الجيش الجزائري.. ومواجهة "داعش"
تتابع الجزائر بحذر شديد تطورات الأوضاع في الدول العربية جميعها، خاصة تلك التي تتواجد فيها جماعات إرهابية على غرار العراق وسوريا، وتبدي مخاوفها العلنية بشكل خاص من الأحداث الجارية في ليبيا، وترى أنها أصبحت في حالة من المواجهة مع داعش بعد سيطرتها على “سرت”، وتتبادل المعلومات الاستخباراتية حول تلك الجماعات في الدول المجاورة سواء المغاربية منها أو الأفريقية، وفي كل ذلك تعمل من أجل كسب عامل الزمن في حرب وشيكة تلوح في الأفق – نتيجة رغبة خارجية في إشعال المنطقة العربية كلّها- سواء بمنع وقوعها أو على الأقل التقليل من خسائرها.
المواجهة المنتظرة مع داعش في المجال الحيوي الجزائري تقع على عاتق الجيش، لذلك يسعى هذا الأخير إلى ترتيب البيت من الداخل، وتقوية الجبهة الداخلية، ودعم الشرعية القائمة بعيدا عن الحسابات السياسية الخاصة بالمعارضة، إضافة إلى التحضير النفسي والفكري للجيش ليس فقط من خلال التدريبات المتواصلة، وإنما من خلال ورشات الدراسة والبحث، ومنها ملتقى “الدراسة الاستراتيجية لمسرح العمليات” الذي عقد بالمدرسة العليا الحربية، خلال اليومين الماضيين، وأشرف عليه الفريق أحمد ڤايد صالح نائب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش الجزائري بحضور قادة القوات وقادة النواحي العسكرية، ورؤساء الدوائر، والمديرين ورؤساء المصالح المركزية بوزارة الدفاع الوطني، وقادة بعض القطاعات العملياتية، وبعض الوحدات الكبرى وقادة مؤسسات التكوين العليا.
في ذلك الملتقى حثّ قايد صالح المشاركين على التحلي بالدقة وعمق التحليل في دراسة المعطيات العامة والظروف الجغرافية للجزائر ووضعها الجيوسياسي والاقتصادي والاجتماعي، للتمكّن من استشراف تطوراته من خلال مقاربات موضوعية تضمن المواجهة الناجعة لكافة التحديات، مُعتبرا نتائجه المنتظرة بمثابة مواكبة جدية وفاعلة، سواء للخطوات العملاقة التي قطعها الجيش الوطني على كافة الأصعدة، أو في ما يتعلق بالظروف الأمنية التي يعرفها محيط الجزائر القريب، والبعيد، بكل ما يمثله من تحديات تستحق من الجيش الجزائري أن يوليها الأهمية اللازمة ويستعد لكافة الاحتمالات بما يكفل إفشال كافة المخططات المعادية، وحفظ أمن واستقرار الجزائر المنتصرة والمستقلة وإبقاءها عزيزة الجانب وسامية المقام.
عمليا، لا يمكن القول إن التحضيرات النظرية والبحثية وحتى الميدانية بما فيها تحقيق انتصارات على الخلايا الإرهابية التي يعود تاريخ ظهور بعضها إلى عقدين من الزمن، هي عمل مسبق من الجيش الجزائري لمواجهة داعش، وإن كانت مواجهة مدروسة للجماعات الإرهابية كون الجزائر تضع تلك الجماعات جميعها في سلّة واحدة، لكنها على خلاف مواقف معظم الدول العربية، تركت مجالا مفتوحا للتوبة أو الانسحاب التدريجي لتلك الجماعات من الميدان، وذلك لكي تقلل من الخسائر البشرية أولا، وتحول دون الدخول في انتقام دائم، انطلاقا من سياسة المصالحة التي تتبنّاها، فإذا كان بمقدورها تجنّب استنزاف القوة والموارد والأرواح، فلِمَ يتم اختيار الحرب الدائمة طويلة الأمد، دون أن يخل هذا بإستراتيجية مواجهة الإرهاب.
غير أن هناك سؤالا يطرح اليوم: كيف للجيش الجزائري أن يتوقع صدّه لداعش في حال تقدمه باتجاه حدود بلاده، وقد حقّق انتصارات على الجيوش النظامية، وتمكّن من التمدّد والانتشار، من خلال استراتيجية الرّعب التي اعتمدها على الأرض، رغم القصف المتواصل من عدة دول؟
ليس هناك شك لدى قادة الجزائر المدنيين والعسكريين، بل لدى عموم الشعب، بأن داعش أو غيره من الجماعات الإرهابية لا يمكن أن تجد لها ملاذا آمنا في الجزائر، ليس فقط لوجود ميراث دموي، ولكن لأن الجزائريين وبعد تجربتهم المريرة في مواجهة الإرهاب اكتسبوا مناعة ضد الجماعات المتطرفة، وأيضا لأن الأجهزة الأمنية الجزائرية تراقب عن كثب نشاط الجماعات الإرهابية من المنبع أي في العراق وسوريا، وخير مثال على ذلك إلقاؤها القبض على جزائري منضم لداعش عاد من سوريا عبر مطار العاصمة في الأيام الماضية، وضبطها لكميات كبيرة من السلاح قادمة من لبييا، وتمكنها من القضاء على عدد من الإرهابيين.
من ناحية أخرى، فإن الجيش الجزائري سيدخل هذه الحرب إذا أجبر عليها، وهو محمّل بتجربة تاريخية لها امتدادها في الوقت الراهن، وثقافة الرّعب الشامل لن تكون حكرا على داعش، ما يعني تمكنه، كما كشفت التجربة، من نقل الرّعب إلى معسكر العدو، إضافة إلى الدعم المطلق من الشعب، بغض النظر على تكلفة المواجهة ماديا وبشريا على غرار ما رأينا في عملية “عين أميناس”.
وعلى صعيد المواجهة تدرك الجماعات الإرهابية ومنها داعش، أن نشاطاتها وانتصاراتها في الدول، مرهونة بغياب سلطة الجيش، أو انقسامه إلى طوائف متصارعة، أو انشغاله بصراعات متعددة في وقت واحد، أو تخلّيه عن دوره وانهزامه نفسيا، أو أن له وجودا شكليا فقط، والصفات السابقة جميعها لا تنطبق على الجيش الجزائري، فهو جيش محترف نظامي قادر على الدخول في حرب طويلة المدى، بما فيها حرب العصابات، وغير محتاج لأي دعم مادي، والأكثر من هذا كله أن عقيدته القتالية لا تنتظر الدعم من أي كان، بل إنه يرى أنه وحيد في هذا العالم، وقد تكون تلك العقيدة سر قوته خلال العشرية الدمويّة.
لذلك يمكن القول إن وجود داعش في ليبيا يشكل قلقا للجزائر، ليس لأنه قوة ضاربة يمكن أن تنتصر في حربها مع الجزائر إذا خاطرت وقامت بها، ولكن لأنها ترى فيه وفي غيره من الجماعات الإرهابية المنتشرة في الدول العربية، مشروعا تدميريا له بعد دولي، يقوم على نهب الثروات وتقسيم الدول وإشعال الفتن، وبمعنى أكثر وضوحا هو مشروع غربي لإعادة تشكيل خارطة الوطن العربي بما يخدم مصالح اللاعبين الجدد.
كاتب وصحفي جزائري