جبل قنديل وزعيمه جميل بايك الذي يتحكم بأمن ثلاث دول

السبت 2015/06/27
تيّار بايك كان يصرّ على الالتزام بيساريّة الحزب

علاقة الكُرد بالجبال، جد وشيجة وتاريخيّة، باعتبارها الحصن الحصين الذي حمى وجودهم القومي من الانقراض، في مواجهة حملات الإبادة العرقيّة والسياسيّة والثقافيّة التي استهدفتهم. وكانت الجبال معقل النضال التحرري الكردستاني منذ أول انتفاضة كردية على السلطنة العثمانية سنة 1880بقيادة عبيدالله النهري، مروراً بانتفاضات البارزانيين وصولاً لحركة حزب “العمال الكردستاني”.

يتردد كثيراً ذكر “جبال قنديل” في السياقات الإعلاميّة، أثناء تناول الأحداث التي يرتبط بها حزب العمال الكردستاني وفروعه في تركيا وسوريا والعراق، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء على الصعيد الكردي أو التركي أو السوري أو الإيراني. فمن يحكم جبال قنديل؟ وهل حزب العمال الكردستاني فعلاً برأسين؛ قنديل وإيمرالي حيث يسجن عبدالله أوجلان؟

المعقل القديم الجديد

تقع جبال قنديل في المثلث الحدودي العراقي-الإيراني-التركي داخل كردستان العراق، وهي امتداد لجبال زاغروس التي استوطنها الكرد، قبل 5 آلاف سنة. وتمتد على مساحة شاسعة، تضم مئات الوديان السحيقة والكهوف والمنحدرات شديدة الوعورة والمغاور والأنهار والجداول والغابات. اتخذها الملا مصطفى بارزاني معقلاً، أثناء تمرّده على الحكومة العراقيّة.

وجود حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، يعود إلى العام 1982. حيث أن د. حزني حاجو، الشاهد على الكثير من المحطات والأحداث الكرديّة، بوصفه الطبيب الشخصي للملا مصطفى بارزاني، والمقرّب، في ما بعد، من “العمال الكردستاني”، يشير في مذكراته الصادرة عن دار “أفيستا” في إسطنبول 2008، إلى أن وجود عناصر الكردستاني في جبال قنديل، “يعود إلى العام 1982، عبر اتفاق جرى التوقيع عليه في دمشق، بين الديمقراطي الكردستاني، بزعامة إدريس بارزاني، وقتذاك، وعبدالله أوجلان”. بمعنى، تواجد الكردستاني، في جبال قنديل، كان بالتزامن مع تواجده في سهل البقاع اللبناني سنة 1982، وقبل إعلان الكردستاني الكفاح المسلح ضد تركيا في 15/8/1984.

وقد شهدت منطقة لولان، في جبال قنديل، الاجتماع الذي قرر فيه الكردستاني شكل وتوقيت إعلان الكفاح المسلّح ضد أنقرة. ورغم هذا التواجد القديم في هذه المنطقة، إلاّ أن الأضواء كانت مسلّطة على معسكر الحزب الموجود في سهل البقاع اللبناني، والذي تمّ إغلاقه سنة 1992، بضغط من أنقرة وواشنطن على بيروت. بعدها، انتقلت معسكرات الحزب إلى داخل سوريا، في ريف دمشق (صحنايا، شبعا، النشابيّة).

هذه المعسكرات الثلاثة، تم إغلاقها تماماً، بعد مضي أربع سنوات على إخراج أوجلان من سوريا في 10/10/1998. ووضعت السلطات السورية يدها على هذه المعسكرات، سنة 2002، بشكل نهائي، عقب تسليم مسؤول منظمة الكردستاني في سوريا خبات آمد والذي يقضي الآن عقوبة المؤبد في السجون التركيّة، وما يزيد عن 100 عنصر من الكردستاني، على دفعات، إلى السلطات التركيّة. كل ذلك، بموجب اتفاقية أضنا الأمنية الموقّعة بين أنقرة ونظام الأسد في خريف 1998.

