الوزير أحمد الزند عدو الإخوان المتربص بثورة يناير

الأحد 2015/05/31
قاض شرس وخطيب مفوّه وجبهة مفتوحة ضد الخصوم

أسد القضاة، خصم الإخوان اللدود، حامي حمى التوريث في الهيئات القضائية، الوطني الشجاع، رجل نظام مبارك في القضاء، عدوّ ثورة 25 يناير، عدوّ المتفوقين الفقراء، مجموعة من الأوصاف المتناقضة التي تختصر الرؤية السياسية للمستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاء السابق ووزير العدل الجديد في مصر.

قرار إبراهيم محلب رئيس الوزراء باختياره وزيرا للعدل خلفاً للمستشار محفوظ صابر، ضاعف من حالة السخط الشعبي والإعلامي ضد الحكومة المصرية، خاصة أن صابر أطيح به من منصبه بسبب تصريح بعدم صلاحية ابن عامل النظافة للعمل بالهيئات القضائية، فجاء محلب بالزند الذي يراه كثيرون واحدا من صقور التوريث في القضاء، ما دفع البعض لشن حملات تطالب بإقالة الوزارة بكاملها، وليس الزند فقط، بحجة أنها تسير في الاتجاه المعاكس لطموحات الشعب.

الزند القادم من الأرياف

المستشار أحمد الزند رئيس محكمة الاستئناف السابق، ولد في العام 1946 في قرية ريفية بسيطة تسمى دمنتو بمحافظة الغربية، في دلتا مصر، لأب ريفي بسيط كان يعمل رئيساً للجمعية الزراعية بالقرية، ولم يكن الوالد يتوقع أن تقوم ثورة البلاد بعد 6 سنوات (ثورة يوليو 1952) من ميلاد ابنه، وتقضي على الطبقية، وتصل بنجله إلى منصة القضاء، ثم لاحقاً إلى وزارة العدل، ولم يكن الوالد يحلم كذلك، أن يصبح نجله الذي استفاد من إلغاء الطبقية أحد أكبر المدافعين عنها الآن بانحيازه السافر لتعيين أبناء المستشارين، على حساب المتفوقين من أبناء البسطاء.

كعادة أبناء الريف في تلك الأيام، التحق الزند بكتّاب القرية، ثم الأزهر الشريف، ليحصل على ليسانس الشريعة والقانون بتفوق من جامعة الأزهر عام 1970، شعبة قانون، وهو ما مهّد له الالتحاق بالقضاء فعيّن وكيلاً للنائب العام، ضمن عدد من أوائل الجامعات، حينما كان المعيار الأساسي للتعيين في السلك القضائي، في العقود الثلاثة التالية لثورة 1952، التفوق الدراسي بشكل أساسي.

عمل الزند وكيلا للنائب العام، ثم محاميا عاما، في عدد من محافظات مصر، وقد جعلت نشأته الريفية، وتعليمه الأزهري، منه رجلا مفوّها صاحب هيبة بين أقرانه وأبناء قريته التي لم يحصل على شهادات جامعية من أبنائها سوى عدد قليل فما بالك بواحد منهم يتفوق ويعمل في القضاء؟

مهاراته الاجتماعية وإحساسه بالتفوق دفعه لإقناع بعض زملائه بتأسيس فرع لنادي القضاة بمدينة طنطا في محافظة الغربية مسقط رأسه، وهو ما نجح فيه بالفعل لتترسخ مكانته كرجل قائد بين أقرانه، هذا الوضع سهّل عليه لاحقا الفوز بعضوية مجلس إدارة نادي القضاء الرئيسي في القاهرة لدورتين، خلال فترة الثمانينات، بعد نحو عشر سنوات فقط من التحاقه بسلك القضاء.

القاضي الشرعي

خمس سنوات عمل خارج مصر، قضاها المستشار الزند، حيث أعير للعمل بدولة الإمارات العربية المتحدة، قاضياً شرعياً بإمارة رأس الخيمة، بدأت من العام 1991 وحتى 1993، ثم مستشارا قانونيا لوليّ عهد الإمارة حتى العام 1996، الأمر الذي وثّق علاقاته العربية.

في العمل الاجتماعي شغل الزند رئاسة نادي طنطا الرياضي من العام 2001 وحتى عام 2004، وكان قد أسس ناديا اجتماعيا للجالية المصرية المقيمة بالإمارات خلال فترة عمله بها، ويعد الزند ألد خصوم جماعة الإخوان المصنفة على قوائم التنظيمات الإرهابية، بعد أن بلغ صدامه مع الجماعة ذروته، في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي.

كان لذلك الصراع جذور بدأت في العام 2005، عندما فجّر المستشاران محمود مكي وهشام البسطويسى اللذان كانا يعملان كنائبين لرئيس محكمة النقض وقتها، قنبلة بإعلانهما تورط بعض القضاة في تزوير التصويت في عدد من الدوائر البرلمانية في انتخابات 2005، معلنين ما أسمياه حينها بالقائمة السوداء للقضاة المزورين، وتدشين تيار استقلال القضاء.

