ومقالات تعليمية في المواقع والصحف، وصناعة أكاذيب حول إنجازاتهم العلمية، وإشهارها عبر الشبكات الاجتماعية، ثم تنظيم لقاءات لبيع وتوقيع منشوراتهم هنا وهناك، يحضرها في الغالب هؤلاء الطلبة أنفسهم، ولا بأس من تلفيق حفلات تكريم، بين فينة وأخرى، لبعض هؤلاء الشيوخ الأجلاء، لرشوتهم بالهدايا النقدية والعينية، والتقاط صور معهم حول موائد الطعام، تمهيدا لاستشارتهم في اختصار بعض الفصول من بحوث الماستر أو الدكتوراه وتقديم مواعيد مناقشتها.

بالطبع لا يتحمل هؤلاء الطلبة غير الموهوبين، وحدهم، وزر هذه الجريمة الموصوفة في حق المجتمع والمعرفة، إذ يتحمل الشطر الأعظم منها أولائك الشيوخ الأفاقين المتطلعين إلى خلق دائرة واسعة من المريدين ممن يقدمون خدمات مجانية، وييسرون جني المنافع المادية والرمزية… والشيء الأكيد أن أغلب هؤلاء الأساتذة الأفاضل يعرفون حجم الخواء الذي عليه طلبتهم، كما يدركون جيدا مقاصدهم غير النزيهة، بيد أنهم يستمرئون الانغمار في اللعبة، وتصديقها، لأنهم في النهاية مطمئنون إلى أن هذه الحكاية الهزلية ستنتهي يوما ما، بمجرد استلام الطلبة الشطار لشهادات التخرج الجوفاء.

كاتب من المغرب

15