وجود عناصر الكردستاني في جبل قنديل، يعود إلى العام 1982، عبر اتفاق جرى التوقيع عليه في دمشق، بين الديمقراطي الكردستاني، بزعامة إدريس بارزاني، وقتذاك، وعبدالله أوجلان

من يسكن الجبل

بعد اختطاف أوجلان من نيروبي، في 15/2/1999، اتجهت الأنظار إلى جبال قنديل، بوصفها مركز قيادة الكردستاني، ومطبخه الاستراتيجي الذي يدير الحزب منه “دولته”، وهي شبكة معقّدة ودوليّة من التنظيمات السياسيّة، العسكريّة، الاجتماعيّة، الثقافيّة، الإعلاميّة والاقتصاديّة، واسعة النطاق، تشمل كردستان وتركيا وسوريا وإيران والخليج ولبنان، وأوروبا وروسيا والدول الأوروبيّة وأميركا.

فور اعتقال أوجلان، شكّل الحزب مجلساً رئاسياً، شمل أبرز قياداته، وأصدر بيانه الشهير وقتئذ، وذكر بأنه ليس معنياً بالقرارات الصادرة عن أوجلان، بوصفه أسيراً، موجوداً في قبضة “العدو”. ولكن، سرعان ما عدل الحزب عن قراره هذا، وصار ملتزماً ومنضبطاً بأيّ تصريح صادر عن أوجلان، باعتباره أمراً، لا مناص من تنفيذه والالتزام به.

بالإضافة إلى جبال قنديل، يسيطر الكردستاني، على كامل الشريط الجبلي الحدودي بين تركيا والعراق تقريباً، كمناطق “حفتانين، خواكورك، ميتنا، كاريه”، ومنطقة “زاب”، حيث مقرّ القيادة العسكريّة للحزب. بمعنى، الحزبان الكرديان الرئيسان العراقيان؛ “الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني” بزعامة جلال طالباني، يسيطران على المدن؛ السليمانيّة، أربيل، دهوك وكركوك، بينما “العمال الكردستاني” يسيطر على جبال الإقليم الكردي العراقي.

منذ سنة 2000، وكل مؤتمرات حزب العمال الكردستاني، تعقد في جبال قنديل. بعد التدخّل الأميركي في العراق وسقوط نظام صدّام حسين، بدأت الخلافات تتصاعد ضمن الحزب، بين تيّار عثمان أوجلان، شقيق عبدالله أوجلان، وتيّار جميل بايك. عثمان أوجلان، كان يدعو إلى التقارب مع الأميركيين، باعتبارهم صاروا جيران الكرد، ويدفع باتجاه لبرلة “العمال الكردستاني” والتقليل من حمولته الأيديولوجية اليساريّة والصرامة العسكريّة، والسماح بالزواج والتملّك، ويرى أن زمن السلاح قد ولّى.

انشقاق في قنديل

وبحسب العديد من المصادر فإن عثمان أوجلان، كان ينظر إلى نفسه باعتباره جلال طالباني حزب العمال الكردستاني، لجهة الاعتداد بالنفس على أنه داهية و”ثعلب” السياسة في العمال الكردستاني. بينما تيّار بايك، كان يصرّ على الالتزام بيساريّة الحزب، ورفض إقامة أيّ اتصالات مع واشنطن. وبقاء الحزب تحت قيادة عبدالله أوجلان.

بالنتيجة، سنة 2004، شهدت جبال قنديل أهمّ وأعمق انشقاق في تاريخ “العمال الكردستاني”، عبر افتراق مجموعة كبيرة من قيادات الحزب بقيادة عثمان أوجلان. ولجوئهم إلى السليمانيّة. وبحسب العديد من المصادر، فإن “الاتحاد الوطني الكردستاني” هو الذي كان وراء هذا الانشقاق الكبير، ودعمه ماديّاً وسياسيّاً. والمفارقة، أن حزب طالباني، متحالف مع “العمال الكردستاني” حاليّاً، خاصّة في ما يتعلق بالوضع السوري، ومساعي تحييد الكرد عن الثورة السوريّة، في إطار تحالف أوسع يشمل نظام الملالي في طهران ونظام الأسد.