في المقابل، كان الزند أول من تصدى لهما عبر تقديم بلاغ للنائب العام اتهمهما فيه بإهانة القضاء، إلا أنهما رفضا المثول أمام نيابة أمن الدولة، وتصاعدت الأزمة بإحالتهما إلى الصلاحية (تعبير قانوني يقصد به عدم صلاحيتهما للعمل في القضاء بعد ذلك)، لكن المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة آنذاك، تضامن مع القاضيين، ورفض إحالتهما للصلاحية، وخلال تصاعد الأزمة دخلت جماعة الإخوان على الخط، وشارك عدد كبير من نوابها في البرلمان المنتخب في العام 2005، والذي حصلوا فيه على 88 مقعدا، في مسيرة للقضاة من ناديهم إلى دار القضاء العالي.

في تلك الأزمة، استغل الإخوان تصريحات القضاة وأزمتهم مع نظام مبارك، للنيل من النظام واختراق صفوف القضاة، بزعم دعمهم والتضامن معهم، بينما كان الزند يقف على الطرف الآخر، ضد ما سمّي حينها تيار استقلال القضاة.

أكثر مواقفه حدة يتعلق برأيه في توريث القضاء وهو التعبير المقصود به تعيين أبناء القضاة حتى لو كانوا أقل تفوقا، حيث قال الزند في مداخلة مع الإعلامي توفيق عكاشة إن "القضاة أسياد البلد وغيرهم هم العبيد"

المعركة مع الإخوان

تصدي الزند لأنصار الإخوان في نادي القضاة، ودفاعه عن القائمة المتهمة بالتزوير، جعل المحامي أحمد أبو بركة القيادي بالجماعة والنائب بالبرلمان وقتها، يواصل المعركة ضد الزند، بتقديم استجواب لوزير العدل مدعياً عمل الزند في الخليج في وظيفة غير قضائية، مؤكداً أنه عمل إماماَ لمسجد، وهو ما يبرر عزله من القضاء، غير أن اتهامات النائب الإخواني لم تسفر عن أيّ إجراء عملي.

شهر مارس من العام 2009 جاء حاسماً بفوز الزند في انتخابات نادي القضاة على غريمه المستشار زكريا عبدالعزيز وقائمته، التي كانت تمثل ما اصطلح على تسميته تيار الاستقلال، فيما كان الزند مدعوماً من الدولة ووزيرها للعدل ممدوح مرعي آنذاك، وسط اتهامات لزكريا بمحاولات إقحام القضاء في السياسة لصالح الإخوان.

بلغت معركة الزند مع الجماعة ذروتها، بعد إصدار محمد مرسي الإعلان الدستوري المكمل في 21 نوفمبر من العام 2012، الذي أقال بمقتضاه النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، وتعيين المستشار طلعت عبدالله خلفاً له، وتحصين قرارات الرئيس ضد الطعن، وهو ما تسبب في معارضة سياسية حادة، وسخط في الوسط القضائي، حيث وصف الزند المستشار عبد الله بالنائب العام الملاكي، رافضاً إقالة عبدالمجيد، ودعا لمؤتمرات صحفية عالمية أعلن خلالها أن ما حدث اعتداء مرفوض على سلطة القضاء.

توالى هجوم الزند على مرسي وجماعته، في مؤتمرات عامة، وتصدى بكل قوة لمحاولة الجماعة إدخال تعديلات على قانون السلطة القضائية، بتخفيض سن التقاعد للقضاة، وهو ما وصفه الزند بالقانون المشبوه الذي يستهدف التخلص من 3 آلاف قاض لإخلاء الطريق أمام تعيين شباب الإخوان في سلك القضاء.

خلال جمعية عمومية للقضاة، دعا لها الزند، شنّ هجوما حاداً ضد جماعة الإخوان، محذرا بعبارات بليغة من اتخاذ إجراءات تصعيدية، لفضح محاولات الإخوان السيطرة على القضاء، فيما اتخذت عمومية القضاة حينها، قرارا بتعليق العمل بالمحاكم.

ثورة 30 يونيو

من المفارقات اللافتة أن الزند ساهم في حشد الجماهير ضد نظام الإخوان، بمؤتمراته المتوالية التي كانت تشهد حضور رموز من كافة فصائل المجتمع وتُبث على الهواء، بصورة دفعت إلى تحفيز الجماهير على المشاركة في ثورة 30 يونيو، إلا أن الرجل رفض دعوة القضاة للمشاركة في الثورة نفسها حيث أجاب على سؤال وجّه إليه قبل أيام من اندلاعها بأن “النزول للشوارع والمطالبة برحيل الإخوان أمر وطني يخص جموع المصريين، لكن القاضي يلتزم الحياد، ويجب ألا يقف مع فصيل ضد آخر”.

الموقف البطولي للزند من وجهة نظر البعض في معركته مع الإخوان، تحول إلى بلاغات قانونية ومعارك صغيرة داخل أروقة الجهات الرقابية بالدولة، بعد اتهام رئيس نادي القضاة بالفساد.

