ريبيري يستحضر نهاية فان باستن

الأحد 2015/06/28

“أحب لعب كرة القدم، لكن كل شيء انتهى”.. هكذا كانت عبارات اللاعب الأسطورة في تاريخ الكرة الهولندية ماركو فان باستن، بعد أن تأكد رسميا من عدم قدرته على العودة مجددا إلى الملاعب.

كانت عيناه تدمعان في تلك اللحظات التي أعلن خلالها لجميع محبيه أن وقت الاعتزال قد حان رغم صغر سنه، فمشيئة هذه اللعبة وقواعدها فرضت عليه أن يودع الملاعب في سن مبكرة بعد أن أنهكته الإصابات كثيرا.

اليوم وبعد عشرين سنة بالتمام والكمال، قد تتكرر فصول هذه القصة مع لاعب آخر كان بدوره أحد أبرع اللاعبين وأفضلهم في العالم، بيد أن لعنة إصابة فان باستن ضربته لتبقيه بعيدا منذ زمن طويل عن الملاعب، وهو يكابد حاليا من أجل التغلب على هذه اللعنة، إنه الفرنسي فرانك ريبيري لاعب نادي بايرن ميونخ الألماني.

قصة اللاعبيْن تبدو إلى حد كبير متشابهة، فالهولندي فان باستن انطلقت مسيرته من محطة نادي أياكس أمستردام قبل أن يستقل قطار ميلان الإيطالي الذي عرف معه سنوات المجد والتتويجات القارية والمحلية، وتذوق مع المنتخب الهولندي طعم الانتصارات فرفع عاليا لقب أمم أوروبا سنة 1988.

فان باستن برع منذ الصغر وكان من أبرز لاعبي جيله سواء مع المنتخب الهولندي أو مع ناديه ميلان الذي ضم آنذاك كتيبة هولندية مرعبة، تتألف من الثالوث فان باستن وغوليت وريكارد، بيد أن سنة 1992 كانت بمثابة الإعلان الأولي عن اقتراب نهاية هذه الأسطورة الخالدة.

فماركو تعرض لإصابة حادة وهو في سن الثامنة والعشرين، هذه الإصابة أجبرته الابتعاد عن الملاعب لفترة طويلة للغاية، ليبقى بعد ذلك لمدة ثلاث سنوات وهو يعاني الإصابة تلو الأخرى قبل أن يستسلم في نهاية المطاف، ويعلن سنة 1995 أنه لم يعدا قادرا على اللعب مرة أخرى، ليصدم عشاقه ومحبيه خاصة وأن لحظة الوداع والاعتزال كانت مؤثرة للغاية، لتخسر ملاعب الكرة العالمية لاعبا فذا في ريعان الشباب.

اليوم قد يتكرر المشهد ذاته، وهذه المرة مع النجم الفرنسي فرانك ريبيري الذي تبدو مسيرته مشابهة لمسيرة فان باستن، فريبيري قدم نفسه كلاعب موهوب ورائع مع أولمبيك مرسيليا، حيث برع كثيرا وتألق وافتك مكانا مع المنتخب الفرنسي، ليشارك في نهائيات كأس العالم سنة 2006، ويظهر بمستوى رائع للغاية أبهر به الجميع وأصبح هدفا رئيسيا لأقوى الفرق في أوروبا.

ومع ذلك تمكن بايرن ميونخ من إغرائه بمبلغ ناهز 40 مليون يورو، ليتخذ الوجهة البافارية ويبدأ حقبة جديدة عرف خلالها سنوات المجد والشهرة والتألق اللافت، وكذلك الألقاب.. فمع بايرن أحرز كل الألقاب الممكنة وخاصة كأس دوري أبطال أوروبا.

منذ موسمين وعند قدوم المدرب الأسباني بيب غوارديولا إلى بايرن ميونخ كان ريبيري الذي أتم وقتها سن الثلاثين في أوج عطائه وعنفوانه، وكان مرشحا قويا للغاية للظفر بجائزة أفضل لاعب في العالم، ولئن لم تسعفه الظروف في مزاحمة ميسي ورونالدو إلاّ أن الجميع اعترف أن ريبيري هو واحد من أفضل اللاعبين في العالم، بل هو أحد أساطير الكرة الفرنسية وهو الخليفة الشرعي لزين الدين زيدان.

وفي مقابل، فكل هذا التألق والبروز قد يصبح قريبا جدا من الماضي، فريبيري صاحب الثانية والثلاثين ربيعا أنهكته الإصابات حتى أنه اضطر السنة الماضية إلى التضحية بالمشاركة في كأس العالم مع المنتخب الفرنسي، كي يقدر على الصمود أكثر وينجح في البقاء لفترة أطول في الملاعب.

ريبيري فشل الموسم المنقضي في أن يتجاوز محنه ليتواصل غيابه عن الملاعب لفترة طويلة، وبلغة الأرقام والإحصائيات فإن اللاعب الفرنسي غاب عن أكثر من مئة يوم عن تدريبات بايرن، وقد يستمر هذا الغياب إلى بداية الموسم الجديد. فريبيري تخلف منذ انضمامه للفريق الألماني عن 79 مباراة من مجموع 272 مباراة، وأغلب هذه المباريات التي تخلف عنها كانت في الموسمين الأخيرين.

وفي المحصلة فإن هذه المعاناة المستمرة والتعاقد الدائم مع الإصابات قد يدفع هذا اللاعب إلى رمي المنديل والاعتزال قبل أن ينتهي الموسم الجديد.

صحيح أنه يصارع ويكافح وسبق له أن أعلن أكثر من مرة أنه سيكسب “حربه” ضد الإصابة، وصحيح أيضا أن وكيل أعماله أكد أن ريبيري سيعود قريبا جدا للملاعب أكثر قوة وعزيمة، ولكن الأقوال والتصريحات شيء، والواقع قد يكون شيئا مختلفا كليا، فكل المحيطين بهذا اللاعب في بايرن ميونخ بمن في ذلك كارل هانزه رومينيغه رئيس النادي يدركون جيدا أن ساعة الصفر قد اقتربت، وأن مسيرة ريبيري كلاعب كبير شارفت على النهاية بسبب لعنة فان باستن.

كاتب صحفي تونسي

23