التدخل الأميركي في العراق وسقوط نظام صدام حسين، يصعدان الخلافات ضمن حزب العمال الكردستاني، بين تيّار عثمان أوجلان، شقيق عبدالله أوجلان، وتيار جميل بايك. فعثمان أوجلان، كان يدعو إلى التقارب مع الأميركيين، باعتبارهم صاروا جيران الكرد

في الأزمة البنيويّة التنظيميّة والأيديولوجية العميقة التي عصفت بـ”الكردستاني” سنة 2004، وقف الجناح المسلح، بقيادة باهوز أردال (فهمان حسين، كردي سوري) إلى جانب تيّار جميل بايك، وحال دون انهيار الحزب. ورغم أن جميل بايك، هو الأجدر بقيادة الحزب، إلاّ أن أوامر صدرت من أوجلان، تدعو إلى تنصيب مراد قره إيلان (الاسم الحركي جمال) على رأس اللجنة التنفيذيّة لـ”الكردستاني”.

جميل بايك، واسمه الحركي “جمعة”، ولد سنة 1955، في ناحية كيبان التابعة لمحافظة آلعزيز جنوب شرق تركيا. أنهى دراسته الابتدائية والثانويّة في منطقته، واتجه سنة 1970 إلى جامعة أنقرة، طالباً في كليّة التاريخ والجغرافيا. في تلك الفترة، تعرّف بايك على أوجلان. ليكون أحد الخمسة المؤسسين للخلية الأيديولوجية الأولى لهذا الحزب في أنقرة، إلى جانب أوجلان وعلي حيدر قيطان، كمال بير، كسيرة يلدرم وحقي قارير سنة 1974. مشاركاً في المؤتمر التأسيسي للحزب سنة 1978.

أما مراد قره إيلان واسمه الحركي جمال، فهو من نفس المحافظة التي ينحدر منها أوجلان. ولد في منطقة بيريجك التابعة لمحافظة أورفا. يحمل إجازة من المعهد العالي للمكننة الزراعيّة. انتسب سنة 1979 إلى حزب العمال الكردستاني، ما يعني أنه ليس من القيادات المؤسسة للحزب. لكن أوجلان فضّله على بايك، بل مّدد له فترة رئاسته للحزب.

في مؤتمر الحزب المنعقد من 30 حزيران إلى 5 تموز 2013، تم اختيار جميل بايك رئيساً مباشراً للحزب، بعد انتهاء ولايتي قره إيلان، وفترة التمديد له. وهذه المرة الأولى التي يتولّى بايك القيادة المباشرة للحزب، منذ تأسيسه. ورشحت أنباء في شهر نوفمبر من العام ذاته، عن حدوث تغييرات داخل الحزب، طالت الموالين لقره ايلان، وتكليف المقرّبين من بايك.

وبحسب العديد من المصادر، فإن البعد القومي والوطني الكردي هو الأكثر بروزاً في شخصيّة قره إيلان، قياساً ببايك الذي يرجّح الجانب اليساري.

إيران وجبال قنديل

في أغسطس من العام 2011، وبالتزامن مع القصف المدفعي الإيراني العنيف لجبال قنديل، وتغلغل الجيش الإيراني في تلك المنطقة، صرّح مسؤول الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي لوكالة “فارس” أن الاستخبارات الإيرانية، قبضت على قره إيلان. الأمر الذي نفاه “الكردستاني” في تصريح لوكالة “فرات نيوز” التابعة للحزب، وليس عبر تسجيل صوتي أو فيديو، كما جرت العادة، ضمن الكردستاني.

أوجلان يصف بايك بأنه مخلص للغاية. لكنه فرداني للغاية أيضا. ويضيف (رفضنا حكمه بالإعدام على عدد من المسؤولين العسكريين من حزبنا. فحتى لو ارتكب أولئك العسكريون جرائم حرب، فثمة وسائل أخرى لإعادة تأهيلهم. وكان بايك يرى أنه يجب تصفية الجرحى من مقاتلينا كي لا يقعوا أحياء في يد العدو. لكننا رفضنا ذلك)

ويرى مراقبون أن احتمال اعتقاله يبقى وارداً، خاصّة أن موقف “الكردستاني”، بدأ يتراجع عن دعم ومساندة الثورة السوريّة على نظام الأسد. وأن طهران ضغطت على “الكردستاني” وأجبرته على دعم نظام الأسد، والمضي في تحييد الكرد السوريين عن الانخراط في الثورة. وهو أيضا ما ينفيه حزب “الاتحاد الديمقراطي” (الفرع السوري للكردستاني في سوريا).