فقد حرر عدد من المحامين بلاغات للنائب العام ضد الزند، اتهموه فيها بالفساد المالي، واستغلال النفوذ لانتزاع ملكية 18 فدانا في مطروح، إلا أنها حفظت ولم يتم التحقيق فيها، وكانت أبرز الاتهامات الموجهة للزند، تلك التي وجهها له المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، متهما إياه بارتكاب مخالفات مالية، ومنع الجهاز من مراجعة حسابات النادي، لكن الرجل نجح في الحصول على حكم بتغريم جنينة، 15 ألف جنيه (نحو ألفي دولار) بتهمة السب والقذف.

قرار رئيس الوزراء باختيار الزند وزيرا للعدل خلفا للمستشار محفوظ صابر، يضاعف من حالة السخط الشعبي والإعلامي ضد الحكومة المصرية، بعد الإطاحة بصابر بسبب تصريحات له عن عدم صلاحية ابن عامل النظافة للعمل في سلك القضاء

الزند يطارد الخصوم

في ملاحقته للصحفيين، تقدم المستشار الزند ببلاغ ضد جريدة المصري اليوم المستقلة، اتهمها فيه بنشر أخبار كاذبة على لسان المحامي عصام سلطان، إلا أن محكمة جنح الدقي رفضت الدعوى، كما تقدم ببلاغ ضد جريدة صوت الأمة الخاصة، اتهم فيها رئيس تحريرها عبدالحليم قنديل، ومستشار التحرير محمد سعد خطاب، بنشر أخبار كاذبة، تحت عنوان “الزند فشل في تربيح صهره من بيع أرض نادي القضاة في بور سعيد”.

كما تقدم ببلاغ ثالث ضد بوابة الأهرام الإلكترونية، اتهمها فيه بالتشهير، من خلال نشر تحقيق ادّعى قيام وزير العدل الحالي ببيع أراض تابعة للقضاة لأحد أقرباء زوجته بثمن زهيد، رغم ملكيتها للدولة، ما كبّد النادي خسائر بلغت بحسب التحقيق قرابة 17 مليون جنيه (مليونان و220 ألف دولار أميركي).

لم تقتصر الدعاوى القضائية التي يقيمها الزند، على خصومه السياسيين ومنتقديه من الصحفيين، بل امتدت لتطال أحد أعضاء مجلس نادي القضاة الذي يرأسه، فتقدم بدعوى سبّ وقذف ضد المستشار محمد عبدالهادي لإدلائه بتصريحات قال فيها إن “مجلس إدارة النادي بدأ يفقد الجماعية في اتخاذ القرار، وغابت الشفافية في التعامل وتبادل المعلومات، سواء بين أعضاء المجلس أو مع الجمعية العمومية، وتم حجب أبسط المعلومات المالية والإدارية التي يفترض في عضو مجلس النادي العلم بها”.

هذه المواقف تكشف الجانب الآخر من شخصية الزند القاضي المتفوق والخطيب المفوّه، وهو الجانب المسكون بطباعه الحادة وهو الذي جلب عليه أغلب المشاكل والانتقادات الموجهة له.

عرف الزند بأنه حافل بالمتناقضات، فرغم أنه شخصية اجتماعية مفوّهة، إلا أنه حاد في التعامل، وله من التصريحات الإعلامية ما أثار انتقادات ضده، ففي نوفمبر 2012 أغلق الهاتف على الهواء في وجه الإعلامي شريف عامر، عندما تحفظ على انتقاده للمستشار أحمد مكي وزير العدل وقتها، فما كان من الزند إلا أن قال بصوت حاد “مش إنت اللي هتعلمني أقول إيه يا شريف مع السلامة” وأنهى المكالمة، وفي مداخلة مع الإعلامي توفيق عكاشة، هاجم الزند شباب ما أسماهم ساخراً “الفيسبوك والتنظير”.

لكن أكثر مواقفه حدة تتعلق برأيه في توريث القضاء وهو التعبير المقصود به تعيين أبناء القضاة حتى لو كانوا أقلّ تفوقا، حيث قال في مداخلة مع الإعلامي توفيق عكاشة إن “القضاة أسياد البلد وغيرهم هم العبيد”.

ثم كرر ما قاله تقريبا خلال لقاء له بنادي قضاة المنوفية، حيث شدد على أن من يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون، ممن يرُفض تعيينهم، وستخيب آمالهم، وسيظل تعيين أبناء القضاة سنة بسنة، ولن تستطيع قوة في مصر أن توقف هذا الزحف المقدس إلى قضائها.

لكن بين الانتقادات والتأييد يرى بعض المراقبين أن الزند الأصلح لمنصب وزير العدل في هذه المرحلة، التي تتطلب مواقف صارمة، والقيام بإصلاحات تشريعية قضائية، إلى جانب الوفاء بالمستحقات المالية المتراكمة، وما يحتاجه القضاة من حماية بعد استهدافهم من الإرهاب، فضلاً عن إنهاء الخلافات التي ازدادت بوادرها بنادي القضاة، ما عطل إجراء الانتخابات التي كان مقررا لها الـ29 من مايو الجاري، والتي كان الزند يسعى لخوضها قبل أن يعيّن وزيراً.

7