سقوط السياسة وصعود الحرب

السبت 2015/04/04

بات الوصول إلى حل للأزمة السورية أمرا صعب المنال والتحقيق، فأربع سنوات من الحرب الطاحنة لم تهزم أيا من الطرفين، فلا غالبية الشعب السوري المعارض للنظام والمتضرر منه قبل أن يتراجع عن إسقاطه واستعادة حريته، ولا رأس النظام السوري استسلم وقبل أن يتنحى عن السلطة لصالح حكومة انتقالية تُنقذ ما تبقى من البلد.

النظام السوري رفض خلال أربع سنوات كل التسويات التي قُدمت له وعطّل كل المبادرات التي لم تضمن استمرار وجوده، حاكما ومقررا لمصير الشعب، ومازال، حتى اليوم، يرفض أي تسوية تتضمن تعديلا أو تطويرا في نظامه السياسي، أو تغيير هيكليته وممارساته، واشترط قبل أي حل أن تقوم المعارضة المسلّحة بتسليم أسلحتها، والاستسلام للجيش وحلفائه من الميليشيات، والتخلي عن طلب تغيير النظام والموافقة على ترشّح الأسد لفترات رئاسية مقبلة مع صلاحيات شبه مطلقة، وأقصى ما ألمح لإمكانية قبوله هو إصلاحات أقصاها تعيين عدد من المعارضين كوزراء ضمن نفس الآلية والنهج والسياسة الأمنية القائمة.

المعارضة بدورها لم تقبل بأي تسوية غير قائمة على قاعدة تغيير النظام السياسي القائم تغييرا شاملا، وإقامة نظام ديمقراطي تعددي تداولي، والعهدة بإدارة سورية لسلطة حكم انتقالية، لها جميع الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بما في ذلك صلاحيات رئيس الجمهورية.

اشترطت المعارضة أيضا أن تكون غاية أي مفاوضات هي تنحي بشار الأسد، وأن تكون هذه المفاوضات وفق إعلان جنيف كحد أدنى، فيما اشترط الثوار أن تتم إعادة هيكلة الجيش والقوات الأمنية بالكامل وتغيير مهامها ليندمجوا بها كشركاء، أما ملايين المنكوبين فهم يريدون محاكمة رموز النظام وكل من تسبب في قتل السوريين وتدمير البلد.

الفرق شاسع بين المشروعيْن، والفجوة عميقة ونقاط التلاقي نادرة، واستطرادا فإن التسوية تبدو مستحيلة، ومن الصعب الوصول إلى نقطة لقاء، والأطراف الإقليمية والدولية لم تستطع تقليص الخلاف، ومع استمرار الحرب السورية تتفاقم المشاكل الإقليمية الأخرى المرتبطة ببعضها، كمشكلة العراق وتدخلات إيران الإقليمية وأزمات لبنان وفلسطين واليمن والأكراد وحزب الله والميليشيات الطائفية العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها.

وسط هذا الوضع التشاؤمي، تقلص عدد من يعتقدون بوجود فرصة لحل سياسي للأزمة السورية، وهو منطق الأشياء، فالمعارضة التي كانت تجري وراء حل سياسي وفق إعلان جنيف يئست وتعبت من الجري وراء الدول والاجتماعات والمؤتمرات والأوهام، وكذلك المعارضة المسلحة التي كانت تأمل في أن تنجح السياسة في تحقيق ما فشل فيه السلاح.

وكما تحوي الحياة تغييرات مفاجئة في المسارات، أحدثت المعارضة السورية تغييرات في الواقع العسكري الموضعي، فخلال أسبوعين استطاع ثوار الجنوب طرد قوات النظام والميليشيات الموالية لإيران من بصرى بدرعا والسيطرة على معبر نصيب الحدودي مع الأردن، واستطاع نظراؤهم في الشمال السيطرة على مدينة إدلب، وهذا التقدّم الميداني أحيا لدى الكثيرين الإيمان بإمكانية تحقيق المعارضة المسلحة نصرا عسكريا، وعاد الكثيرون ليتحدثوا عن عقدة الخوف من عسف النظام وقوة إيران.

مبدئيا، ووفق المعطيات القائمة، يمكن التوقع بأن التسوية السياسية في سوريا لن تأتي خلال أشهر ولا حتى خلال سنة، لأن اللعبة داخل وخارج الحدود أصبحت كبيرة، لا يحكمها الطرفان السوريان المتصارعان وحدهما، وبالتالي لا أمل في حل سياسي على المدى المنظور.

بالمقابل، عادت المعارضة السورية تتحدث عن أن تحقيق انتصار عسكري على النظام لم يعد ضمن المستحيلات، خاصة وأن النظام السوري استخدم خلال أربع سنوات كل ما لديه، من الرصاص إلى الكيميائي، ودعمته إيران بأقصى ما يمكن أن تدعم، وكذلك فعلت روسيا، ووصل الدعم إلى حده الأقصى الذي لا سقف فوقه، واستنفد النظام كل ما يملك من خزان بشري في حربه، وبات يعتمد على ميليشيات عابرة للحدود لترقيع النقص، من العراق وأفغانستان واليمن وإيران وغيرها، وخسر جزءا غير قليل من الحشد البشري الموالي.

أما المعارضة السورية المسلحة فقد تطور عددها خلال أربع سنوات من لا شيء إلى عشرات الآلاف من المقاتلين، وهي في ازدياد مستمر كل يوم، وباتت تمتلك أسلحة من كل نوع بعد سيطرتها على مستودعات أسلحة.

وسط هذا التقهقر لقوى النظام وتمدد المعارضة المسلحة، عاد السوريون للحديث عن الحل العسكري مقابل التهميش السياسي، وبات هناك من يؤكد أن السوريين قادرون على تحقيق الانتقال السياسي بالسلاح.

ومع عدم وجود درجة كافية من القناعة والحماس لدى المجتمع الدولي للقيام بخطوات حاسمة ومُلزمة لحل الأزمة السورية بإشراف دولي صارم، لم يبق أمام السوريين، إلا انتظار أن يقتنع المجتمع الدولي للقيام بهذه الخطوات، أو أن ينسفوا فكرة “لا حل عسكريا للأزمة السورية” ويُثبتوا العكس.

إعلامي سوري

9