في حوار قديم أجراه الصحفي الفرنسي كريس كوتشيرا مع أوجلان أثناء تواجده في روما، ونشرته مجلة “الوسط” اللندنيّة في 15/1/1999، أي قبل اختطافه بشهر، وردّاً على سؤال: ألا يزال جميل بايك الرجل الثاني في الحزب؟ قال أوجلان “ليس لدينا أرقام، وحده الذي يحقق نتائج يحقّ له أن يحمل رقماً. فبايك مثلاً لم ينجح في استثمار تجربته عمليّاً. وقد أعلنت على الملأ بعض أخطائه. ومن الأمثلة على ذلك أنه قرّر منفرداً أن يترك القيادة مرّتين، في 1995 و1997. وهذا أمر خطر. كنّا في قلب كردستان، في وادي الزاب. وكان لدينا خمسة آلاف مقاتل يمكنهم مواجهة 50 ألف جندي تركي. إنه مخلص للغاية. لكنه فرداني للغاية أيضاً. ورفضنا حكمه بالإعدام على عدد من المسؤولين العسكريين.

فحتّى لو ارتكب أولئك العسكريون جرائم حرب، فثمّة وسائل أخرى لإعادة تأهيلهم. وكان بايك يرى أنه يجب تصفية الجرحى من مقاتلينا كي لا يقعوا أحياء في يد العدو. لكننا رفضنا ذلك. إن اللجنة المركزية تعاني هذا المرض: فهم متعلقون بي إلى آخر حد، لكنهم عمليّاً ينطلقون في الاتجاه المعاكس”.

وهذا مؤشّر آخر على عدم رضا أوجلان عن بايك. وما هو مفروغ منه، أن الشخص الوحيد الذي يمكن أن ينافس أوجلان في قيادة الحزب، وله تأثيره ووزنه الكبير، ودور رئيسي واستراتيجي في المحافظة على وحدة الحزب بعد اعتقال أوجلان، هو جميل بايك. ومعروف عن الأخير، ميله لطهران ودمشق، بينما أوجلان، وبعد مضي أكثر من 15 سنة في السجن، واللقاءات والحوارات مع الأتراك، صار أكثر ميلاً لتركيا، ويريد إنهاء الصراع مع أنقرة، وفق منطق لا غالب ولا مغلوب.

الخلاف بين إيمرالي وقنديل

أثناء تواجده في دمشق، وبعد اعتقاله أيضاً، كان أوجلان دائم التذمّر والشكوى من قيادة حزبه، ويوجهّ لهم انتقادات لاذعة، وصلت أحيّاناً إلى درجة الإهانة. وفي نهاية التسعينات، هدد أوجلان، أكثر من مرّة، بأنه سيقدّم استقالته من الحزب، إذا لم تطوّر القيادة نفسها.

ظاهريّاً، هناك انسجام كبير بين إيمرالي وقنديل، والتزام وانضباط صارم من قيادة الحزب حيال الاستجابة لأوامر أوجلان وتنفيذها بشكل دقيق. ولكن، في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر بوادر خلاف غير معلن بين أوجلان وقيادة حزبه في قنديل. ولكن المتابع لسير بعض الأحداث وتفكيك معطياتها، سيجد هذا الخلاف. ويمكن إعطاء نماذج تشير إلى هذا الخلاف في حادثة تنحية أحمد تورك من رئاسة حزب المجتمع الديمقراطي (DTP) وتنصيب نورالدين ديمرتاش (شقيق صلاح الدين دمرتاش، رئيس حزب الشعوب الديمقراطي حالياً) وهو ما رفضه أوجلان، وطالب بإعادة تورك لرئاسة الحزب.

وكذلك حادثة الهجوم على مخفر في منطقة فارين التابعة لمحافظة دياربكر، ومقتل 12 جنديا تركيا. هذه الحادثة، دفعت الحكومة التركيّة إلى وقف المفاوضات السريّة التي تجريها مع “الكردستاني” في أوسلو. ما أثار غضب أوجلان على قنديل. وسرّب الإعلام التركي، رسالة موجّهة من أوجلان إلى وزارة العدل، طلب فيها “عدم اللقاء بمحاميه وأهله”، على خلفيّة “انزعاجه من تصرّفاتهم، ونقلهم الخاطئ لتصريحاته”.

