عدلوا خطواتكم على خطوات نسائكم
عندما أمشي في الشارع، يسبقني الرجل الذي أحب دائما بنصف خطوة، بحيث تحتاج كتفه التي من جهتي إلى استدارة 45 درجة ليكون وجهه في مواجهتي.
في البداية اعتقدت أن الأمر سهو منه ليس أكثر، لكن مع محاولاتي الدائمة للحاق به، دون فائدة، ومع تكرر الموضوع على مدى سنة كاملة، طرحت عليه السؤال التالي: لماذا تحرص أن تسبقني بنصف خطوة؟ فكان جوابه: ليس حرصا، إنما حجم خطوتي أكبر من خطوتك بقليل، وهذا طبيعي.
في إحدى المرات ونحن نمشي مشيتنا نفسها، المرتاحة بالنسبة إليه، اللاهثة بالنسبة إلي، اقترب منا زوجان هولنديان ليتحاذا بنا في خط مستقيم تماما وهما يمشيان مشية تبدو من خلالها أرجلهما في تناسق وانتظام غريب، دون فرق سنتميتر واحد، كأنهما تلقيا تدريبا على ذلك. قلت لرجلي: هل ترى كيف يمشيان؟ هكذا أريد أن أمشي معك. فقال: كأنهما في الجندية، هذه مشية عسكرية!
أردت أن أقول له: نعم، فإيقاع عاشقين أو زوجين أو حبيبين، لا يختلف كثيرا عن إيقاع مشية عسكرية، ويحتاج لنفس الانضباط والالتزام والتحكم، فإن تخلف أحدهما اختلف الإيقاع ليصبح نشازا مملا، واختل النظام ليصبح فوضى وارتجالا، فحجم خطوتنا ليس في أرجلنا، إنما في عقولنا.
لكني اكتشفت أنني محظوظة بمحاربة نصف خطوة مقارنة بنساء وثقافات لا تزال تحارب خمسين مترا! وأحيانا أميالا طويلة من التخلف.
درس الباحثون ظاهرة تأخر الطفل عن أمه عندما يمشيان معا في الطريق، ليكتشفا أن الطفل يتأخر بضعة أمتار، ليس بسبب بطئ خطوته أو لأنه يشعر بالتعب سريعا، إنما لأن هذه المسافة تسمح له برؤية أمه كاملة، وهو ما لا يتسنى له عندما يتحاذى معها.
إذن المسافات ليست مجرد فارق في الخطوة أو في الأداء الوظيفي لأجسادنا الذي يختلف من شخص لشخص، إنها بالأحرى طريقة رؤية، وبعد ضروري في العلاقات بين البشر.
وإذا كان الطفل أدرك بحاسته الفطرية ضرورة أن يعدل مشيته مع أمه وفق عامل الرؤية، يتأخر ليراها كاملة، وبالتالي ليمد علاقة متكافئة معها. فإن الرجل مطالب أيضا بالتفكير في المسافة التي تسمح له برؤية شريكته كاملة، في علاقة تكافئية.
في ثقافات كثيرة، لا تزال المرأة تتخلف عن الرجل بضع خطوات أو أمتار، وفي بلد مثل هولندا، لا زال يعترضني هذا المشهد يوميا تقريبا في الأحياء التي يسكنها الأجانب والجاليات.
وكلنا أو معظمنا، يخزن في ذاكرته مشهد أمه تسير خطوات خلف الأب، في ركب معتاد، يشير إلى موقعه القيادي في الأسرة، وهو، ما لا نعترض عليه، هنا، لكنه بالتأكيد مشهد يدل على أن هذه الخطوات ليست حركة اعتباطية، وإنما ذات بعد ثقافي، واجتماعي داخل كيان الأسرة الواحدة.
أن تعدل خطوتك على خطوة المرأة التي ترافقك، في الحياة أو في الطريق، تبدو في ظاهر الأمر حركة تقنية، ليست ذات أهمية كبرى، لكنها، أكثر من ذلك بكثير، إنها طريقة تفكير ووجهة نظر في الحياة وعامل أساسي لتحقيق فكرة المساواة والعدل.
عدلوا خطواتكم على خطوات نسائكم!