للمشاعر إسعافاتها الأولية
تربّينا وتعلّمنا أن نربّي أطفالنا على العناية بصحتهم البدنية.. مناهجنا الدراسية، برامجنا التلفزيونية، صفحات الصحة في الجرائد والمجلات، كلها ترفدنا بآلاف النصائح والإرشادات للعناية بأجسامنا.. فوائد العشبة الفلانية، أضرار الإكثار من المشروب الفلاني، أهمية العناية بالأسنان، فوائد الرياضة.. وترسخت فينا مقولة إن العقل السليم في الجسم السليم.. (وحده برنارد شو رفض هذه النظرية مصحّحا بأن الجسم السليم هو نتاج العقل السليم!)
وسوى ذلك.. يغفل الكثيرون منا عن تنشئة الطفل على العناية بصحته النفسية وتوعيته بها.. وبأهمية كون أصغر المشكلات النفسية قد تسبب نقصا في المناعة وتجعلنا عرضة لأشد الأمراض البيولوجية فتكا في عصرنا.
وناهيك عما يمكن أن تسببه الصدمات المباشرة على صحتنا، فقد أكد علماء النفس أن ثمة حوادث صغيرة جدا لا تثير انتباهنا قد تسبب لنا “جروحا عاطفية” يمكنها بالتدريج أن تحول حيواتنا إلى جحيم.. وإذا أهملت أن تستحيل إلى عقد نفسية سيكون طريق علاجها طويلا ومضنيا وقد تقود إلى الجنون الحتمي أو الموت.. منها الفشل.. أو الشعور بالوحدة.. أو الإحساس بالذنب.. منها الألم الذي يسببه الفقد أو الهجر والغدر.. الخ. هذه المشاعر والكثير سواها تحتاج إلى إسعافات أولية فلا تتطور إلى عقد نفسية أو بدنية مستعصية.. (مثل عقدة الفشل أو الاضطهاد أو النقص أو العدوانية أو الخوف من الآخرين.. الخ).
فما هو الحـل؟.. وكيف يمكننا أن نتعامل مع مشاعر طفل أخفق في دراسته مثلا؟.. أو مـع مراهق تركته حبيبته لتقع في حب جار جديد؟.. الاعتراف بالمشكلة هو أول العلاج.. لأن المشكلة قد تبدأ صغيرة جدا أو منذ طفولة مبكرة لتكبر معنا وتتفـاقم وتحوّل أرواحنا بالتدريج إلى شبابيـك مفتوحة تستقبـل كل ريح يمكن أن تعصف بدواخلنا فتكسرنا دون أن نعي.
يقول “غاي وينتش”، وهو كاتب ومعالج نفسي، إنه يمكننا التعامل مع مشكلاتنا العاطفية والنفسية بأن نتدرب على تنقية النفس والعقل.. و“أن ننظف أرواحنا من آلامها”.. وهذا ليس تعبيرا أدبيا إنما هو مصطلح علمي صرف.. ويحدثنا بأننا نستطيع بالتركيز والعزيمة أن نلغي أي فكرة سلبية تجعلنا نستسلم لها وتؤمن بعدم قدرتنا على تخطيها.. لأن مقاومة استسلامنا لها هو العلاج.. فحين نصدّق أننا فاشلون مثلا.. لن ننجح!
إن مشاعرنا وعقولنا ليست بالضرورة مثل أصدقائنا المخلصين.. فهي أشبه بأصدقاء مزاجيين يتصرفون بحسب أهوائهم: يساندوننا في أحيان ويخذلوننا في أخرى.. فأنت قد تجلد نفسك وتكيل لها الشتائم حين تخطئ.. لكنك تعتني بأصغر جرح يصيبك في إصبعك!.. فلماذا لا نتصرف بالطريقة نفسها مع جروحنا النفسية؟.. لماذا لا نكسر طوق السلبية قبل أن يلتف على عقولنا فيشلها.. أو يحيلها إلى عدو؟..
الكثيرون منا لا يدركون حقيقة ما يمتلكون من طاقة ولذا فهم يتصرفون دون قدراتهم.. ولكننا نستطيع، كلما ازدادت معرفتنا، أن نسبر أغوار دواخلنا لنصل إلى الحلول الناجعة.. نستطيع مثلا أن نشغل عقولنا المتعبة المجروحة بأن نهتم بتفاصيل صغيرة.. أن نبحث عن أي جمال لحظي عابر يشحذ طاقتنا الإيجابية الداخلية..
أما المحبة والحنو والرفق بأنفسنا ومشاعرنا ومشاعر من حولنا فهي الجوهر الأساسي لصحتنا النفسية.. وهي التي تجعل حياتنا أكثر استرخاء وعافية.. أحبب نفسك تكن أنت وتحب حياتك..