مفاوضات وهدنة

يضاف إلى ذلك أيضاَ حادثة الإضراب في السجون التركيّة، حيث أمرت قيادة قنديل أعضاء الحزب المعتقلين في السجون التركيّة بالإضراب عن الطعام، بهدف الضغط على الحكومة التركيّة لتحسين أوضاع أوجلان في سجنه بجزيرة إيمرالي. هذا الإضراب، شارك فيه الآلاف، واستمر نحو 68 يوماً، ووصلت حياة نحو 520 سجينا مرحلة الخطر، ما أدخل الحكومة التركيّة في أزمة سياسيّة وأخلاقيّة حقيقيّة، فاستنجدت بأوجلان، الذي أمر بوقف الإضراب، على أنه “حقق أهدافه”. إلاّ أنه وجّه انتقادات شديدة ولاذعة إلى قنديل.

جبال قنديل تشهد سنة 2004 أهم وأعمق انشقاق في تاريخ “العمال الكردستاني” بقيادة عثمان أوجلان. الذي لجأ مع مجموعة كبيرة إلى السليمانية. حيث الاتحاد الوطني الكردستاني الذي دعمه ماديا وسياسيا
ورفض “تحقيق مكاسب سياسيّة على حساب أشخاص مسلوبي الإرادة، خلف أربعة جدران”. وقال “إذا كان هنالك من ينبغي عليه الإضراب عن الطعام، فهم الموجودون خارج السجون”، في إشارة منه إلى قيادة قنديل. ويرى مراقبون أن الأخيرة، أحرجت أوجلان بهذا الإضراب الكبير والطويل، باعتبار أن زعيم الحزب، ومنذ اعتقاله سنة 1999، لم يضرب عن الطعام، ولو ليوم واحد فقط، احتجاجاً على السياسات التركيّة.

وفي مسألة إلقاء السلاح التي تفجرت في 21/3/2013، كشف أوجلان أن المفاوضات بينه وبين أنقرة وصلت إلى مرحلة متقدّمة وأن “زمن الكفاح المسلّح، ولّى أوانه”. مطالباً بسحب مقاتلي الحزب إلى خارج الحدود التركيّة. واستجاب الحزب لذلك. وفي 9/9/2013، أوقف “الكردستاني” سحب المقاتلين، مع الإبقاء على الهدنة وذلك بعد وصول بايك لرئاسة اللجنة التنفيذية للحزب. وفي 21/3/2014، كرر أوجلان طلبه في ما يخصّ مناقشة إلقاء السلاح في مؤتمر عاجل للحزب. وبعد فوز حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) في الانتخابات الأخيرة، وبروز ضرورة إلقاء “الكردستاني” سلاحه، أصدر جبل قنديل بياناً في 13/6/2015، ذكر فيه أن قرار إلقاء السلاح، ليس بيد أوجلان ولا بيد حزب “الشعوب الديمقراطي”.

ولم يصدر حتى الآن، أي ردّ من أوجلان على البيان الأخير. لكن، مجمل ما سلف، يشير إلى وجود خلاف أو اختلاف في المواقف ووجهات النظر بين أوجلان وقيادة حزبه في جبال قنديل، قد يتطوّر إلى خلاف بين الجانبين. ويرى مراقبون أن تشبث قيادة “الكردستاني” بجبال قنديل، مردّه غنى المنطقة بالمعادن والثروة الباطنية (بترول، غاز، ذهب، يورانيوم..). وهذا الرأي، يفتقد إلى الدليل العلمي والمسح الطبوغرافي على وجود هذه الثروة.

وإذا جاز لنا اعتبار سجن جزيرة إيمرالي الذي يعتقل فيه أوجلان، العاصمة الأيديولوجية لدولة “الكردستاني” الخفيّة، التي لا حدود لها، فيمكن اعتبار جبال قنديل العاصمة العسكريّة-السياسيّة والتنظيميّة لهذه الدولة. أوجلان يميل الآن نحو مصلحة تركيا، بينما تتموضع قيادة قنديل ضمن المحور الإيراني، والسؤال: ألا يشكّل ذلك خلافاً قد تتسع هوّته في الأيّام القادمة؟ ثم ألن يشكل الإفراج عن أوجلان قلقاً وإرباكاً لقيادة الحزب، التي اعتادت خلال 15 سنة، على إدارة أمورها، بمعزل عن تدخّلات أوجلان المباشرة؟ ذلك أن غياب أوجلان، فتح المجال أمام صراعات ضمن قيادة الحزب، وبروز شخصيّات كقره إيلان، والحاكم الفعلي اليوم جميل بايك إلى الواجهة.

12